الاتحاد الأوروبي يبحث عن بدائل للخروج من تبعية الغاز الروسي
رغم أن أزمة الغاز بين وروسيا أوكرانيا لم تطال الدول الأوروبية بشكل مباشر، إلا أنها كانت كفيلة بلفت أنظار هذه الدول الى خطورة تبعيتها لموسكو وشدة اعتمادها عليها فيما يتعلق بتزويدها بأحد أهم مصادر الطاقة الحيوية المتمثلة بالغاز الطبيعي، لاسيما بعد ان أتضح ان موسكو قد تلجأ الى التلويح بسلاح النفط واستخدامه كوسيلة ضغط من أجل خدمة سياستها الخارجية كما فعلت مع أوكرانيا . كما يعتقد المراقبون أن روسيا سعت للضغط علي أوكرانيا ليس بهدف تحقيق عائد مادي من وراء محاولتها بيعها الغاز لها بأسعار مرتفعة، وإنما عقابا لها لمحاولتها الخروج عن فلك موسكو وسعيها إلى الانضمام الى الاتحاد الأوروبي. ويعزز من هذا الاعتقاد الاتفاق الذي توصل إليه البلدان من أجل حل الأزمة والذي لم يجلب مكاسب مادية كبيرة لموسكو.
وفي هذا الصدد يعتقد الخبير الألماني المتخصص في الشؤون الروسية، هانيس ادومايت، أن "السياسة الخارجية الروسية تعتمد على ثلاثة أركان تسعى من خلالها موسكو للعب دور مؤثر في العلاقات الدولية هي: عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي وامتلاكها للسلاح الاستراتيجي النووي ثم ـ وهذا هو الركن الثالث ـ امتلاكها لمصادر للطاقة." غير ان الخبير الألماني يقلل من أهمية النظرية القائلة بان أوروبا تابعة لروسيا فيما يتعلق بحاجتها للطاقة، وهو يرى ـ ان كان ولابد من الحديث عن التبعية ـ أن هناك ما يمكن تسميته بـ"التبعية المزدوجة" بين كل من روسيا والدول الأوروبية، إذ ان اعتماد موسكو على الزبائن الاوروبين الأغنياء لا يقل أهمية عن اعتماد هؤلاء على الطاقة الروسية، بل على العكس من ذلك: إن روسيا لا تستطيع الاستغناء عن المشتريات الأوروبية والعملات الصعبة التي تدرها هذه المشتريات على اقتصادها.، حسب تعبير ادومايت.
سياسة أوروبية مشتركة في مجال الطاقة
لا شك أن أزمة الغاز الروسية ـ الأوكرانية هزت الثقة في موسكو كشريك في تزويد أوروبا بالطاقة وخلقت شكوكا لدى الدول الأوروبية تجاه روسيا التي تعتمد عليها السوق الأوروبية في تغطية جزء كبير من احتياجاتها من الغاز. هذا الأمر جعل الحكومات الأوروبية تفكر في إعادة النظر في سياستها القائمة على الاعتماد بدرجة رئيسية على مصادر الطاقة الروسية. ومن هذا المنطلق تسعى الدول الأوروبية حاليا للعمل معا في إطار مؤسسة الاتحاد الأوروبي على انتهاج سياسة أوروبية مشتركة الغرض منها تنويع مصادر الحصول على الغاز وتوسيع خطوط الإمداد بها من مناطق أخرى كوسط أسيا والشرق الأوسط. وفي هذا السياق تسعى النمسا، الرئيسة الدورية الحالية للاتحاد الأوروبي، الى إدراج مسألة الإمداد والتموين بالطاقة على جدول أعمال الاتحاد الأوروبي، الذي لم تكن هذه المسألة ضمن إطار اختصاصاته، بل كانت شأناً داخليا متروكا لكل دوله على حدة. ومن ضمن المشاريع الأوروبية المقترحة للتقليل من تبعيتها للدول المصدرة للطاقة، ترشيد الاستهلاك وكذا اللجوء إلى المصادر البديلة والمتجددة للطاقة كالشمس والرياح.
إحياء فكرة "مشروع نابوكو" وفرص الدول العربية
في هذا الإطار يمكن فهم مطالبة المفوضية الأوروبية لأعضاء الاتحاد بالعمل على الحد من ابتزاز الدول المصدرة للطاقة أو تلك الدول التي تمر عبرها خطوط الإمدادات. وحثت المفوضية الحكومات الأوروبية على العمل على توسيع شبكة خطوط الإمداد بالطاقة وتنويع مصادرها مناطق الحصول عليها بحيث تشمل أكثر من منطقة وأكثر من دولة تأتي منها الطاقة أو تمر عبر أراضيها خطوط الإمداد بها. وفي هذا السياق عادت إلى الأذهان فكرة المشروع الذي عرف "بمشروع نابوكو"(Nabucco-Projekt)الذي يقوم على أساس مد أنابيب الغاز الى أوروبا من كازاخستان وإيران ودول الشرق الأوسط عبر تركيا ودول البلقان.
ولعل اتجاه الدول الأوروبية نحو سياسة تنويع مصادر الطاقة من شانه أن يصب في مصلحة الدول العربية المنتجة للطاقة والتي يتوجب عليها هي الأخرى إدراك المتغيرات الجديدة في السوق العالمية وبالتالي الاستفادة من التوجهات الجديدة للدول المستهلكة. كما سيكون من مصلحة الدول العربية المنتجة للطاقة كسب دول الاتحاد الأوروبي ـ القريب جغرافيا من المنطقة ـ كسوق واعدة جديدة لمنتجاتها وبالتالي كشريك اقتصادي الأمر الذي من شانه توفير فرص تبادل أكثر لمصلحة الطرفين.
عبده جميل المخلافي