الإعلام العربي وانتخابات تركيا.. هل خرج من عباءة الحكومات؟
١٧ مايو ٢٠٢٣من المقرر أن تشهد تركيا جولة ثانية للانتخابات الرئاسية في 28 أيار/مايو وذلك بعد أن فشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومرشح تحالف المعارضة كمال كليجدار أوغلو في حسم نتيجة التصويت من الجولة الأولى.
ما سبب كل هذا الاهتمام؟
شهدت الانتخابات التركية - خصوصاً الرئاسية - اهتماماً عالمياً واسعاً، فتركيا هي إحدى الدول المؤسسة لحلف شمال الأطسي وهي دولة محورية ترتبط بالكثير من الملفات الشائكة للغاية كالصراع السوري وعلاقاتها المتراوحة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى، إضافة إلى الأزمة المستمرة منذ عقود مع الأكراد وكذلك العلاقات مع العراق وإيران والسعودية وقطر وغيرها من الملفات الملتهبة.
ويرجع جانب كبير أيضاً من الزخم المحيط بالانتخابات التركية إلى شخصية الرئيس التركي أردوغان المعقدة والمثيرة للجدل، فالرجل يحظى بشعبية ليست قليلة داخل وخارج تركيا، وهو في السلطة منذ أكثر من 20 عامًا.
ويشيد مؤيدوه بحركة البناء والتشييد وتطوير الصناعات التي يقودها في تركيا، كما ينظر إليه مؤيدوه ومعارضوه على حد سواء على أنه شخص شديد البراغماتية على استعداد لعقد الصفقات والتسويات من أجل تحقيق أهدافه.
لكن على جانب آخر تُوجه إليه اتهامات قاسية سواء من معارضيه في الداخل أو حتى من قبل الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وملاحقة الصحفيين وسجن النشطاء والمعارضين البارزين.
كما وجهت له اتهامات عدة بالاستبداد خصوصاً بعد أن حول تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، ووجهت إليه أيضاً تهم بالفساد، وهو ما ركزت عليه عدة وسائل إعلام عربية.
أيضاً ركزت وسائل إعلام عربية انتقاداتها على سياسات أردوغان الخاصة بدعم التيارات الإسلامية في المنطقة وعلى رأسها دعمه السابق لجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها عدة دول عربية وخليجية جماعة إرهابية.
نماذج مختلفة من التغطية
شهدت التغطية انتشاراً لبعض الأرقام المبالغ فيها أحياناً والاعتماد على بعض المصادر بعينها سواء التابعة لمناصري الرئيس التركي أو للمعارضة، وهي حربٌ كانت مستعرة واستمرت حتى الساعات الأولى من اليوم التالي للانتخابات. كما شهدت التغطية انتشاراً لبعض الأخبار غير الصحيحة مثل الادعاء بأن أردوغان صفع طفلاً خلال وقوفه في طابور الإدلاء بالأصوات ليتضح لاحقاً أن الطفل هو حفيده وأنه كان يداعبه.
ووفقاً لتعليقات خبراء ومحللين، فقد كانت تغطية عدد غير قليل من وسائل الإعلام الخليجية أكثر إيجابية تجاه منافس أردوغان الرئيسي، كمال كليجدار اوغلو. وركزت عدة وسائل إعلام على وعوده بتغيير نظام الحكم في تركيا إلى النظام البرلماني والإفراج عن السجناء السياسيين وتعزيز حرية الصحافة والإعلام ووقف ملاحقة الصحفيين وتحسين العلاقات مع الدول الغربية.
وفي قطر، أحد أهم حلفاء الرئيس التركي، ركزت التغطية بشكل كبير على العملية الديمقراطية في تركيا واهتمت وسائل الإعلام بحرص الأتراك على المشاركة في الانتخابات التي سجلت نسباً قياسية.
أيضاً، انتشرت تعليقات لصحافيين وكتاب رأي وخبراء- عرب، تراوحت بين الدعم الكامل لإعادة انتخاب أردوغان رئيساً وبين المساندة التامة لغريمه كليجدار أوغلو، وأغلب هذه التعليقات جاءت من منطلقات سياسة الدول التابع لها الصحافي أو الكاتب.
يشرح ذلك عادل مرزوق رئيس تحرير "البيت الخليجي للدراسات والنشر" الذي كتب يقول إنه "من المنطقي جداً أن يكون للدول العربية ولكل عربي (أو حتى مش عربي) موقف أو انحياز لمرشح من مرشحي الرئاسة في انتخابات تركيا".
فيما قال الكاتب الإماراتي عبد الله النعيمي، إن الانتخابات التركية لا تهمه "ولا أي انتخابات أخرى"، وأنه يتمنى "خسارة أي مرشح يحمل فكر الإخوان أو اليسار المتطرف".
أما الأكاديمي الإماراتي البارز الدكتور عبد الخالق عبد الله فكتب يقول إن دول الخليج تفضل من تعرفه على من لا تعرفه وأنها تفضل الاستمرار على التغيير، في موقف بدا إلى حد ما مختلفاً مع الموقف العام للإعلام السعودي والإماراتي.
وحفلت التغطية العربية للانتخابات التركية بانتقادات واسعة لسياسات حزب العدالة والتنمية. واتهمت العديد من وسائل الإعلام العربية الحزب بتنفير السكان العلمانيين والأكراد في البلاد، كما انتقدت السياسات الاقتصادية للعدالة والتنمية، والتي قيل إنها أدت إلى ارتفاع مستويات البطالة والفقر في تركيا.
كيف غطى الإعلام التونسي الانتخابات؟
يرى توفيق عياشي الصحفي التونسي أن "الإعلام التونسي بشكل عام كانت تغطيته مختلفة بحسب وسيلة الإعلام وبحسب توجهها ورؤيتها لما يحدث في تركيا"، بحسب ما قال خلال اتصال هاتفي مع DW عربية.
ويضيف شارحاً: "بالنسبة للإعلام الخاص المستقل الذي يتميز بشيء من الاتزان والموضوعية، فقد ركز على الانتخابات والمنافسة في حد ذاتها، ومجريات العملية الانتخابية وتداعياتها، كما ركز على مسألة الدور الثاني للانتخابات الرئاسية وهو ما رأت فيه تلك الوسائل الإعلامية أنه الحدث الأهم والأبرز في هذه الانتخابات .. بمعنى أن الإعلام الخاص المستقل في تونس تعاطى مع الحدث كحدث إخباري له امتدادات وله تداعيات".
ويتابع عياشي قائلاً إنه "بالنسبة للإعلام، سواء الذي يتخذ مسافة أو يعادي حركات الإسلام السياسي، فقد غطى بشكل يظهر وكأن إجبار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على المنافسة في دورِ ثانِ يعد بمثابة الهزيمة، ويرى هذا الإعلام أن تجربة الإسلام السياسي التركية كانت قاصرة وأن باقي التيارات الدينية في المنطقة والتي كانت تستقي منها التجربة باتت ضعيفة، وباتت فاقدة للسند الشعبي والجماهيري التقليدي الذي كانت تحظى به".
أما الإعلام الذي يساند ويدعم حركات الإسلام السياسي، فيرى الصحفي التونسي أنه "قد أشاد بنسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية وجرى إسقاط ذلك على ما حدث في تونس، باعتبار أن التجربة الديمقراطية في تركيا متقدمة على تونس، خاصة وأن نسبة المشاركة في آخر انتخابات تشريعية في تونس وصفت من قبل المعارضة بالضعيفة جداً ما يعكس تدهوراًً بالمسار الديمقراطي في تونس بعد استحواذ الرئيس سعيد على جل السلطات".
ويضيف عياشي قائلاً إن هذا الإعلام "اعتبر أن التجربة الديمقراطية في تركيا ناضجة بفعل حزب العدالة والتنمية وبفعل تشبعه بالقيم الديمقراطية وقبوله بمبدأ المنافسة، ويرى هذا الإعلام في تقارب نسب الأصوات الحائز عليها كل من أردوغان وكليجدار أوغلو إشارة إلى تجذر التجربة الديمقراطية في تركيا".
واختتم بالقول إن "تعاطي الإعلام التونسي مع الانتخابات التركية كان بحسب موقف كل وسيلة إعلام وكل منبر إعلامي مما يحدث من اتجاهات سياسية من خاصة من موقع الإسلام السياسي، لأنه في تونس هناك تجربة مع الإسلام السياسي الذي أُجبر على مغادرة الحكم، وبالتالي كان التعاطي مع ما يحدث في تركيا على هذا الأساس".
الإعلام المصري.. اكتفاء بالقشور والأرقام
ويرى هشام قاسم الناشر والخبير الإعلامي المصري أن تغطية الإعلام المصري للانتخابات التركية غلب عليها عدم الاهتمام.
وقال إن "مصر التي لديها إعلام محلي بحت كانت أقرب إلى تجاهل ما حدث ويحدث في تركيا"، وأن "التغطية كانت قشرية وسطحية ولم تتجاوز عدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح، دون وجود أي محاولات للتعمق كتناول الأمر بالتعليق من الناحية الاستراتيجية على المنطقة أو سياسياً داخلياً وخارجياً".
وقال قاسم إن "الاهتمام الإعلامي المصري تركز فقط على الأرقام والحصيلة النهائية دون الدخول في تفاصيل البرامج أو الشخصيات أو أي شيء آخر بمعنى أنها كانت تغطية الحد الأدنى حتى لا يكون هناك تساؤلات عن سبب التجاهل التام لحدث كهذا".
نظرة عامة على التغطية العربية
بالنظر إلى تغطية الانتخابات التركية من زاوية أوسع وهي التغطية العربية بشكل عام فيرى الصحفي التونسي توفيق عياشي أن تغطية وسائل الإعلام العربية عموماً "جاءت مرتبطة بشكل كبير وفقاً للاصطفافات وخصوصاً فيما يتعلق بـالتجاذبات الحاصلة في المنطقة بين النظام التركي الحالي وحلفائه وبين معارضي هذا النظام.
ما يعني أن "التغطية كانت بحسب الموقف من النظام التركي الحالي"، مضيفاً أن "كل أو جُل وسائل الإعلام العربية بمختلف توجهاتها وانتماءاتها ركزت فعلاً على هذه النقطة".
ويشير من خلال مشاهداته ومتابعته لما نشر في عدد من وسائل الاعلام العربية إلى أن "هناك عناوين عامة نشرت اعتُبر من خلالها أن تجربة رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية في تركيا تترنح نظراً للنتائج التي كانت مفاجأة نسبياً".
وهناك من اعتبر أن حزب العدالة والتنمية "ما زال يمسك بزمام الأمور في تركيا رغم نسبة التصويت الأخيرة، وأن نظاماً عمره عشرين سنة في الحكم لايزال قادراً على المنافسة"..."والخلاصة أن الإعلام العربي تفاعل مع الانتخابات التركية ببعض الخلفيات الفكرية والأيديولوجية التي كانت هي الطاغية على مسار وتوجهات التغطية".
أما هشام قاسم الناشر الصحفي والخبير الإعلامي المصري فقال: "يمكننا القول إن التغطية العربية للانتخابات التركية تراوحت ما بين إعلام ركز على ما ستكون عليه تركيا في المستقبل وآخر اكتفى بالقشور والأرقام لا أكثر".
وقال قاسم إن أغلب الإعلام الخليجي مثلاً حاول أن يأخذ الصيغة الإقليمية أو الدولية لنتائج الانتخابات وحاول أن يكون تناوله للمسألة متعلق بمستقبل تركيا وإلى أين ستذهب بحسب من الفائز في الانتخابات الرئاسية وكيف سيؤثر ذلك على تحالفات تركيا الإقليمية".
وأضاف قاسم: "كان هناك تجنب لفكرة ماهية تأثير نتائج الانتخابات على طبيعة الأنظمة السياسية في المنطقة وما هو تأثير هذه العملية الانتخابية على دولة مهمة إقليمياً ودولياً كتركيا وهذا في الحقيقة ما لم أشهده وربما يكون البعض قد غطى هذه النقطة".
بين الإعلام التقليدي والإعلام الجديد
ويرى متابعون للشأن الإعلامي العربي أن الوضع على الإنترنت كان مختلفاً بشكل ما عن الإعلام التقليدي من ناحية طبيعة التعليقات والتحليلات وربما كان "أكثر تقدمية" بحسب وصف البعض، فالصحافة التقليدية "ركزت أساساً على مسألة تصادم المحاور وانقسمت بين شق داعم للرئيس رجب طيب أردوغان، وأخر داعم لمنافسه كليجدار أوغلو" بحسب ما قال توفيق عياشي.
أما هشام قاسم الخبير الإعلامي المصري فيرى أن هذا أمر طبيعي ومفهوم "لأن الإعلام في هذه المنطقة تسيطر عليه الأنظمة في حين تقف آراء وتحليلات المعلقين وكتاب المقالات على الإنترنت في مكان آخر تماماً".
ويضيف أنّ هؤلاء "كانوا يتحدثون عن مرحلة متقدمة من التحليل والرؤية المستقبلة، بينما كان أغلب الإعلام يحاول عدم التعمق في هذه المنطقة أو ربما عدم الدخول فيها والاكتفاء بالتغطية وفق الأوامر الصادرة من رئاسة التحرير؟
وينهي قاسم كلامه بالقول: "وهنا تجد الاختلاف الذي يُظهر الفارق بين الواقع السياسي العربي وأين يقف رأي الشارع أو الفكر العربي".
عماد حسن