الإعلام الجديد وحراك التغيير في العالم العربي
٢٢ يونيو ٢٠١١في إطار فعاليات المنتدى العالمي للإعلام في دورته الرابعة الذي تنظمه مؤسسة دويتشه فيله الألمانية، نظمت ندوة يوم حول دور الإعلام الجديد في "ربيع الثورات العربية"، تضمنت عدة محاور منها مدى تفاعل الغرب ودعمه لطموحات الشعوب العربية وأفق دعمه لقيم الحرية والديمقراطية التي يدعو إليها. فهل تم تضخيم دور الإعلام الجديد في اندلاع حراك التغيير في العالم العربي، أم أن الظروف الموضوعية في تلك البلدان كانت المحدد الرئيسي باعتبار أجواء القمع والنهب التي تميز الدكتاتوريات العربية؟ الندوة طرحت أيضا إشكالية التقاطع بين الإعلام الجديد والإعلام التقليدي. وشارك في هذا النشاط عدد من المدونين العرب منهم المدون المصري باسم فتحي ومفوض الحكومة الألمانية لحقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية ماركوس لونينغ وأدار الحوار رولاند ماينردوس المدير الجهوري للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية، إضافة إلى رئيس تحرير مؤسسة دويتشه فيله مارك كوخ.
"الثورات العربية ليست افتراضية"
أثار المدون باسم فتحي التجربة المصرية ونوه بأهمية "الإعلام الجديد" باعتباره مسافة التعبير الحرة الوحيدة غير الخاضعة للرقابة قبل الثورة، وأوضح الدور الكبير الذي لعبته المدونات في البداية خصوصا بعد تشبيكها بعضها مع البعض، قبل أن يأتي الفيسبوك ويزيد من زخم المشاركة والحوار. وفي حوار له مع دويتشه فيله أوضح المدون المصري أنه عمل خلال مشاركته في منتدى هذا العام على "تغيير الفكرة الرائجة في الغرب على أن الثورات العربية ثورات فيسبوكية افتراضية. وأضاف "لقد أظهرنا في هذا الملتقى الوجه الشعبي للثورة الذي يعمل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان". واعتبر أن الثورات التي عرفها الإنسان عبر تاريخه الطويل كالثورة الفرنسية وغيرها، كانت ثورات دون إعلام جديد، ولكن كان هناك نشر للمعلومة والخبر عبر منشورات وصحف وربما كتابات على الحائط.
وذهب ماركوس لونينغ في نفس الاتجاه واعتبر أن "الإعلام لا يصنع الثورات وإنما الإرادة الشعبية واعتبر أن "الشخص الذي يستطيع أن ينشر على مدونته أو على الفيسبوك معلومة "لننزل إلى ميدان التحرير" ويتم التجاوب معه هو الشخص المحدد والمؤثر رغم أهمية الإعلام الجديد الذي يستعمله.
الإعلام الجديد وسؤال المصداقية
في تدخله اعتبر مارك كوخ رئيس تحرير مؤسسة دويتشه فيله، أنه بغض النظر عن الإحصائيات التي تظهر التنامي المطرد لاستعمال وسائل الإعدام الجديد في العالم العربي كالفيسبوك وغيره وهي وسائل أعطت دفعة كبيرة لحركة التغيير، من حيث أنها مكنت الأشخاص ذوي الاهتمام المشترك من التجمع وتبادل الأفكار. إلا أنه نبه إلى أن الإعلام التقليدي يلتزم بضوابط مهنية صارمة، وعليه التثبت من مصدر وصحة المعلومات ومنها الفيديوهات التي يتناقلها الإعلام الجديد في الإنترنت، إذ لا يمكن بثها مثلا في قناة تلفزيونية تعتمد الصرامة والدقة والمهنية دون التأكد من صحة مصدرها. إلا أن كوخ أكد على ضرورة التكامل بين الإعلاميين التقليدي والجديد ولكن ليس على حساب المهنية والموضوعية.
ومن جهته أوضح المدون باسم فتحي أن تجربة الثورة المصرية أظهرت أن أيام الثورة الثمانية عشرة حدث فيها تراكم نوعي، واستطاع النشطاء تسريب معلومات حساسة وهامة إلى المحطات التلفزيونية الكبرى كالجزيرة وغيرها بهدف الوصول إلى قاعدة الجماهير الكبرى. وإذ كان هذا الأمر خدم الثورة المصرية بشكل كبير، فإنه لم يمنع من طرح أكثر من سؤال حول حيادية وموضوعية هذه القنوات واعتمادها الكلي على الإعلام الجديد في تغطيتها لحراك الشارع العربي. إلا أن هذه القنوات ترد بأن عددا من الأنظمة تمنع الإعلام الأجنبي من تغطية حرة وموضوعية للأحداث الجارية هناك كما هو الوضع في سوريا وليبيا.
سؤال الدعم الأوروبي والألماني
من الأسئلة التي أثارت جدلا كبيرا في الندوة تلك المتعلقة بما يسمى "المعايير المزدوجة" للغرب والجدل من جهة بين دعمه لعدد من الديكتاتوريات العربية كنظامي مبارك وبن علي وبين قيم الحرية والديمقراطية. ورأى ماركوس لوننيغ أن مسؤولية التغيير الرئيسية ملقاة على عاتق الشعوب العربية نفسها ولا يمكن تحميل ذلك للغرب. وأشار إلى جهود الحكومة الألمانية في نشر قيم الديمقراطية مؤكدا أن بلاده تقدم الدعم سواء في إطار ثنائي أو أوروبي للبلدان التي تبدي استعدادها لذلك. وقال لونينغ إن من مصلحة أوروبا وألمانيا أن تسود الديمقراطية في الضفة الجنوبية للمتوسط، إلا أنه أكد أن الثورات تأتي من الداخل وليس من الخارج.
أما المدون المصري باسم فتحي فاعتبر أن "فكرة المعايير المزدوجة مرتبطة في الذهنية العربية بالسياسة الخارجية للغرب، وإن كنت شخصيا لست ممن يرون مؤامرة وراء كل شيء". وقال فتحي في حديث له مع دويتشه فيله "أزعجني أن يقول مسؤول كبير في الحكومة الألمانية: نحن لم نقصر ومسؤولية التغيير تقع على عاتقكم". وأضاف "دعني أقول إننا حينما كنا في حاجة إلى المساعدة لم نتلقاها، وخضنا معركتنا لوحدنا". واعتبر فتحي أنه يتفهم تماما شرعية مصالح الدول في العلاقات الدولية، إلا أنه أضاف "لا أتصور أن يكون مضمون هذه المصالح بلا قيم".
وأجمع المشاركون على أن الثورات العربية أحدثت تململا في رؤية الأوروبيين للعالم العربي الذي ارتبط بعد أحداث الحادي عشرة من سبتمبر/ أيلول 2011 بالإرهاب والتطرف الإسلامي. واتضح أن المنطقة العربية لا تصدر الموت فقط وإنما شبابها قادر أيضا على الموت من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية.
حسن زنيند
مراجعة: طارق أنكاي