الإسلام الإندونيسي على المحك
٣ يوليو ٢٠١٦يمكن للمراقب الخارجي ملاحظة تزايد انتشار الأَسْلَمَة في إندونيسيا. فعدد النساء اللواتي يرتدين الحجاب في تزايد مستمر. وكان الرئيس الإندونيسي الأسبق، سوهارتو، قد فتح الباب لهذا التوجه في أسلمة البلاد خلال سبعينيات القرن الماضي، من خلفية رغبته في تحصين إندونيسيا ضد الإغراءات الشيوعية. سوهارتو عزز بشكل ممنهج زيادة مستوى التدين لدى المواطنين. قبل خمسين عاماً فقط كان لأغلبية سكان جزيرة جاوا (42 بالمائة من مجموع السكان) شعور بأنهم جاويون أكثر من كونهم مسلمين. أما اليوم فيؤدي هؤلاء فريضة الصلوات الخمس، ويحجون إلى مكة. وليست من قرية في جزيرة جاوة بدون مسجد.
ظاهرة تعود إلى القدم
اتسم الإسلام الإندونيسي دائما بوجود جناح متطرف بداخله. فبين 1950 و1966 خاضت حركة "دار الإسلام" في آتشيه (بجزيرة سومطرة) قتالاً بهدف إقامة دولة إسلامية هناك. كما تم القضاء هناك على عدة محاولات إرهابية بداية الثمانينات. كما شارك حوالي 3000 "مجاهد إندونيسي" في القتال في أفغانستان ضد السوفيت. آنذاك وتحت القيادة الروحية لأسامة بن لادن، كان الأمريكيون يدفعون لهم مبالغ مالية من أجل القيام بذلك.
ثم جاء الانفتاح الديمقراطي عام 1998 فأصبح الطريق مفتوحا لوصول المتطرفين إلى الرأي العام. وقامت الشرطة والجيش برعاية مجموعات تقوم بأعمال عنف، مثل "جبهة الدفاع عن الإسلام"، التي استخدمها الجيش كقوة مضادة في وجه الطلاب المطالبين بالديمقراطية. كما قامت عناصر من الجيش بنقل مقاتلي"لاسكر جهاد" إلى جزر الملوك- مخالفين بذلك أوامر الرئيس عبد الرحمن وحيد- للإبقاء على النزاع الإسلامي-المسيحي القائم هناك.
ومنذ سنوات تنشط السعودية في الدعاية للوهابية هناك من خلال التبرعات السخية للمؤسسات التعليمية الإسلامية. لكن ما يدعو للقلق بشكل أكبر هو انتشار الإسلام الأصولي بين الطلاب في كبريات الجامعات. فهناك مثلا"حزب التحرير الإندونيسي" الذي يسعى لإقامة خلافة إسلامية في جنوب شرق أسيا. وتقوم مجموعات إرهابية صغيرة، تخضع لملاحقة شديدة من الأجهزة الأمنية، بتجنيد العديد من المقاتلين العائدين من أفغانستان.
تيار إسلامي معتدل وعريض
حتى اليوم ليس لهذه المجموعات الإرهابية تأثيراً سياسياً، إذ فشلت عام 2001 محاولة فرض الشريعة على المسلمين وتضمين ذلك في الدستور، بعدما رفض مجلس الشعب الاستشاري (البرلمان) ذلك بأغلبية 81 بالمائة من الأصوات. هذه الحادثة وغيرها تكشف أن التيار العريض لما يقارب 220 مليون مواطن إندونيسي يقف بالمرصاد ضد التطرف. فعدد المتطرفين ضئيل ولا يتعدى عدد أعضاء تنظم "الدولة الإسلامية" في البلاد أكثر من 500.
هناك جمعيتان إسلاميتان مؤثرتان في البلاد: جمعية "نهضة العلماء"، ذات الطابع الريفي ويبلغ عدد أعضائها 40 مليوناً، و"الجمعية المحمدية"، بعدد أعضائها البالغ 30 مليون والمتمركزة بالخصوص في المدن. ترفض الجمعيتان إقامة دولة إسلامية في إندونيسيا. وتعترف الجمعيتان بشكل الدولة الإندونيسية الحالية. ويقوم نظام الحكم الحالي للدولة على مبادئ "پانچاسيلا". وهي خمسة مبادئ صاغها الرئيس الأسبق سوكارنو عام 1945 كعقيدة للدولة الناشئة لتجمع الإندونيسيين على مختلف مشاربهم.
دور مهم للإسلاميين في تاريخ البلد
خلال فترتين مهمتين برهن التيار الإسلامي العريض على رؤية أخلاقية ومجتمعية: بعد إعلان استقلال إندونيسيا عام 1945 قرر مجلس الشعب الاستشاري بالإجماع شطب نص كان يلزم الأندونيسيين بتطبيق الشريعة. واعتبر مجلس الشعب الاستشاري أن ذلك النص يضم تمييزا ضد الإندونيسيين غير المسلمين، على الرغم من أن المسلمين يشكلون أغلبية بنسبة 88 بالمائة. وتشكل مبادئ "پانچاسيلا" الخمسة، والتي قام على أساسها هناك تيار الإسلام السياسي العريض خلال الثمانينيات، أسس وحدة الدولة الإندونيسية، ذات التعدد الثقافي الكبير.
ومرة أخرى وبعد الاضطرابات الخطيرة بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق سوهارتو عام 1998 أخذ إسلاميون زمام الأمور بأيديهم، حيث إن ربيب سوهارتو وخليفته ورئيس "جمعية المثقفين المسلمين"، يوسف حبيبي، عبدوا خلال بضعة أيام طريق انتقال إندونيسيا للديمقراطية. فتولى الحكم خليفته عبد الرحمن وحيد، الذي ترأس جمعية "نهضة العلماء" على مدار 15 سنةً. وفي نفس الوقت، ترأس الرئيس السابق للجمعية المحمدية، أمين رايس، مجلس الشعب الاستشاري (البرلمان) بين الأعوام 1999 و2004. أمين رايس هو الذي كان قد قاد عملية الإطاحة بسوهارتو. وخلال فترة رئاسته قام بإصلاحات سياسية كثيرة مثل نظام الانتخابات الرئاسية المباشرة، وتحديد مدة الرئيس في دورتين، وغير ذلك من التشريعات المستوحاة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وإلى التيار الإسلامي العريض يعود الفضل في عدم انتشار الحرب الأهلية العنيفة بين المسيحيين والمسلمين بين عامي 1999 و2000 في مناطق شرق إندونيسيا وجاوة وسومطرة. وقد ذهب ضحيتها بداية 8000 شخصاً. وحدث في إندونيسيا أن تحالف أكبر الأحزاب الإسلامية "حزب ماسومي" مع حزبين مسيحيين والحزب الديمقراطي الاشتراكي ضد الرئيس سوكارنو للمطالبة بالديمقراطية.
نظرة مستقبلية واعدة
هل يستطيع المعتدلون الصمود أمام التطرف المتزايد؟ جمعية "نهضة العلماء" و"الجمعية المحمدية" تعيان هذا التحدي وتعتبران أن الوهابية السعودية بدعة. كما ترى الجمعيتان أن الخصم هو التطرف الإسلامي، وليس المسيحيون أو الهندوس. وتدرك الجمعيتان خطر جاذبية الحركات المتطرفة على الأجيال الشابة، ولذلك فإنهما تتعاونان مع مجموعات شابة ومنفتحة وتدعمان الحرية الدينية، دون المساومة في مسألة الحرية.
فرانتس ماغنس-سيسنو: باحث في اللاهوت الكاثوليكي والفلسفة والدراسات الاجتماعية، يقيم في إندونيسيا منذ أربعين عاما. وكان لسنوات طويلة رئيس الجامعة الفلسفية "Driyarkara" في جاكرتا. وهو يتمتع بسمعة حسنة لجهوده في مجال دعم الحوار بين الأديان في إندونيسيا.