الإسرائيليون يتدارسون استراتيجية المستقبل إزاء حماس
٢١ فبراير ٢٠٠٦في الثامن والعشرين من آذار/مارس القادم ينتخب الإسرائيليون الحكومة التي ستقود الدولة العبرية في وقت طرأت فيه تغيرات من نوع آخر لم يتوقعونها، وبالتالي لم يتوصل المحللون السياسيون والمخططون الاستراتيجيون الى ماهية الاسلوب الأمثل للتعامل معها. فالنتائج المفاجئة التي حققتها حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية اربكت الشارع والمشرع الاسرائيلي على السواء. لا شك أن اسرائيل استطاعت في السنوات الاخيرة أن تطور استراتيجية معينة لكيفية التعامل معها كحركة خارجة عن اطار السلطة الفلسطينية، حركة يسهل عزلها دوليا وضرب قيادتها وتحجيم دورهم السياسي على الساحة الدولية. أما اليوم فان هذه الحركة لم تصبح جزءا من السلطة الفلسطينية فحسب، بل أصبحت على رأسها تماما، وترتكز في ذلك على أغلبية برلمانية مريحة أفرزتها انتخابات حرة ونزيهة باعتراف الداني والقاصي. اذا اسرائيل تجد نفسها اليوم امام وضع جديد، فهي من ناحية مجبرة على الاقرار بأن شريكها في العملية السياسية، متمثلا في الرئاسة بقيادة عباس، هو اليوم أضعف من أي وقت مضى ولا يمكنه تمرير قرارات لا تحظى بموافقة البرلمان الفلسطيني (الا اذا اراد بذلك الخروج عن الاعراف الديمقراطية التي ارسى قواعدها هو بنفسه وهذا سيحفظه له التاريخ دوما)، وانه من الصعب على الرأي العام العربي والاسلامي ومعه الدولي أن يتجاهل حقيقة أن حماس أصبحت واقعا سياسيا يجب التعامل معه بشكل يخدم مصالح جميع الاطراف في المنطقة، وان القرارات المتسرعة قصيرة الاجل ليست الحل الافضل في التعامل مع هذه المسألة.
حماس والانتخابات الاسرائيلية
المراقب للشأن الاسرائيلي يلاحظ أن استراتيجية التعامل مع سلطة على رأسها حماس هو الموضوع الاول في البرامج الانتخابية للاحزاب الاسرائيلية. بينيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود، أكد من جديد على موقف حزبه المتصلب بشأن التعامل مع حماس. أيهود اولمرت، رئيس الوزراء بالوكالة، وزعيم حزب كاديما، اتخذ قرار يتجميد دفع الاموال الفلسطينية المستحقة من الضرائب والجمارك، وهذا ما يجد تجاوبا واضحا لدى نتنياهو الذي قال "انه لمن العبث أن تقوم دولة بدفع أموال لحكومة اعلنت دوما أن هدفها الاول هو ازالة هذه الدولة عن الوجود." وشبه الزعيم الليكودي الدولة التي تقوم بذلك ـ ويعني هنا اسرائيل ـ بالنعامة التي تدفن رأسها بالرمل كوسيلة لحماية نفسها من الخطر، اعتقادا منها أن عدم رؤية الخطر بالعين المجردة يعني عدم وجوده أو زواله."
ولا يقتصر هذا الموقف السلبي تجاه حماس على اليمين الاسرائيلي، بل تعداه ليشمل الاحزاب اليسارية أيضأ. شمعون بيريس، الذي مازال ينتمي رسميا لحزب العمل الاسرائيلي، وصف فوز حماس "بالكارثة"، منوها في الوقت ذاته الى أن اتفاقية اسلو للسلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين "قائمة" وأنها "اساس التعامل بين الطرفين." بيريس ذكر أيضا بان الرئيس عباس وليس رئيس الوزراء المعين اسماعيل هنية "هو المسؤول عن رسم وتطبيق السياسات الخارجية للسلطة وعن المفاوضات مع اسرائيل." أما حزب ميريتس اليساري فقد وصف هو الآخر على لسان زعيمه يوسي بيلين سيطرة حماس على السلطة بانها "خطوة الى الوراء"، الا انه اعتبر أن اجراءات الحصار المعلنة ضد السلطة الوطنية الفلسطينية "سابقة لأوانها". وقال بيلين في تصريح للاذاعة الاسرائيلية: "صحيح أنه تم تشكيل برلمان جديد في غزة ورام الله، ولكننا لا نعرف حتى الآن شكل الحكومة المقبلة ومن هي الاطراف التي ستشارك فيها."
كارتر: لا تعاقبوا الفلسطينيين
انضم الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر الى الأصوات المعارضة لفرض حصار اقتصادي على السلطة الفلسطينية بسبب ترأس حماس لها. وقال كارتر في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" أمس الاثنين 20 فبراير/شباط 2006 "من المهم خلال هذه الفترة، قبل تشكيل الحكومة الفلسطينية، ان تلعب كل من اسرائيل والولايات المتحدة ادوارا ايجابية." وحذر من ان "اي اتفاق ضمني او رسمي بين القوتين لعرقلة عملية (تشكيل حكومة فلسطينية) بمعاقبة الشعب الفلسطيني قد ياتي بنتائج عكسية وربما ينتج عنه عواقب مدمرة." واضاف كارتر الذي شارك في مراقبة الانتخابات الفلسطينية الشهر الماضي "ولكن وللاسف فانه يجري العمل حاليا على مثل هذه الخطوات التي اصبحت معروفة في الاراضي الفلسطينية والعالم". وكتب يقول "ان اسرائيل تحركت بالامس لحجب الاموال (نحو 50 مليون دولار شهريا) التي يجنيها الفلسطينيون من عوائد الجمارك والضرائب. وربما يكون التصعيد الاكبر من قبل الاسرائيليين هو قرارهم عرقلة حركة اعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخبين المنتمين الى حماس عبر اكثر من مئة حاجز اسرائيل في محيط وعبر الاراضي الفلسطينية. واضاف "ان هذا الالتزام المشترك بافشال حكومة حماس بمعاقبة المواطنين قد يؤدي الى تحقيق هذا الغرض الضيق، الا ان النتائج المرجحة ستكون عزل الفلسطينيين المضطهدين والابرياء، وتاجيج العنف وزيادة النفوذ الداخلي والمكانة الدولية لحماس. وبكل تاكيد فلن يكون حافزا لحماس او لمسلحين اخرين بانتهاج الاعتدال في سياساتهم." يذكر أن مبعوث الامم المتحدة الخاص في الشرق الاوسط الفارو دي سوتو قدم أمس اعتراضات على قرار اسرائيل بوقف دفع عوائد الضرائب للفلسطينيين.ففي تصريح لرويترز وصف المبعوث الخاص القرار بانه "معرقل ومتعجل".
حماس: الكرة في الملعب الاسرائيلي
بدا رئيس الوزراء الفلسطيني المعين اسماعيل هنية هادئا وهو يعلق على المواقف الاسرائيلية الواردة الذكر حيث قال: "الكرة الآن في الملعب الاسرائيلي وليس الفلسطيني. فاسرائيل بدلا من قيامها بالتلويح بفرض عقوبات جماعية ضد الشعب الفلسطيني، عليها أن تقرأ الوضع جيدا وان لا تقدم على مثل هذه الخطوة." وكانت حركة حماس قد اختارت اسماعيل هنية لتولي رئاسة الوزراء ومن المقرر أن يسلمه الرئيس عباس كتاب التكليف الرسمي اليوم الثلاثاء 21 فبراير 2006. في هذه الاثناء بدأت حماس مشاوراتها مع الفصائل الفلسطينية لتشكيل حكومة وحدة وطنية. وقال الناطق باسم كتلة حماس في المجلس التشريعي صلاح البردويل: "هناك قواسم مشتركة بيننا وبين الرئيس عباس فيما طرحه من برنامج لكن تبقى هناك اختلافات لا سيما فيما يتعلق بالملف السياسي". وحول الحوار مع حركة فتح، قال البردويل: "من حيث المبدأ وافقوا على الجلوس معنا، لكن موعد الجلسة لم يحدد، خلال يومين سيتم تحديد موعد جلسة مع حركة فتح ".واكد البردويل أن حماس "تفترض عدم رفض الفصائل المشاركة في الحكومة. لكن في حال رفضت ذلك، من الممكن ان نشكل هذه الحكومة من حماس وتكنوقراط وخبراء من خارج حماس ".
دويتشه فيله/ وكالات