"الإدارة الذاتية بعدن"..مقدمة لحرب جديدة وانفصال جنوب اليمن؟
٢٩ أبريل ٢٠٢٠دخلت الحرب في اليمن فصلا جديداً من التصعيد. ففي نهاية الأسبوع الماضي أعلن "المجلس الانتقالي الجنوبي"، فرض حالة الطوارىء في مدينة عدن الساحلية والمحافظات المحيطة بها وسيطرة المجلس على هذه المنطقة التي تشمل كامل أراضي جنوب اليمن الموحدة في عام 1990 مع الجزء الشمالي من البلاد. هذا التطور في المشهد اليمني يعود إلي تاريخ طويل من حرب متعددة الأطراف. حتى أشهر قليلة مضت، قاتلت القوات التي يمثلها "المجلس الانتقالي الجنوبي" إلى جانب السعودية والإمارات العربية المتحدة، ضد الحوثيين المدعومين من إيران منذ سنوات. من جانبهم يقاتل الحوثيون الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا تحت حكم الرئيس عبد ربه منصور هادي. لكن في أغسطس/آب 2015 وفي ظل التقدم الكبير للحوثيين، اجبر الرئيس هادي على الفرار من العاصمة صنعاء، إلى مدينة عدن الساحلية، المدينة التي يعلن "المجلس الانتقالي الجنوبي" اليوم سيطرته عليها.
في صيف العام الماضي قامت الإمارات بسحب قواتها من اليمن لأنه لم يعد للحرب هناك مبررات عسكرية واقتصادية، حسب وجهة نظر البلد الخليجي الذي يشترك في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن. وسعت الإمارات إلى تحسين العلاقات مع إيران، ومواصلة دعم "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي انقلب على الحكومة اليمنية مؤخراً.
اتهامات ضد السعودية
برر المتحدث باسم "المجلس الانتقالي الجنوبي" الخضر سليمان قرار المجلس بالسيطرة على عدن بأنه "قرار لم يأت من فراغ"، وقال:" إنه نتيجة لسوء الإدارة وسوء التدبير". وذكر أن الوضع الإنساني قد تفاقم في الأيام القليلة الماضية، إذ خرجت خطوط الكهرباء والمياه والصرف الصحي تقريبا بالكامل عن العمل، كما وجه اتهامات خطيرة للسعودية ومنها أن المملكة لم تصرف مرتبات القوات التابعة لمجلس، كما لم يزود مقاتلوه بالأسلحة والذخيرة والطعام. واشتكى" المجلس الانتقالي الجنوبي" أيضاً من عدم تلقي أسر الجرحى والمقاتلين المتوفين الدعم المادي. وأشار سليمان إلى أن قرار المجلس الانتقالي اتخذ في ظل أزمة جائحة كورونا، وقال:" ما زلنا ندعو إلى وقف إطلاق النار وخفض التصعيد على جميع الجبهات. نريد المساعدة في مكافحة هذا الوباء في جميع أنحاء البلاد واحتواء الوضع".
انفصال "المجلس الانتقالي الجنوبي" عن السعودية له أسبابه، وفق تحليل أجراه مركز صنعاء المستقل للدراسات الاستراتيجية SCSS والذي توصل إلى أن السعودية حاولت مؤخراً إضعاف نفوذ "المجلس الانتقالي الجنوبي" بشكل ممنهج، وذلك من خلال وقف الامدادات إلى مقاتلي المجلس الذي أراد قادته إنشاء قوات مسلحة جديدة بالمساعدات المالية السعودية، مما أدى إلى انشقاق قواته عن القوات التي تقودها السعودية.
من جهة أخرى وعلى إثر الفيضانات التي شهدها اليمن قبل أيام قليلة والتي أودت بحياة العديد من الأشخاص خاصة في عدن، حاولت السعودية حشد السكان المتضررين ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، وفقا لتحليل مركز صنعاء للدارسات الاستراتيجية SCSS.
"تمرد مسلح وانسحاب من اتفاق الرياض"
من جانبها وصفت الحكومة المعترف بها دوليا برئاسة هادي إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الإدارة الذاتية على جنوب البلاد بـ "الإهانة" وقال محمد الحضرمي وزير الخارجية اليمني إن "إعلان ما يسمى بالمجلس الانتقالي عزمه القيام بما اسماه إدارة الجنوب ما هو إلا استمرار للتمرد المسلح وإعلان رفض وانسحاب تام من اتفاق الرياض". وأضاف:" أن المجلس الانتقالي المزعوم سيتحمل وحده العواقب الخطيرة والكارثية لهذا الإعلان". من جهتهم أعلن الزعماء السياسيون في عدة محافظات جنوبية عن رفضهم لبيان المجلس الانتقالي الجنوبي، منهم محافظ محافظة حضرموت، المحافظة الأكثر تأثيرا في البلاد. وأفادت تقارير صحفية أن القوات المسلحة الحكومية اليمنية المتمركزة في محافظة شبوة تستعد لشن عملية عسكرية.
مواجهات عسكرية وحرب بالوكالة؟
ووفق تحليل مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية SCSS فإن قرار المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أعلن عنه نهاية الأسبوع ينم عن "خطة غير مدروسة". ما قد يبقي مصير المؤسسات العامة الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي مجهولاً وبالأخص ميناء عدن والبنك المركزي، الذي يمول استيراد جميع المواد الخام الهامة ومشتريات النفط من السعودية.
ويحذر مركز الدراسات من احتمالية اندلاع معارك جديدة وكذا من استمرار تدهور الوضع وحدوث مواجهة عسكرية بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي. ويرى المركز أنه يبقى من غير المرجح أن تشارك السعودية بشكل مباشر في مواجهات عسكرية بين قوات حكومة هادي وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، ومن غير المرجح أيضا أن تعرض الرياض جنودها للقتل أو الإصابة أو الاحتجاز كرهائن. ومع ذلك يرى المركز أن الوضع بالنسبة للسعودية صعب لأن تواجد المملكة في المدينة يضعها أمام خيارين؛ إما تقبل سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على جنوب البلاد أو المخاطرة والتورط في مواجهة مسلحة مع حليف مفترض وغير رسمي.
وفق تحليل صادر عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي فإن الوضع الحالي في اليمن يمكن أن يتطور بالتدريج إلى حرب بالوكالة. من جهة أخرى تتوقع مؤسسة الرأي والفكر Think Tank أنه في حالة عدم وجود اتفاق ومع انخفاض قوات التحالف بشكل كبير من المرجح أن تقوم السعودية بإجراء تعديل على خطة تدخلها في اليمن وترى:" أن العملاء المحليين، المدعومين من القوى الأجنبية يعيدون تمركزهم واستعدادهم للحرب بعزم أكثر من أي وقت مضى".
كريستن كنيب/ إ.م (ع.ج.م)