الإخوان المسلمون قوة سياسية تتجاهلها الحكومة المصرية
تعتبر تعاليم الإخوان المسلمين الأصولية المحرك الأول لفكر الإسلاميين في العالم كله. وفي مصر، موطنهم الأصلي، أحرز الإخوان المسلمون مؤخراً تقدماً ملحوظاً، حيث اجتذبوا مئات الآلاف من المتعاطفين معهم، حتى وإن لم ينتموا لحركتهم بشكل مباشر. والحكومة تخشى هذه الحركة، لذا فهي تتبعها وتحاصرها، وفي مايو/آيار الماضي ارتفعت عدد الاعتقالات التي تعرض لها الإخوان المسلمين. ولكن بالرغم من ذلك لم تتأثر سلطة هذه الحركة.
في مارس/ آذار عام 2003، امتلأ استاد القاهرة في مدينة نصر بحوالي 100 ألف شخص. تجمع هذا العدد من أعضاء حركة الإخوان، الرجال بذقونهم الطويلة وملابسهم المميزة، والنساء المخمرات والمنقبات، ليعترضوا على حرب أمريكا الوشيكة ضد العراق. وكان هذا التجمع أكبر تجمع للإخوان المسلمين منذ وقت بعيد. فالإخوان المسلمون ذوو سلطة وتأثير كبيرين على الشارع المصري، يمكنهم التحرك بتنظيم وتخطيط دقيق إذا لم تقيدهم الحكومة.
ويؤكد ضياء رشوان من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبير في شئون الإسلاميين في العالم العربي أن الإخوان يعدوا سلطة أساسية في مصر لا يجب إهمالها فيقول: "الإخوان بدون أدنى شك قوة من القوى الرئيسية الحقيقية والأصيلة في المجتمع المصري. هم يمثلون الآن التيار الإسلامي المعتدل السلمي وهو تيار لم يغب عن الساحة السياسية المصرية طيلة قرنين من الزمان على الأقل. ولكننا نستطيع أن نقول بدقة وبثقة أنهم القوة السياسية الثانية في البلاد بعد الحكومة، بعد الحزب الوطني. وهم باليقين ليسوا آلافاً -ربما عشرات الآلاف، ربما بأنصارهم يصلوا إلى مئات الآلاف."
حضور الإخوان في الأحياء الفقيرة
وتزداد قوة الإخوان المسلمين في الأحياء العشوائية الفقيرة في القاهرة، ومن بينها منشية ناصر. وسكان الأحياء العشوائية يمثلوا نحو ثلثي سكان القاهرة، الذين يصل عددهم إلى نحو عشرين مليون مواطن. ففي هذه الأحياء يتفشى الفقر، وتنعدم الخدمات: فشوارعها غير مرصوفة أو مخططة على خرائط المدينة، و ليس بها كهرباء أو ماء شرب نقي أو صرف صحي. وبالطبع ليس هناك أي خدمات للسكان من مستشفيات أو مدارس أو غيرها. والوجود الوحيد للحكومة في هذه الأحياء يتمثل في المخبرين السريين المنتشرين بها. والإخوان المسلمين هم الملجأ والمعين لهؤلاء الفقراء الكادحين، فالأخوان يعملون بجدية في الأحياء العشوائية الفقيرة، يراعون احتياجات الشعب فيرسلون لهم الأطباء والأدوية ويساعدون أبناءهم على إيجاد فرص عمل، لذا فهم يحظون بشعبية كبيرة لدى هذه الفئة. من ناحية أخرى فالفقر يدفع الناس إلى التدين بشكل أكبر، حيث يصبح الدين ملاذاً من مصاعب الحياة اليومية، وإيماناً يدفع للصبر والأمل بشئ أفضل ربما في حياة أخرى.
الإخوان يبحثون عن مكان على الساحة السياسية
ووسط كل هذه الظروف الاجتماعية الصعبة والمشاكل التي يعاني منها عامة الشعب نشأت حركة كفاية، وازدادت مظاهراتهم التي تطالب بالتغيير، ومن ضمن هؤلاء المتظاهرين مع كفاية كثر الإخوان المسلمين. وهدفهم من هذه المشاركة أكثر من مجرد الحصول على بعض الإصلاحات الاجتماعية من قبل الحكومة كما يؤكد قائدهم مهدي محمد عاكف: "نريد الحرية، من أوائل مظاهر هذه الحرية أن يعيش المواطن حراً مطمئناً حينما يتحدث أو حينما يقول رأيه. لكن حينما يشعر المواطن بأنه لا يستطيع أن يتحرك، يعني هذا أن هناك غياباً للحرية."
وجماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا منذ عام 1928، تسعى منذ وقت طويل إلى أن يعترف بها على الصعيد السياسي. ولكن كل مساعيهم لأن يعترف بهم كحزب سياسي فشلت. فقيام حزب سياسي على أساس ديني أمر لا يقره الدستور المصري.
دور الدين
ويلعب الدين دوراً هاماً جداً في حياة المواطن العادي في مصر، سواء كان مسلماً أو مسيحياً. وبالطبع يمتد هذا الدور ليشمل أيضاً الجانب السياسي من الحياة، كما يؤكد ضياء رشوان من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ويضيف: "السياسة لدى الإسلاميين جزء من الإيمان - (الإسلام دين ودولة) ليس مجرد شعار. بالنسبة للإسلاميين يعد دخول المجال السياسي عملاً متمماً للإيمان الحقيقي وبالتالي لا يمكن أن يكتمل المسلم الحقيقي إلا إذا نشط في المجال العام."
وهذا ما يحاول الإخوان المسلمون الوصول إليه بالتعاون مع اليساريين والليبراليين والإسلاميين والناصريين من خلال حركة كفاية. ويعد هذا التوقيت هو أنسب توقيت لمحاولة التغيير: فهناك ضغط سياسي من الداخل والخارج. من الداخل، حيث يعاني الشعب من تزايد البطالة وتفشي الفقر ومن الفساد المتزايد، ومن الخارج حيث بدأت الولايات المتحدة في التدخل في السياسة الداخلية لدول الشرق الأوسط. وأوضحت كونداليزا رايس موقف الولايات المتحدة من السياسة المصرية ومطالبتهم بالإصلاحات السياسية السريعة في مصر.
ويرى مجدي عاكف، قائد الإخوان المسلمين، أن الإسلام والديمقراطية أمران مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. "الإسلام يقدر الديمقراطية. لأنه يحب الشورى والشورى هي قمة الديمقراطية والإسلام يعتبر الحرية فرض من فروض هذا الدين."
إهمال وجود الإخوان من جانب الحكومتين المصرية والأمريكية
ولكن كونداليزا رايس أكدت على أن الولايات المتحدة ليست على اتصال بالإخوان المسلمين ولن تكون على اتصال بهم وهو الأمر الذي ينتقده ضياء رشوان بشدة. فهو يرى في إهمال قوة هامة وشعبية كالإخوان المسلمين وإخراجهم من الحياة السياسية سواء من جانب الحكومة المصرية أو الأمريكية خطأ كبير. ويؤكد بأن الإخوان المسلمين أثبتوا حسن نيتهم في الوقت الماضي، وأن ما تدعي الحكومة أنها تخشاه من الإخوان وهو تداول الحكم هو ما تفعله الحكومة ذاتها.
"الفيصل الآن هو أن تعطي الحكومة لكل هذه القوى حقها في تكوين الأحزاب وأن تكون هناك قوانين واضحة لتداول السلطة. المشكلة أن الدولة في مصر ليست لديها مشروعات لدمج الإسلاميين سواء اجتماعياً أو سياسياً في الحياة السياسية وبالتالي سيظل هناك حالة من الأزمة تتعلق بالتمثيل السياسي لهؤلاء. وهذا يمثل خطراً على الحياة السياسية المصرية." كما يقول رشوان.
الحكومة الأمريكية التي تطالب بالديمقراطية في الشرق الأوسط مصرة على تجاهل قوة سياسية كبرى وشعبية في مصر. فهل تقبل أن تكون نتيجة الانتخابات الحرة الديمقراطية هي نجاح هذه الجماعة التي تعتبر السلطة الشعبية الثانية الحقيقية في مصر بعد الحزب الوطني الحاكم؟ أم يجب التدخل العسكري لمنع الإخوان من الفوز في الانتخابات "الحرة" كما حدث من قبل في الجزائر في عام 1992؟