"الأوديسة العراقية" - فيلم يروي قصص عراقيين وهجرتهم
١٨ يناير ٢٠١٦يعرض المخرج العراقي الأصل سمير في فيلم "الأوديسة العراقية" أو "Iraqi Odyssey" قصصا من حياة عائلته التي فرقتها الهجرة. الفيلم يروي قصص اللجوء والتهجير القصري والمنفى الذي أصاب أجيال من العائلة، حيث يعيش العديد من العراقيين حاليا مهجرين في أنحاء مختلفة من العالم، عدد منهم يعيش في موسكو أو في باريس أو في لندن، وآخرون في أوكلاند في نيوزيلندا أو في مدينة بوفالو بنيويورك الأمريكية. وقد عاش العديد من أقرباء سمير وضعا يعيشه حاليا العديد من اللاجئين الهاربين من أوطانهم.
ولا يقتصر الفيلم على روايات أبطاله، بل يشمل الكثير من المشاهد التي تتضمن صورا من الأرشيف، والتي تجعل من الفيلم عبارة عن "كولاجا" من الصور المركبة، غنيا بمعلومات إضافية. قصة عائلة سمير تشكل في الوقت نفسه قصة عالمية وتصور أحداثا تكاد تشبه ما يجري في الوقت الحاضر.
في مقابلة خاصة مع DW أعرب المخرج سمير عن اعتقاده، أن فيلم "الأوديسة العراقية" لا يقدم تعليقا على الأوضاع السياسية الجارية حاليا فحسب، بل يقدم أكثر من ذلك.
DW:إلى أي مدى أنت سعيد بالاهتمام والترحيب بفيلمك، بالنظر إلى التغطية الحالية لمشكلة اللجوء؟
المخرج سمير: الشكر قد لا يكون تعبيرا مناسبا. طبعا قد يكون الأمر شيئا جميلا عندما يلقى الفيلم اهتماما أكبر، لكني كمخرج وكمؤلف مستقل، يهمني أكثر أن لا أرتبط بالأحداث الآنية، حيث إني أحاول البحث عن جوابا ما للأحداث الحالية.
وهذا بالضبط ما أريد الوصول إليه من خلال فيلمي الذي أكملته العام الماضي. فهو كان يبحث عن جواب على "الدولة الإسلامية"، عندما سقطت آنذاك مدينة الموصل بيد تنظيم "داعش". كنت أتساءل: ماذا سأفعل بفيلمي ؟ وهل يغطي فيلمي الأحداث الآنية أم هو غير ذلك؟
ووجدت حينها أن الأفلام الوثائقية، والتي تغطي قصصا شخصية واجتماعية محددة، تكون دائما مطلوبة. من مجرد الصدفة أن تشكل تغطية مشكلة اللجوء محورا كبيرا في الإعلام في ألمانيا. وهذا لا يقدم أي نفع للفيلم بالضرورة، لأن الكثير من الناس يريدون بالطبع مناقشة مواضيع محددة فقط.
وبصورة عامة فالسؤال الذي يُطرح الآن هو سؤال إنساني بالأساس، كيف تغير الشرق الأوسط في القرن الماضي؟ وكيف تعاملت الطبقة الوسطى، مثل عائلتي التي تشمل العديد من الأطباء والمهندسين، مع هذه الأشياء شخصايا؟. وكيف يمكنها التأقلم مع العالم؟
ولذلك قمت بعرض فيلم "الأوديسة العراقية"، لأن القائد الإغريقي أوديسيوس كان يطرح أيضا أسئلة مشابهة على زوجته عند العودة من رحلته، كما قمت بطرحها في الفيلم.
أنت تحكي عن القدر الذي أصاب عائلتك. هل هي قصة عراقية عادية عن حياة المنفى؟
نعم ولا في نفس الوقت. بالطبع كل قصة هي في حد ذاتها قصة خاصة، وكذلك الأمر بالنسبة لقصص عائلتي. فعمي يختلف مع عماتي في النهاية حول وجهات النظر. كل قصة هي ذاتية وخاصة، لكنها تحمل رغم ذلك شيئا ما كلاسيكيا، ويعتمتد ذلك على الأحداث الاجتماعية.
لم اشعر في حياتي بأن ولادتي وترعرعي في عائلة مميزة أو متفوقة بشكل غير عاد، لأن عائلتي كانت ترتبط بعلاقات صداقة وعلاقات وطيدة بعائلات أخرى. في بغداد كانت الحالة كذلك. وكانت العائلات تلتقي ضمن نفس المستوى وتنتمي إلى الطبقة الوسطى وتحمل وجهات نظر متقاربة، على الرغم من اختلافها في بعض الجزئيات. وهذه القصة هي مثال ورمزا لقصص العراقيين الذين يعيشون في المنفى والذين يصل عددهم إلى أربعة ملايين ونصف مليون شخص.
قد يكون أمرا مفاجئاللمشاهدين من غرب ألمانيا أنيشاهدوا مثل هذه العائلة: عائلة كبيرة من العراقولا يشكل موضوع الدي. وهذا أحد المواضيع فقط !
يمكنني القول أن الإيديولوجيات الدينية القائمة حاليا في الشرق الأوسط لا تحمل أي شيء ديني. بمساعدة الدين يعمل المرء على تقوية حكمه وتثبيت وجهات نظره. وكانت الوضع هكذا في السابق، ومازال اليوم كذلك. موضوع الدين بالنسبة لي هو موضوع وسؤال شخصي. ومنها جاء منطلقي في عرض فيلم عن عائلتي، ومحاولة ذلك. نحن منتمون إلى عائلة متدينة جدا، جدي درس في الحوزة العلمية في مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة. رغم ذلك ورغم الدراسة الدينية الإيديولوجية فإنه بقي متأقلما مع الحقوق العامة. فجميع بناته تابعن الدراسة واخترن أزواجهن بحرية. وكان هناك احترام بين الذكور والإناث في العائلة. وكانت هناك مساواة، ووجب تهيئة الحياة الاجتماعية، كما وجب على الأطفال أن يكونوا منفتحين وصادقين. وفي الحصيلة لم يحمل ذلك شيئا من الدين.
لقد حاولت تجنب الوقوع في فخ هذه المشكلة، والتي تنتشر في كل مكان حاليا، حيث يقول البعض إن المسلمين هم هكذا وهكذا.. ولكني أقول نحن جميعا بشر.
في فيلمك الذي يروي قصصا عنالعائلة تمتد إلى عشرات السنين، حيثيدور الحديث عن الاستعمار وعن الإمبريالية،ويروي أحداث الصراع بين اليمين واليسار في العراق، وحيث كان الدين لا يشكل سوى موضوعاواحدا منبينعشراتالعناصر. هل الربط بين هذه الأشياء كان مهما بالنسبة لك؟
نعم. حاولت أن أعرض أولا الأحداث التاريخية التي أثرت على المرء بصورة شخصية وتنظيمها ضمن الإطار العائلي، كي أقدم فرصة لي وللمشاهدين في ترتيب الأحداث، وفي محاولة لفهم ماذا يعني العراق والشرق الأوسط لبقية العالم. ولذلك يرى المشاهد في الفيلم دائما الكرة الأرضية. وأنا أقدم دائما صورة الكوكب الصغير هذا في الكون البارد الكبير الامتناهي. ونحن نعيش في هذا الكوكب سوية. وكل شيء فيه يؤثر.
أن تكون هناك مزاعم بأن السياسات القائمة وتطرف الحركات الدينية لاعلاقة لها بالتدخلات العسكرية من قبل القوى الغربية، هو عبارة عن ضر الرماد في العيون وإعطاء صورة على أن الغرب، والذي أعيش أنا فيه أيضا، لانفوذ له له أو ما. وهذا الرأي كان يزعجني تماما منذ كنت شابا ولغاية اليوم.
*فيلم "الأوديسة العراقية" بدأ عرضه في السينمات الألمانية منذ الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني 2016.