"الأمن مرة أخرى ضحية الصراع السياسي في العراق"
١٦ أغسطس ٢٠١١في خضم ربيع الثورات العربية أصبح الوضع في العراق بعيداً عن دائرة اهتمام السياسة الدولية، لكن الهجمات المتزامنة، التي هزت عشر مدن عراقية وأسفرت عن مقتل قرابة 60 شخصاً وجرح العشرات، سرعان ما أعادت العراق إلى واجهة الأحداث.
ويعزو أستاذ العلوم السياسية في جامعة دويسبورغ الألمانية يوخن هيبلر غياب الشأن العراقي عن مسرح الأحداث الدولية إلى إستراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي حولت ثقلها بشكل كبير إلى أفغانستان، مستغلة الهدوء النسبي الذي نعم به العراق منذ عام 2007 حتى 2009. ويضيف الباحث الألماني، في حوار مع دويتشه فيله، بالقول: "لكن هذا لا يعني أن الوضع في العراق قد تم حله أو وصل إلى مرحلة الهدوء التام، وإنما لا يزال أمامه كم هائل من المصاعب".
انعكاس مباشر للخلافات السياسية
على الصعيد الداخلي تأتي هذه الهجمات متزامنة مع خلافات داخل القوى السياسية العراقية حول قضايا عدة، يتعلق مجملها بتقاسم السلطة. وفي مقدمتها تشكيل "مجلس السياسات الإستراتيجية" الذي اتفق على تشكيله إبان تشكيل الحكومة العام الماضي ليكون رئيسه زعيم القائمة العراقية اياد علاوي. وعن انعكاس هذه الخلافات على الوضع الأمني يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد عبد الحميد فاضل التميمي: "عندما يكون هناك تقدم في العملية السياسية وإجماع بين القوى السياسية في البلد وتفاهم على تقاسم المناصب والسلطة تجد أن الوضع الأمني في كل مدن العراق مستقر إلى حد كبير. وعندما تتوتر العلاقة بينها ويختلف الفرقاء السياسيون نجد أن انعكاس ذلك يكون واضحاً وسريعاً على الملف الأمني".
ويرى التميمي في حوار مع دويتشه فيله أن العراق يمر اليوم بأزمة سياسية منذ انتخابات آذار/ مارس من العام الماضي. ويضيف الباحث العراقي قائلا: "هذه الأزمة السياسية ألقت بظلالها على الوضع الأمني الراهن في مدن العراق. ولم يكن الوضع الأمني قبل إجراء الانتخابات كما هو عليه اليوم". وحسب أستاذ الفكر السياسي فإن هناك "توترا سياسيا، وهذه الأزمة السياسية انعكست على نواحي الحياة. الوضع الأمني كان الضحية الأساس، الأمن ذهب ضحية الصراع السياسي الموجود اليوم في العراق".
وحتى اللحظة فإن مجلس السياسات الإستراتيجية مازال يواجه مشاكل عديدة بين العراقية وتكتل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وقد تحول هذه المشاكل دون تحقيق تشكيله قريباً، رغم محاولات التقريب المتكررة بين الجانبين والتي قام بها الرئيس العراقي جلال طالباني ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني.
وهذا الخلاف حول المجلس يترك آثاره على تشكيلة حكومة المالكي نفسها، فقد ولدت هذه الحكومة بعد حوالي تسعة أشهر من إجراء الانتخابات التشريعية في آذار/ مارس 2010، باتفاق رعاه برزاني، لتأتي إلى الحكم بتشكيلة وزارية تختصر مفاهيم "الوحدة الوطنية" التي تستند إلى موازين سياسية هشة. لكن حكومة المالكي ما زالت على الرغم من ذلك غير مكتملة إذ بقيت عدة حقائب فيها شاغرة، وفي مقدمتها وزارتا الدفاع والداخلية.
انسحاب القوات الأمريكية
من جانب آخر مازالت القوى السياسية العراقية تنقسم بشكل أكبر أمام مسألة أخرى، وهي مسألة انسحاب القوات الأمريكية من العراق، والبالغ عديدها 47 ألف جندي، بشكل يضمن بقاء 10 آلاف جندي لغرض تدريب القوات العراقية. وعلى الرغم من أن بغداد دخلت مع واشنطن في مفاوضات حول هؤلاء المدربين في ظل أسئلة صعبة بشأن حصانتهم القانونية في العراق، إلا أن زعماء القوى السياسية العراقية مازالوا بعيدين عن الاتفاق. وكان أول بوادر هذا الانقسام تحذير رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر من استهداف المدربين العسكريين الأمريكيين إذا بقوا في العراق بعد نهاية العام الجاري وهو الموعد النهائي لانسحاب القوات الأمريكية. وفي بيان له نُشر مطلع الشهر الجاري قال الصدر: "سوف يُعامل كل من يبقى بالعراق كمحتل غاشم يجب مقاومته بالقوة العسكرية والحكومة التي ترضى ببقائهم ولو للتدريب، فهي حكومة (ضعيفة)".
لكن التميمي يرى أن الهجمات الأخيرة تشير بوضوح إلى أن المؤسسات الأمنية العراقية ليست بالدرجة الكافية لكي تتولى مسؤولية الأمن في حال إذا ما انسحبت القوات الأمريكية من العراق نهاية العام الجاري. ويضيف أستاذ العلوم السياسية بالقول: "عندما نتحدث عن عشر محافظات عراقية، تجري فيها هجمات إرهابية متزامنة، فإن هذا يدل على أن هناك خللا واضحا وغيابا في منهجية عمل قوات الأمن العراقية، وليس كما يتحدث الرئيس العراقي جلال طالباني عن ثغرات أمنية". يُذكر أن طالباني قال في بيان له عقب الهجمات إنها وقعت "بسبب وجود ثغرات أمنية والتلكؤ في تنفيذ التفاهمات بين القوى السياسية في البلاد".
ويؤكد التميمي أن للخلاف حول موضوع انسحاب القوات الأمريكية علاقة كبيرة بهذه التفجيرات، لأنها بلا شك تقدم مبرراً للداعين لبقاء هذه القوات، وأيضاً تلقي الحجة على المعترضين على بقائها. "وبعد أحداث يوم أمس لمس الجميع أن بقاء هذه القوات الأمريكية أصبح أمراً ضرورياً، ما لم يسارع الفرقاء السياسيون إلى إيجاد أرضية سياسية تفتح الباب أمام إنجاز معادلة أمنية واضحة".
عماد غانم
مراجعة: أحمد حسو