الأمم المتحدة وحزب الله: هل تنجح لعبة توزيع الأدوار في الجنوب اللبناني؟
١٨ يوليو ٢٠٠٦دور الأمم المتحدة في حل الصراع في الشرق الأوسط طالما نظر إليه بكثير من الحذر والتوجس، بل وعدم الجدوى من قبل أطراف الصراع في المنطقة. وفي إطار هذه الشكوك، يتساءل المرء إذا ما كان إرسال قوات للأمم المتحدة إلى الجنوب اللبناني يمكن أن يساهم في حل المشكلة. لقد جاء اقتراح إرسال قوة أمنية دولية الى جنوب لبنان من قبل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان وبعض قادة أوروبا. إذ طرح أنان والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل فكرة إرسال قوة مراقبة عسكرية خلال قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى . وفي السياق ذاته، بدا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير متحمسا لهذه الفكرة، فيما وصف الاتحاد الأوروبي فكرة إرسال قوة أمنية مؤقتة بانه اقتراح مثير للاهتمام. فقد صرّح بلير بأنّ وقف العنف "يتوقف على نشر قوة دولية في تلك المنطقة تستطيع أن توقف القصف الذي تتعرض له إسرائيل وبالتالي تعطي إسرائيل السبب لوقف هجماتها على حزب الله."
لبنان: تجربة سلبية مع القوات الدولية
وإزاء هذه المواقف المتفاوتة من فكرة إرسال قوة دولية، فإنّ التجربة اللبنانية مع قوات الأمم المتحدة لم تكن بذلك النجاح، إذ توجد قوة تابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان دأبت على مراقبة الطرق المحاذية لإسرائيل منذ عام 1978. ومن مظاهر عجز هذه القوة أن انحصرت مهمتها في التحقق من انسحاب إسرائيل ومساعدة حكومة لبنان على إعادة بسط نفوذها في المنطقة، لكنها لم تحقق أيا من هذه الأهداف. وكذلك منذ انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000 أثبتت بعثة الأمم المتحدة أنها غير قادرة على إيقاف هجمات حزب الله على إسرائيل كما انها لم تتمكن من ثني اسرائيل عن القيام بعمليات عسكرية في لبنان وخصوصا عن طريق الجو. وحتى تكون هذه القوة ذات فعالية اقترح رئيس الوزراء الايطالي رومانو برودي ألاّ يقل عدد أفرادها عن عشرة آلاف ويكون لديها تفويضا أقوى من ذلك التفويض الممنوح للقوة الحالية. وفي الإطار ذاته، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان اليوم أن قوة حفظ الاستقرار الدولية التي قد تنشر في لبنان يجب ان تكون "أكبر بكثير" من قوة الطوارىء الدولية الحالية التي تعد ألفي عنصر. وكذلك توقع أنان مشاركة دول أوروبية بقوات في قوة مقترحة لإعادة الاستقرار إلى لبنان لإنهاء الأزمة فيه.
إشكالية نشر هذه القوة
من جهتها كانت الولايات المتحدة حذرة جدا في رأيها بخصوص هذا المشروع، مفضلة انتظار نتائج بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة التي أرسلتها الى المنطقة. إسرائيل من جهتها رأت أنّه من السابق لأوانه الحديث عن نشر القوة الدولية. فقد قالت ميري ايسين المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية "لا أعتقد أننا بلغنا هذه المرحلة بعد. نحن في مرحلة نريد أن نتأكد خلالها أن حزب الله ليس منتشرا على حدودنا الشمالية." ولذا وفي ظل هذا الضعف الذي يعتري بعثة الأمم المتحدة، فإنّ مسألة نزع سلاح حزب الله ومسألة فيما إذا ما كان بإمكان مقاتليه التعايش سلميا إلى جانب قوة جديدة أمر مازال يحتاج إلى كثير من التمحيص والتمعن. ومن إشكاليات هذه القوة إذا ما كانت ستفوض في نزع أسلحة حزب الله كما يطالب قرار لمجلس الأمن صدر في سبتمبر أيلول عام 2004، فهل سيضعف مثل هذا التقويض دورا محتملا للجيش اللبناني في وقت تتعالى فيه الأصوات بضرورة بسط الحكومة اللبنانية سلطتها على جميع أراضي لبنان.
جدوى نشر مثل هذه القوة
لقد كثر في اليومين الأخيرين الحديث عن هذه القوة كما لو كانت الوصفة السحرية التي ستخرج المنطقة من المستنقع الذي غرقت فيه. وللتعرف على فعالية هذه القوة وجدواها، أجرى موقعنا مقابلة تليفونية مع مارجريت يوهانسن، الباحثة في مركز السلم والأمن في جامعة هامبورج، حيث قالت في ردها على سؤال في هذا الشأن بأن مثل هذه القوة لن يكتب لها النجاح إذا ما انحصر دورها فقط في المراقبة كما هو الحال في مهمة "الينوفيل". وكذلك التجربة السابقة مع قوات "الينوفيل" أثبت أنّ التقارير التي كتبتها لم يسمح بنشرها بسبب العرقلة الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء. ورأت الخبيرة أنّ هذه القوة يجب أن تسلح جيدا حتى تؤدي مهمتها بنجاح، كما رأت أنّ نشر قوة ذات تجهيز ليس من شأنه سوى تهيئة الموقف للتفاوض.
ولكن من ناحية أخرى، شككت الباحثة بإنشاء قوة ذات تسليح عالي قادرة على التحرك والتدخل، لأن ذلك سيصطدم برفض أمريكي في مجلس الأمن، كونه لا يهدف المصالح الإسرائيلية. وأضافت أن إسرائيل غير معنية في هذه اللحظة بقوة مثل هذه وذلك نظرا لعدم ثقة إسرائيل في دور الأمم المتحدة في الصراع في المنطقة وعدم إعطاء دور أكبر لها، لتكون لاعبا جديدا في التأثير على طبيعة الصراع. وأشارت الباحثة إلى أنّ إسرائيل غير مقتنعة فيما إذا كانت هذه القوة ستؤثر على الساحة الداخلية اللبنانية وكذلك شل حركة حزب الله وهو أمر تحب أن تتولاه إسرائيل بنفسها. وتخشى إسرائيل أيضا من أنّ نشر مثل هذه القوة سيجعل الصراع العربي الإسرائيلي حيا، مما يجعله يحتل موقعا متقدما على الساحة الدولية. وفي معرض ردها على سؤال حول إمكانية ضم إسرائيل للناتو حتى يسهل الضغط عليها، رأت الباحثة بأنّ هذا الضم لا يقع ضمن مصلحة إسرائيل، نظرا لطبيعة اتخاذ القرارات في الناتو، الأمر الذي لا يعطي إسرائيل قدرة كبيرة على المناورة وما يهم إسرائيل هو التزود بالسلاح وهو أمر تحصل عليه من أمريكا.