الأمم المتحدة بين ضرورة الإصلاح ومصالح القوى العظمى
٣ يناير ٢٠٠٥
منذ انهيار المعسكر الاشتراكي وانتهاء مرحلة الحرب الباردة ترتفع الأصوات المنادية بإصلاح منظمة الأمم المتحدة باتجاه إعطائها صلاحيات أوسع. ويأتي ذلك في الوقت الذي تزداد فيه حدة التحديات والأزمات التي تواجه العالم وفي مقدمتها الفقر والأوبئة وعدم الاستقرار الناجم عن تزايد الأعمال الإرهابية وسيطرة القطب الواحد. وتجلت هذه السيطرة ومخاطرها على السلم العالمي مثلاً من خلال قيام الولايات المتحدة وبريطانيا بالحرب على العراق دون موافقة مجلس الأمن الدولي. وانطلاقاً من ضرورة الإصلاح شكل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان لجنة مؤلفة من 16 شخصية لوضع مقترحات الإصلاح . وقد خرجت اللجنة بتقرير تضمن 101 مقترحاً بينها توسيع مجلس الأمن بحيث يضم 24 دولة بدلاً من الدول الخمس عشرة التي يضمها حالياً. وحدد التقرير المخاطر الذي تهدد الأمن العالمي وفي مقدمتها الفقر والأمراض المعدية وتردي البيئة والسلاح النووي والإرهاب.
اختلاف وجهات النظر بشأن الإصلاح
تقر الولايات المتحدة من حيث المبدأ بوجوب إصلاح المنظمة الدولية على أساس أن نظامها عفى عليه الزمن، غير أنها تريد إصلاحاً يضمن هيمنتها وخاصة على مجلس الأمن الدولي. وعليه فهي تعارض مثلاً إجراء تعديلات على حق النقض الفيتو الذي تتمتع به إلى جانب كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين. من جهتها تريد فرنسا إصلاحاً يتم من خلاله الحفاظ على مكانتها دولياً بعد التراجع الذي شهدته إبان الحرب على العراق. وهي تساند إصلاحاً يقوم على نظام متعدد الأقطاب للتخلص من الهيمنة الأمريكية. وتؤيد فرنسا في موقفها هذا معظم الدول الأوروبية الأخرى وفي مقدمتها ألمانيا التي لا تطالب فقط بتوسيع مجلس الأمن وإنما بالحصول على مقعد دائم فيه أيضاً. وبدورها تطالب البلدان النامية وفي مقدمتها البلدان العربية بإصلاحات أساسية تعطي ثقلاً أكبر لدول أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية في المنظمة الدولية. ومما يعنيه ذلك جعل قرارات الجمعية العامية ذات الأغلبية ملزمة على غرار قرارات مجلس الأمن. وتأمل هذه البلدان من خلال إصلاح كهذا الحد من سياسة الكيل بمكيالين والتفريق بين المقاومة المشروعة ضد الاحتلال والأعمال الإرهابية.
حماس ألماني لعضوية دائمة في مجلس الأمن
في ظل الأجواء المنادية بالإصلاح تقدمت ألمانيا منذ بضعة أشهر بطلب للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. ومنذ سنوات تروج الدبلوماسية الألمانية لترشيحها هذا من خلال جولات عديدة قام بها وزير الخارجية يوشكا فشر إلى دول كثيرة. وفي هذا السياق صرح المستشار الألماني غيرهارد شرود في جولته الآسيوية الأخيرة أن مجلس الأمن يحتاج بعد إصلاحه لأعضاء يتمتعون بالاستقرار الاقتصادي وباستطاعتهم المساهمة بدرجة كبيرة في تعزيز السلام والأمن الدوليين. وطالب المستشار بتمتع بلاده والدول المرشحة الأخرى بحق النقض الفيتو في مجلس الأمن. وتسوق ألمانيا العديد من المبررات التي تسوغ مطالبتها بمقعد دائم في مجلس الأمن. فهي وعلى سبيل المثال تتحمل مع اليابان 28 بالمئة من ميزانية الأمم المتحدة. كما تساهم منذ سنوات بفاعلية في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مختلف بؤر التوتر في العالم. يضاف إلى ذلك ازدياد دور ألمانيا كوسيط سياسي مقبول لحل الخلافات بين الدول والأطراف المتنازعة كما هو عليه الحال في منطقة الشرق الأوسط. فقد توسطت الدبلوماسية الألمانية مثلاً بنجاح لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحزب الله. ومن أجل دعم مطالبتها بمقعد دائم في مجلس الأمن اختارت ألمانيا التعاون مع الدول الثلاث الأخرى المرشحة للعضوية الدائمة في المجلس وهي اليابان والبرازيل والهند. وبناء عليه اتفقت مع هذه الدول على الدعم المتبادل في المحافل الدولية. وفي هذا السياق أصدر رئيسا الوزراء الهندي والياباني ووزيرا الخارجية الألماني والبرازيلي بياناً مشتركاً أعلنوا فيه دعم كل منهم لترشيح الأطراف الأخرى لمقعد دائم في مجلس الأمن. واعتبر الزعماء الأربعة أنه من الضروري تمثيل أفريقيا بمقعد دائم كذلك. غير أن مواقف الدول بشأن الطلب الألماني متباينة حتى داخل بلدان الاتحاد الأوروبي. ففي الوقت الذي تؤيد فيه بريطانيا وفرنسا مثلاً حصول ألمانيا على مقعد دائم تبدو إيطاليا متحفظة إزاء ذلك. وتبدو معظم الدول الأخرى داخل وخارج أوربا مهتمة بإصلاح الأمم المتحدة لمواجهة التحديات العالمية أكثر من اهتمامها بحصول ألمانيا على مقعد دائم في مجلس الأمن بغض النظر عن كون الأخيرة تتمتع بثالث أقوى اقتصاد العالم.
فرص إصلاح محدودة
يبلغ عدد أعضاء منظمة الأمم المتحدة 191 دولة في الوقت الحاضر مقابل 51 دولة عندما تأسيسها عام 1945. وعلى الرغم من ازدياد عدد الأعضاء بنحو 5 أمثاله والتغيرات التي شهدتها الساحة الدولية منذ ذلك الحين فإن المنظمة لم تعرف إصلاحات تراعى من خلالها مصالح غالبية الدول الأعضاء. وهذا ما يدفع هذه الدول للمطالبة بالقيام بها من أجل محاربة الفقر والأوبئة والكوارث والتخلص من تسلط وسيطرة القطب الواحد. غير أن المراقبين يرون أن فرص الإصلاح ستبقى محدودة رغم تأييد الغالبية لأن القوى العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة لن تقبل المساس بصلاحياتها ومكانتها في مجلس الأمن والمنظمات الدولية الأخرى.
د. ابراهيم محمد