الأمل في لم الشمل العائلي: "أحتاج إلى زوجتي لبداية جديدة"
٣١ يناير ٢٠١٨يقيم غسان حاليا في حجرة لمؤسسة كاريتاس الخيرية في برلين. وفي الحجرة يوجد كرسي وطاولة وسريران على مساحة نحو 20 مترا مربعا. هنا ينتظر السوري البالغ من العمر 37 عاما مع لاجئ آخر يترقب هو الآخر القرار حول مصيره. "ألمانيا بالنسبة لي فرصة لبداية جديدة"، يقول غسان الذي هرب في 2015 مشيا على الأقدام عبر طريق البلقان مثل الكثيرين. ثلاثة من إخوانه تمكنوا أيضا من الهرب، فيما يعيش أقرباء آخرون في الكويت. لكن الشخص الأهم في حياته ينقصه، كما يقول غسان.
التواصل مع الزوجة فقط عبر واتس آب
زوجة غسان البالغة من العمر 34 عاما تعيش في مخيم للاجئين في لبنان. كانت متزوجة من غسان لنحو تسع سنوات عندما هربا في 2013 إلى البلد المجاور وبقيا سوية لمدة سنتين، بعدها وفي عام 2015 لجأ الزوج إلى أوروبا مع إرادة راسخة لجلب زوجته لاحقا. مرت منذ ذلك الحين فترة 30 شهرا، وليس واضحا ما إذا سيصبح أمل غسان حقيقة. لا يمكن للزوجين التواصل إلا عبر واتس آب، وهذا يتم بصفة جيدة من الناحية الفنية، إلا أنه يزداد صعوبة من الناحية العاطفية مع مرور الوقت. يقول غسان: "أحتاج إلى زوجتي من أجل انطلاقة جديدة".
كان غسان يعمل قبل هربه لدى بائع سيارات كميكانيكي ، كان يغير العجلات ويسهر على توفير راحة الزبائن. أما زوجته فكانت ممرضة إلى أن توقفت عن العمل للاعتناء بأمها المريضة. وعن وضعها الحالي في مخيم اللاجئين بلبنان، يقول غسان بأن زوجته تعيش منعزلة.
"السياسيون الألمان لا يتفهمون صعوبة العيش دون عائلة"
أمنية غسان الكبيرة هي أن تلتحق به زوجته. أما طلبه من أجل لم الشمل العائلي فموجود لدى المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في نورنبيرغ، ولا يعرف غسان ما إذا كان طلبه يحظى بالعناية ليبقى مصيره كمصير الكثيرين من اللاجئين السوريين الذين حصلوا على إقامة محدودة. منذ 2016 تم تعليق لم الشمل العائلي لهذه المجموعة خشية أن تحدث موجات هجرة كبيرة. وقد اتفقت أحزاب الاتحاد المسيحي بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي في مفاوضات تشكيل ائتلاف حكومي كبير على الإبقاء على وقف استقدام أسر اللاجئين أصحاب صفة الحماية المحدودة حتى الـ 31 من تموز/يوليو المقبل على ألا يتجاوز عدد الأقارب الذين يتم استقدامهم بعد هذا التاريخ عن ألف شخص شهريا إضافة لأصحاب الحالات الخاصة. وكانت هذه النقطة مثار خلاف رئيسي بين الطرفين وعقبة أمام تشكيلهما ائتلافا حكوميا مشتركا.
وفوق سرير غسان عُلّقت على الحائط لوحة سوداء صغيرة كُتب عليها بالأبيض: "حتى ولو أن الحياة صعبة، عشها".
وفي الوقت الذي ترفض فيه غالبية من 58 في المائة من الألمان في استطلاع أخير للرأي لم الشمل العائلي للأشخاص مثل غسان، تطالب منظمات إغاثة إعطاء الأولوية لضمان حياة عائلية كريمة. توماس غلايسنير من مؤسسة كاريتاس الخيرية في برلين يصادف غسان بانتظام في البناية التي يقطن فيها، ويقول:" العائلات عامل اندماج رئيسي، ويجب منحه أولوية قصوى من أجل لم شمل الناس حتى ولو أنهم لن يبقوا بصفة مستمرة في ألمانيا".
ويقول غسان بأنه يتابع النقاش باهتمام، وينتابه الحزن. وفي البداية كان يقدر على صرف الانتباه نحو أمور أخرى من خلال تعلم اللغة الألمانية أو القيام برحلات مشتركة مع لاجئين آخرين. وقد فقد مؤخرا القدرة على النوم بسبب المصير المجهول لزوجته والشعور بالذنب لتركها خلفه، كما تناول أحيانا أقراصا منومة. ويعتقد غسان أن السياسيين الألمان رغم امتنانه لهم على استقباله بأنهم "لا يتفهمون صعوبة العيش بدون عائلة".
هل من معنى للتمييز بين الحماية المحدودة والكاملة؟
على هذا النحو تقريبا تحدث بعض الخبراء الاثنين أمام البرلمان الألماني حول لم الشمل العائلي. هلموت ديدي مدير أعمال اتحاد المدن الألمانية ناشد المسؤولين السياسيين عدم المجازفة حول عودة سريعة للاجئين السوريين. "سوريا لن تشهد السلم في وقت وجيز، وبالتالي نحن نعتقد أنه من الصواب الحديث عن الاندماج". هذا الأمر يصب في مصلحة اللاجئين وكذلك في مصلحة ألمانيا، وهنا يشكك رولاند بانك، ممثل هيئة إغاثة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في نجاعة التمييز بين من حصلوا على الحماية الكاملة وأولئك الحاصلين على الحماية المحدودة،. فالحاجة إلى الحماية برأي بانك تبقى قائمة لكلا الطرفين بنفس القدر على مدى قصير أو طويل".
فكّر غسان مؤخرا في العودة، إلا أن السؤال المحوري هو إلى أين؟ فهو ينحدر من مدينة البوكمال على الحدود مع العراق حيث قمعت قوات الرئيس بشار الأسد في 2011 المظاهرات الأولى ضد نظامه. بعدها سيطر تنظيم "داعش" على المنطقة قبل أن يسترجعها الجيش السوري في 2017 . ومن الواضح أن غسان لن يعود إلى البلد الذي يحكم فيه الأسد.
ريشارد فوكس/ م.أ.م