الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مصر: "بلطجة "أم حل "للانفلات الأخلاقي"؟
١٠ يوليو ٢٠١٢هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعرفها المصريون بارتباط وجودها بالمملكة العربية السعودية، التي توجد فيها هيئة "قانونية" مماثلة تابعة لنظام الحكم الإسلامي المتبع هناك. أما في مصر فقد فوجئ المصريون منذ أشهر قليلة بظهور صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تعلن إنشاء هيئة مماثلة غير حكومية مؤلفة من شباب "متدين متطوع يريد نصرة شريعة الله". وفي الأشهر الأخيرة تناقل المصريون على استحياء الروايات عن تلك الهيئة، التي ما زال وجودها على أرض الواقع محل جدل وشك، ونقل البعض اقتحامهم لأحد محال تصفيف الشعر للسيدات في إحدى المحافظات ومشادات بينهم وبين بعض الشباب في منطقة أخرى.
لكن تلك الروايات لم تلق صدى كبيراً في الشارع المصري، إلا أن مقتل شاب في السويس على يد ملتحين، قال مسؤولون إنهم ينتمون إلى تلك الهيئة، فيما أعلنت الهيئة نفسها عدم انتماء هؤلاء الأشخاص إليها، كما جاء في بيان لها، سلط الضوء على وجود أمثال تلك الجماعات. وقوبلت فكرة وجود هيئة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر أو أشكال مماثلة لها في مصر بردود فعل متباينة بين الشباب المصري في استطلاع أجرته DW عربية.
القانون يحمي الجميع
"مرفوض رفضاً قاطعاً وجود كيان بهذا المسمى"، تقول مديرة العلاقات العامة الشابة ندى عبد الجليل، التي ترى أن أي أفعال تصدر من تلك الجهات، التي تعطي نفسها مسمى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما هي إلا "بلطجة" وخروج عن القانون. "ليس من حق أحد التدخل في شؤون الأخر وهذا يعتبر نوعاً من التعدي على حرية الفرد وغير مقبول تحت أي مسمى، فهناك قانون يحكمنا جميعنا، أما هم فلم يوكلهم أحد". وعن رد فعلها إذا ما تعرض لها أحد ممن يزعمون انتمائهم لتلك الهيئة قالت ندى لـDW عربية: "إذا كان بالحسنى قد أتقبل كلامه فهو أفضل من أن يعتدي علي جسدياً أو لفظياً لكن الأرجح أنني سأمشي وأتركه".
على عكس ندى سيكون رد فعل طبيب الأسنان حديث التخرج شريف صبحي عنيفاً إذا ما تعرض له أحد هؤلاء بل ويتضمن توجيه ألفاظ خارجة لذلك الشخص طبقاً لما قاله في حديثه لـDW عربية. ويرى صبحي أنه ليس من حق أي شخص التعرض لأخر طالما كان مفتقراً لأي صفة قانونية. "عندنا شرطة آداب وإذا ما رأى أحد الأشخاص آخرين يقومون بفعل شيء يراه فاضحاً في الطريق، فعليه الاتصال بهم. أما التعرض للناس فهو اعتداء على حريتهم". لكن على الجانب الأخر أبدى صبحي تفهمه لفكرة تقنين هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على أن تكون تابعة لوزارة الأوقاف وتصدر بفتوة من مفتي الجمهورية وتكون جزءا من نظام الدولة. "حينها سألتزم مثلي مثل غيري بما يقولون لي كما هو الحال في المملكة العربية السعودية".
هيئة مماثلة للقائمة في السعودية هي الحل "للانفلات الأخلاقي" الذي تفشى في المجتمع المصري في رأي سائق الأجرة محمود رزق. ويفسر رزق هذا "الانفلات الأخلاقي" قائلاً: "على كورنيش النيل مثلاً، الشباب والفتيات يقفون يداً بيد، بل وفي بعض الأحيان يتبادلون القبل والأحضان في الشارع. فهل نحن في أمريكا أم في دولة إسلامية؟". ويرى رزق أن وجود أشخاص "يعرفوا ربنا" في الشوارع يقومون بإرشاد الشباب سيقيم "دولة الإسلام"، التي بدأت بالرئيس محمد مرسي في رأيه.
"الله هو من سيحاسبنا جميعاً"
"المجتمع المصري ليس كالسعودي ومصر لن تكون كالمملكة السعودية"، بهذه الكلمات أبدى الطالب الجامعي أحمد سرحان اعتراضه على فكرة وجود هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مصر على غرار مثيلتها في المملكة السعودية. ويرى سرحان أن الشارع المصري لم يعتد تدخلاً دينياً في شؤون المواطنين. " قد نكون قد اعتدنا ربما على التدخلات الأمنية في عهد مبارك لكننا شعب لم يعتد على أن يسير في وسطه مرتدي الجلاليب ليقولون له هذا حرام وهذا حلال. لن نقبل أن يحدث هذا في بلدنا". ويرفض سرحان وجود هيئة بهذا المسمى في البلاد، إذ يراها تهدد فكرة مدنية الدولة وتحولها لدولة دينية متشددة، حسب تعبيره.
المحاسب الشاب مصطفى الجمال تساءل عن تعريف المعروف والمنكر الذي تنادي به أمثال تلك الجماعات، مضيفاً: "هل من حقك أن تخطف مني زجاجة مياه غازية لمجرد أنك مقتنع بأن من مكوناتها دهن خنزير؟ بالطبع لا". وفي رأي الجمال أن تلك الأفعال يقوم بها هؤلاء لشعورهم فقط بأنهم أكثر فضيلة وتديناً من الآخرين، "هم يتخيلون أنهم حين يصرخون بهذه الطريقة سيصبحون معلمين أو ناصحين أو يترقون إلى مرتبه الشيوخ الذين يعتبرونهم قدوة لهم في هداية الناس".
وفي السياق نفسه رفضت الطالبة الجامعية أمية الله محمود وجود مثل تلك الهيئة في مصر، معللة ذلك بالقول: "وجود المسيحيين في مصر بل ونسبة من اليهود أيضاً -وإن كانت غير محسوسة- تجعل وجود تلك الهيئة بشكل رسمي أمراً غير مقبول به". وعن وجود الهيئة بشكل غير قانوني تقول أمية الله: "إذا أراد أحد تطبيق الشريعة، فيجب أن يكون على منهج القرآن ومنهج الرسول وليس بفهمهم لها". وأنهت أمية الله حديثها بالقول: "في النهاية ليس لأحد علينا حساب، فالله هو من سيحاسبنا جميعاً".
أحمد حمدي - القاهرة
مراجعة: عماد غانم