الأكراد بين داعش وحكومة بغداد
٢٣ يونيو ٢٠١٤"هربنا من النظام الديكتاتوري.. لحقنا ذيله الداعشي، هذا هو (الشرق الأسود)"، بهذه الكلمات يصف السينمائي الكردي هينر سليم منظر هروب العراقيين من مدينة الموصل باتجاه إقليم كردستان، عقب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على ثاني أكبر مدن العراق.
فتحت أربيل عاصمة كردستان- العراق ذراعيها لاحتضان النازحين الفارين من الموصل، ليجد الأكراد الذين كانوا ينعمون بنوع من الاستقرار والأمن، أنفسهم ضمن المعادلة الناجمة عن سعير الصراع المندلع الذي يقوده تنظيم الدولة الإسلامية المعروف اختصارا بـ"داعش" على تخوم خط أربيل- بغداد.
ترقب وحذر في الإقليم
حول انعكاسات تطورات المشهد العراقي القاتم على إقليم كردستان، يتحدث القاضي لطيف مصطفى النائب السابق عن كتلة التغيير عن حالة حذر شديدة تسود الإقليم وقال في حديث مع DW عربية: "داعش تستهدف الآن حكومة بغداد بالدرجة الأولى، لكنهم سيشكلون تهديداً حقيقياً لإقليم كردستان، والخوف عندما تستتب الأمور لداعش في تلك المناطق".
وعن فرصة انفصال الكرد عن جمهورية العراق، يعلق لطيف ساخراً: "حالياً لا توجد حدود مشتركة بين أربيل وبغداد، وقد ظهرت دولة أخرى بيننا"، موضحا أن سيطرة داعش على محافظة نينوى، جعلت الانفصال الذي كان قائما "بشكل عملي" يتخذ طابعا "جغرافيا" أيضا. وأقر القاضي لطيف مصطفى بوجود ثورة شعبية في ست محافظات عراقية انتفضت منذ أكثر من سنة، لكن تنظيم داعش استفاد أيضا من "التأييد الشعبي وقبول أهالي المحافظات بعمله المسلح لطرد الجيش العراقي"، لافتاً إلى خطأ الحكومة المركزية في بغداد في مواجهة الاحتجاجات الشعبية السلمية بالعنف.
إلى ذلك، شدد لطيف على موقف الأكراد الرافض للإرهاب لكونهم أساسا من ضحاياه، فهم "نبذوا كل أشكال الإرهاب الذي يخلف عادةً ضحايا أبرياء"، واستشهد الأخير بتاريخ الثورة الكردية و"النضال المسلح الشريف" ضد جيش نظام البعث. وعبر لطيف أيضا عن أسفه لقيام حكومة المالكي بخلق الأزمات في السنوات الأربع الماضية، متهما إياه بإقصاء و محاربة كل من لا يتفق معه من شيعة و سنة وأكراد، وصل إلى حد قطع رواتب الموظفين في الإقليم، و يضيف أنه من مصلحة العراق والمجتمع الدولي "تغيير" السيد المالكي.
إقليم كردستان "خطر أحمر"
"أعيش الآن بحرية كاملة .. أدرس، واستخدم كل مواقع الويب، وأقتني الأجهزة الذكية، أنتقد المسؤولين في الحزب والحكومة. أعود إلى بيتي وقتما أشاء في ساعات متأخرة، وأنا حر في طريقة التدين أو الإلحاد الذي أمارسه دون ضغوط، وأتكلم بلغة أجدادي، كل هذا بفضل الرب، وبفضل قواتنا من البيشمركة والأسايش"، هكذا يشيد الشاب شفان كايا (طالب في جامعة السليمانية) في حديثه مع DW عربية، بمستوى الحريات السائدة في إقليم كردستان العراق.
(كايا) يفتخر بعمه في صفوف البيشمركة الذي يقاتل الإرهابيين في قريتي تازة وبشير التابعتين للموصل، معتبراً دفاعه عن قرى كردية خارجة عن سيطرة الإقليم، أمرا مشروعا طالما هي مناطق كردستانية "محتلة" في العراق.
أما الشاب كارزان طه (مهندس بترول) فإنه يستبعد في حديثه مع DW عربية إمكانية "اقتحام أي كائن غريب حدود كردستان"، لوجود مصالح أمريكية في المنطقة، تجعل من كردستان-العراق "خطا أحمرا" بالنسبة للولايات المتحدة حسب رأيه.
حماية الشعب الكردي
بدوره، أكد المتحدث السابق باسم كتلة التحالف الكردستاني مؤيد طيب في حديث مع DW عربية بأن "حرس الإقليم وبمساندة السكان، سيقطعون الطريق على أي محاولات لتقدم المتطرفين داخل أراضي كردستان"، مشيراً إلى أن مسألة الدفاع عن الإقليم ستكون خارج سياسة حكومة بغداد. وأضاف: "نحن سندافع عن الإقليم سواءً من متطرفي داعش أو من الجيش العراقي، كما حصل العام الماضي في كل من زُمار وكركوك حين منع البيشمركة تقدم الجيش العراقي الاتحادي"، مؤكداً أن الشرعية بجانب الكرد في الدفاع عن الإقليم وحماية الشعب الكردي.
وعزا مؤيد طيب ما يحدث اليوم في العراق إلى عدم احترام الحكومة الاتحادية للحكومات المحلية، وهو ما نجم عنه رفض المناطق السنية للجيش العراقي. ولأنها مناطق "لا تتوفر على قوة دفاعية كما هو الأمر بالنسبة للإقليم كردستان، فإنها لم تنجح في التصدي لتجاوزات الجيش الاتحادي، وهذا ما أدى إلى الوضع الحالي".
حالة استنفار
إلى ذلك دعا رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني كافة عناصر البيشمركة المتقاعدين إلى الالتحاق بالوحدات العسكرية والاستعداد لكافة الاحتمالات. ونقل موقع رئاسة إقليم كردستان قول بارزاني: "نظراً للأوضاع الحالية المستجدة على حدود إقليم كردستان والعراق، أطالب كافة أفراد البيشمركة الذين أحيلوا على التقاعد، بالالتحاق بالوحدات التي كانوا يخدمون فيها". بدا المتابعون للشأن العراقي متفقين أن العراق دخل منعطفا جديدا، وهو ما أكد عليه أيضا رئيس الحكومة الكردية بقوله "إن العراق لن يعود كما كان عليه، فموازين القوى قد تغيرت".