الأقمار الصناعية لمراقبة التغييرات في منسوب المياه الجوفية
٣١ أغسطس ٢٠٠٩يستهلك سكان منطقة شمال غرب الهند، البالغ عددهم مائة وأربعة عشر مليونا، يستهلكون كميات كبيرة من المياه، ويستغلون خمسة وتسعين في المائة مما يستهلكونه منها في ري أراضيهم الزراعية. ويدرك السياسيون في الهند منذ مدة طويلة أنه لا بد من حدوث تغير في ذلك، كما أكدت دراسة جديدة بنيت على معلومات فضائية حتمية اتخاذ إجراءات التغيير.
بيد أن نتائج هذه الدراسة التي قامت بها وكالة الطيران والفضاء الأمريكية"ناسا" كانت محزنة؛ فقد أثبتت هذه الدراسة أنه في الفترة من عام 2002 إلى عام 2008 تناقص منسوب المياه الجوفية في المنطقة بمعدل أربع سنتيمترات سنوياً.
دور الأقمار الصناعية في أبحاث المياه
وقد توصل الباحثون إلى نتائج هذه الدراسة بطريقة غير عادية، أي بالبيانات التي جمعوها في الفضاء بواسطة قمري جريس الصناعيين، المسميين توم وجيري، واللذين تم إطلاقهما في الفضاء عام 2002 كمشروع تعاوني أمريكي ألماني.
وحول السبب في أن الباحثين ركزوا على الهند بالذات يقول خبير الهيدرولوجيات في وكالة ناسا، مارك روديل: "بدأنا انطلاقا من بيانات قمري جريس في استنتاج الاتجاهات المستقبلية بشأن تخزين المياه. وإذا ما طبقنا هذه الاتجاهات على خريطة الكرة الأرضية فيمكننا معرفة الأماكن التي يسود فيها القحط". ويضيف الباحث قائلاً: "وبالنسبة لمنطقة شمال غرب الهند نرى بقعة حمراء كبيرة، تعني أن هناك دائما قلة في المياه. كما نعرف أيضا أن لدى سكان هذه المنطقة مشاكل في الحصول على المياه، وأن منسوب المياه الجوفية يتناقص، وأن الآبار تنضب. وهكذا نقرر كشف ما إذا كانت المياه الجوفية ستقل فعلا".
إن مساحة منطقة شمال غرب الهند بولاياتها الثلاث؛ ارجاستهان والبنجاب وهارياندا، أكبر من مساحة ألمانيا، الأمر الذي يعني أن من المضني إجراء دراسات بشأن المياه الجوفية بالوسائل التقليدية. وحول ذلك يقول مارك روديل: "لإثبات حدوث تغيرات في منسوب المياه الجوفية في مثل هذه المساحة الشاسعة انطلاقا من الأرض يجب القيام بالكثير من القياسات المنفردة في حفر كثيرة. ولهذا يحتاج المرء إلى عدد كبير جداً من العاملين، كما يجب تجهيز الحفر أولا. وهذا كله يعني أن الدراسات الدقيقة للتغيرات في منسوب المياه الجوفية على مساحة كبيرة قد يكون مكلفاً جدا".
هدف إطلاق القمرين الصناعيين توم وجيري
عندما نفكر في بيانات الأقمار الصناعية فغالباً ما نتصور صوراً منوعة عن الأرض. ولكن قمرا غريس الصناعيين يعملان لهدف آخر: فهما يدوران حول الأرض وكأنهما قمر مزدوج، ولكن في تباعد بينهما يبلغ مائتي متر. إنهما يتجاوبان مع الجاذبية الأرضية؛ فعندما يعثران على هدف ذي كتلة كبيرة كجبل مثلاً، أو مساحة مائية كبيرة وعميقة، فإنهما ينجذبان نحو هذا الهدف.
وتوضح الجبيرة في الأبحاث الجيوفيزيائية في مختبر ناسا للدفع الصاروخي في كاليفورنيا، وفي جامعة أودين الإيطالية، إيزابيلا فيليكونيا، كيف تتم القياسات بقمري توم وجيري: "اتضح أنه عندما نريد قياس مدار أحد الأقمار الصناعية بدقة فمن الأفضل أن نستخدم قمراً صناعياً آخر. أي أن هذين القمرين يدوران حول الأرض. وعندما يطير أحدهما فوق جبل، فإنه ينجذب إليه بسبب كتلته، ويسرع في دورانه. وهذا يعني أن البعد بين القمر الصناعي الأول والقمر الصناعي الثاني سيصبح أكبر. وعندما يطير القمر الثاني فوق نفس الجبل تزداد سرعته بفعل الجاذبية أيضا، ولهذا فإن البعد يقل مرة ثانية". وتوضح الخبيرة بالقول: " وبقياس التغيرات في البعد بين القمرين الصناعيين، فيمكننا استخلاص نتائج حول ما إذا كان القمران دارا كثيراً أو قليلاً حول كتل ضخمة".
أي أنه فوق منطقة شمال غرب الهند انخفضت الجاذبية في الفترة ما بين عامي 2002 و2008. والإمكانية الوحيدة والمقنعة لتفسير ذلك تتمثل في الفقدان الشديد للمياه الجوفية. وهذه الإمكانية تتناسب فضلاً عن ذلك مع الملاحظات الإقليمية. وعندما يدور القمران توم وجيري بسرعة أكبر فوق منطقة شمال غرب الهند فإن ذلك يعني أن مخزون المياه الجوفية هناك بدأ في الارتفاع.
الكاتب: مادلين أمبيرغر / محمد الحشاش
تحرير: عماد مبارك غانم