الأفلام العربية في البرليناله: ثورة واحتلال ومثلية جنسية
١٧ فبراير ٢٠١٤لم تغب السينما العربية عن مهرجان برلين الدولي للفيلم السينمائي "برليناله" في دورته الرابعة والستين، وتمكن بعض هذه ألأفلام من لفت انتباه الجمهور ومتابعي المهرجان. أبرز الأفلام العربية المشاركة، الفيلمان الجزائري "طريق العدو"، الذي تنافس إلى جانب ثمانية عشر فيلما آخر على الفوز بجائزة الدب الذهبي والفيلم المصري "الميدان" الذي توج بجائزة منظمة العفو الدولية، التي تبلغ قيمتها خمسة آلاف يورو.
ما عدا هذين الفيلمين وكذلك فيلم "أريج" المصري، ركزت بقية الأعمال العربية على الفيلم الوثائقي القصير، واعتمد إنتاجها على إمكانيات بسيطة، كما غلب عليها أسلوب تصوير الهواة، وإن كان ذلك لم يحل دون تميز بعضها في تناول المواضيع المطروحة.
الثورة المصرية حاضرة بقوة
أما الأفلام المصرية المعروضة، فقد بدا جليا انعكاس الأوضاع السياسية الراهنة على مواضيعها. ففيلم "أم أميرة" الوثائقي يحكي طيلة 25 دقيقة قصة امرأة مصرية فقيرة وتبيع ألذ سندويتشات بطاطس في محيط ميدان التحرير من أجل إعالة أسرتها. الفيلم يعالج كيف تواجه هذه الشخصية القوية ظروفها المعيشية الصعبة، وكيف تتعامل مع موت ابنتها جراء الإهمال السائد في المستشفيات وفي المجتمع بشكل عام.
"أم أميرة" أراده مخرجه ناجي إسماعيل فيلما عن الثورة المصرية، بالرغم من أنه لا يتضمن أي مشهد عن المظاهرات أو الاشتباكات التي حصلت أثناءها: "أحببت من خلال قصة أم أميرة أن أسلط الضوء على جانب من الظروف التي قامت فيها الثورة المصرية. من أطلقوا هذه الثورة مصريون بسطاء يعيشون ظروفا صعبة، وقصة أم أميرة هي نموذج لهؤلاء الذين أحببت أن أبين من خلالهم كيف أن الكبت والضغط الذي تعيشه هذه الفئات يمكن أن يؤدي في النهاية إلى ثورة كتلك التي عرفتها مصر". يقول مخرج الفيلم ناجي إسماعيل.
وبالرغم من التغيرات التي عرفتها مصر جراء الإطاحة بحكم حسني مبارك، إلا أن صناع الأفلام المصريين ما زالوا يواجهون التحديات ذاتها المتعلقة بتراخيص التصوير والرقابة المفروضة على منتجاتهم، وهي عقبات تمكن ناجي من تخطيها بنجاح. الأمر يختلف بالنسبة لفيلم "الميدان" لمخرجته جيهان نجيم، الذي يصور بمشاهد واقعية ما عايشه عدد من المصريين أثناء أحداث ثورة 25 يناير. وهو الفيلم المرشح لجائزة الأوسكار الأمريكية، والممنوع من العرض في بلاده مصر.
أربع ساعات من بيروت إلى رام الله!
أربع ساعات هي المدة التي تفصل بيروت عن رام الله بالسيارة. هذه الرحلة المستحيلة في الواقع بسبب منع إسرائيل اللبنانيين من دخول الأراضي الفلسطينية هي موضوع فيلم "مونديال 2010"، الذي يحكي قصة شابين مثليين جنسيا يقرران السفر من لبنان إلى الضفة الغربية لزيارة أصدقاء لهم هناك. تدور أحداث الفيلم في الطريق وفي أنحاء رام الله، دون أن يظهر وجها البطلين طيلة الفيلم كله، وذلك في إشارة من مخرجه اللبناني روي ديب إلى استحالة هذه الرحلة التي يفترض أن تكون أمرا عاديا وبسيطا بين أغلب بلدان العالم، غير أن الأمور تسير بمنطق آخر في الشرق الأوسط، كما يرى المخرج: "مونديال 2010 يرمز إلى كل لبناني كبر مع القضية الفلسطينية وحلم بأن يصل إلى فلسطين يوما. اختياري لرام الله عوضا عن القدس رمزا لفلسطين جاء لأنها أكثر مدينة تمثل الواقع الفلسطيني بعيدا عن الأبعاد الدينية أو السياسية".
في أحد مشاهد الفيلم يتناقش الشابان المثليان حول الحصول على غرفة في الفندق بسرير مشترك أو سريرين منفصلين، بهدف التنكر لهويتهما الجنسية من خلال التظاهر باستعمال كلا السريرين، كي لا ينكشف أمرهما. ديب يعلق على هذا المشهد قائلا" المثليون يواجهون بالتأكيد الكثير من المصاعب ويتم رفضهم في المجتمعات العربية، لكن مشاكلهم هناك ليست دائما كبيرة كما يعتقد كثيرون، وأنا ركزت على أمر بسيط، فمشاكلهم قد تقتصر بالفعل أحيانا على الحصول على سرير مشترك في فندق من عدمه!"
البرليناله، منبر لإيصال رسائل سياسية
من الأفلام التي برزت أيضا خلال هذه الدورة الفيلم الوثائقي "إضحك تضحك لك الدنيا" من إنتاج منظمة بتسيلم الإسرائيلية التي توثق انتهاك حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال. الفيلم يروي قصة عائلة الحداد الفلسطينية التي تعيش في الخليل. إذ تستيقظ ذات ليلة على صوت الجنود الإسرائيليين الذين يقتحمون بيتها لتفتيشه دون أسباب واضحة. الفيلم من تصوير العائلة نفسها في إطار مشروع لمنظمة بتسيلم وزعت في إطاره كاميرات على مائتي عائلة فلسطينية تعيش في مناطق تشهد توترات يومية بين سكانها وبين الجنود الإسرائيليين. يوآب غروس أحد مخرجي الفيلم وناشط في المنظمة يقول: "أحيانا نتلقى عن طريق هذه المشاريع أفلاما قوية تعالج الرسالة التي نحملها وهي حقوق الإنسان. لما رأينا الصور التي التقطتها أسرة الحداد أدركنا أنها تحمل قصة مثيرة ومعقدة تتناول حقوق الإنسان في حياة الفلسطينيين اليومية، وتعكس عبثية الوضع الذي يخلقه الاحتلال وظلمه". حسب قوله.
وسبق ليوآب أن شارك قبل ثلاث سنوات في مهرجان البرليناله بقصة لعائلة فلسطينية أيضا، ويعتبر أن حجم المتابعة الكبير الذي يوفره هذا المهرجان هو ما يجعل المنتجين في فلسطين وإسرائيل يفكرون في عرض أفلامهم فيه. "أنا سعيد لكوني أوصلت هذه القصة إلى الجمهور هنا. أتمنى أن تصل رسالة الفيلم العميقة التي تتجاوز مسألة العنف والصراع، إلى قصة حياة الفلسطيني تحت الحصار المفروض عليه من قبل السلطات الإسرائيلية، وأتمنى أن يصل إلى الإسرائيليين على وجه الخصوص".
غياب لافت للأفلام الروائية العربية
باستثناء الفيلم "طريق العدو" لمخرجه الجزائري رشيد بوشارب، الذي لم يوفق في مشاركته البرلينالية الرابعة في الفوز بأي جائزة، لفت الانتباه عدم عرض أي فيلم روائي عربي في المهرجان. الصحفي المغربي وخبير السينما العربية بلال مرميد يفسر هذا الغياب بقلة الإنتاج السينمائي في العالم العربي وإلى رداءته باستثناء عينات قليلة، لأن السينما ليست من أولويات الحكومات في العالم العربي: "حتى رشيد بوشارب الذي يتميز بأعمال قوية ويشارك بانتظام في المهرجانات العالمية، هل نستطيع القول أنه من إنتاج الجزائر؟ طبعا لا. فهو خريج السينما الفرنسية، التي تطور فيها وجمع من خلالها خبراته". ويشير مريمد إلى دور البلد الأم بالقول: "الفضل الذي يعود للجزائر هي أنها باتت تلتفت إلى أبنائها الذين برزت أسماؤهم في الخارج وتساعدهم بالموارد الكبيرة التي تتمتع بها بعد إهمال طويل للسينما، لكن هذا لا يعوض انعدام تكوين متين للناشئين العرب في المجال ووجود قطيعة بين جيلهم وبين جيل الرواد الكبار تحول دون استفادتهم من خبراتهم".