الأسطورة الألمانية سيب هيربرجر صاحب معجزة بيرن
٣١ مايو ٢٠٠٦الجميع يعرف كلماته، حتى هؤلاء الذين لم يعايشوه في حياته. فلم يسبق لأحد أن صاغ الأوامر المؤدية إلى النجاح بشكل أكثر فاعلية ووضوح من سيب هيربرجر مدرب المنتخب الألماني السابق وصاحب "معجزة برن". "المنافس الأخطر هو دائماً المنافس القادم" أو "المباراة تستمر تسعين دقيقة" أو "بعد المباراة هو قبل المباراة" وبالطبع "الكرة دائرية" هي بعض جمله الشهيرة التي مازالت حتى اليوم حية بالرغم من وفاة قائلها في عام 1977. ولا يقتصر استخدامها الآن على مجال كرة القدم فحسب، وإنما يُضرب بها المثل في مجالات أخرى. فخلال الدورات التدريبية على فن الإدارة، يستخدم المدربون الحِكم التي سبق وقالها هيربرجر خاصة عندما يتعلق الأمر بالتشجيع وتحسين الأداء. نجح هذا المدرب الأسطوري صاحب الشخصية الكاريزمية أن يبث في فريقه روح التحدي ويصل بهم إلى النجاح متجاوزا بذلك كافة التوقعات.
قائد ماهر وماكر
في الفترة التي قضاها كمدرب للمنتخب الألماني، لم يحدث أن استهان فريقه بمنافس له أياً كان مستواه، ولم يحدث أن استسلم الفريق للخسارة قبل انقضاء الدقائق التسعين. أما بعد الفوز بالمباراة فلم يكن هناك مجال للاسترخاء والإحساس بالطمأنينة أو التقليل من شأن المنافس القادم. كانت هذه هي معاني كلماته الفلسفية الطبيعية، وفي نفس الوقت الأسباب الرئيسية التي مهدت الطريق لنجاح الفريق في الحصول على لقب بطل العالم عام 1954 في بيرن.
المواجهة الأولى بين المنتخبين الألماني والمجري في البطولة أسفرت عن خسارة فادحة للفريق الألمانية 8:3. وكان المنتخب المجري آنذاك في قمة تألقه وأحد المرشحين للحصول على اللقب، خاصة وأنه لم يخسر مباراة واحدة منذ أكثر من أربعة أعوام. غير أن هذه الهزيمة الفادحة لها سبب آخر، فقد خدع هيربرجر منافسه ولعب بفريق احتياطي ليحافظ على أفضل لاعبيه ويوفر جهودهم للمباراة النهائية. ونجحت خطة المدرب الماكر، وخرج المجريون من المباراة في غاية الثقة.
وفي المباراة الثانية التي جمعت المنتخبين، وهي المباراة النهائية في البطولة، بدأ المجريون المباراة بنفس الثقة. وبعد أن أحرزوا هدفين، اطمئنوا إلى نتيجة المباراة وظنوا أنها حسمت لصالحهم. لكن الفريق الألماني المكتمل الصفوف كان يدرك أن "المباراة تسعين دقيقة"، وفاجأ اللاعبون منافسيهم بهجوم منظم أدى إلى تحقيق التعادل 2:2. وفي الاستراحة جاءت كلمات المدرب الرنانة: "الفريق المجري أفضل منا بكثير، ويلعب بخطط أفضل منا، ولكنكم تدركون الآن بأنفسكم أنه يمكنكم الانتصار عليهم. فكروا في ذلك دائما". وتحقق النصر وتحول هيربرجر إلى معجزة الكرة الألمانية وحظيت ألمانيا لأول مرة بعد الحرب بحماس جماعي وفرح رفع من الروح المعنوية للشعب.
طريق رياضي عطلته الحروب
ولد هذا المدرب العبقري، والقائد الماهر في عام 1897 في مدينة مانهايم فالدهوف، وهناك لعب أول مباراة له في عام 1914 في فريق للمسنين في نادي رياضي بفالدهوف، لكنه كان آنذاك يعمل كمساعد في أعمال البناء وانتهى بالعمل المكتبي في عام 1916 في مجال التعدين. ومع بداية الحرب العالمية كان يجب التوقف عن اللعب والمشاركة في المعركة. إلا أنه عاد مرة أخرى ليلعب ضمن النادي الرياضي لفالدهوف. وفي سبتمبر/أيلول عام 1921 كانت أول مشاركة له في الفريق الألماني، وكان الرصيد هدفين، وانتقل بعدها للعب في فريق مانهايم، وتحول ناديه إلى بطل ألمانيا في عام 1925. وبعد أن أكمل دراسته كمدرب رياضي في معهد برلين، حيث كرم كأفضل طالب في دفعته، بدأ عمله في التدريب في فريق "تينس بوروسيا برلين" وفي 1939 تولى تدريب الفريق الألماني. كان دخوله في الحزب النازي أحد أسباب الانتقادات التي وجهت له، كما كانت فترة الحرب عائقاً أمام الفريق، إلا أنه بدأ في عام 1945 في تكوين مدرسة رياضية لتدريب عدد من الفرق. وبالرغم من عدم وجود فريق ألماني رسمي آنذاك، إلا أنه ظل على اتصال بلاعبي فريقه. لكن علاقته بالحزب النازي أدت إلى إلزامه بالغرامة وبعدم إتمام عمله. لكنه عاد إلى التدريب مرة أخرى في معهد كولونيا الرياضي، وبداية من عام 1949 عاد رسمياً لتدريب الفريق الألماني.
قائد وخبير نفسي بالفطرة
كان هيربرجر بالنسبة للاعبيه شخصية لا يمكن إيجادها اليوم في كرة القدم: كان ساحراً وقادراً، دقيقاً ويبحث عن الكمال، يجيد التخطيط وفي الوقت نفسه متفهم ويتعامل مع لاعبيه كأب مع أبنائه. كان يستطيع قيادة فريقه ببساطة كما كان يمكنه أن يخرج من لاعبيه أفضل قدراتهم، وكان دائم الاهتمام بهم حتى خارج الملعب. عندما أراد أفضل لاعبيه: قلب الفريق ومحركه فريتز فالتر الاعتزال بعد الهزيمة أمام فرنسا، استطاع التأثير عليه من خلال التأثير على زوجته، وبقى كابتن الفريق. وقبل إحدى المواجهات مع السويد كان يسهر إلى جانب فريتز فالتر أثناء مرضه ليتأكد من إعطائه الأدوية بنفسه. ويقول عنه فالتر: "لقد كان مدرباً لا يرحم. لكنه كان قريباً من لاعبيه ولا يشعرون أبداً أنه متسلط، كان يهتم بهم كأب ويعرف نقاط قوة وضعف كل منهم، كما يعرف كيف يوظف تلك النقاط".