الأزمة مع إيران.. ألمانيا حائرة فماذا بوسعها أن تقدم؟
٧ يناير ٢٠٢٠"نزع فتيل التصعيد" هي الكلمة السحرية، إذ تُبذل الجهود السياسية من أجل ذلك في برلين هذه الأيام. وحتى في البيان المشترك للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون نص على المطالبة بنزع فتيل التصعيد. ومناشدة "جميع الفاعلين المشاركين" توخي أقصى التحفظ والوعي بالمسؤولية. لكن كيف يمكن تحقيق خفض التصعيد؟
رد أوروبا هو من خلال التحاور. الأوروبيون، كما أبرز وزير الخارجية الألماني هايكو ماس عبر إذاعة ألمانيا لهم "مع كلا الجانبين قنوات حوار مفتوحة وعاملة تُستغل حاليا. وسنقدم مساهمتنا لكي لا تحصل حرب بالوكالة لبلدان أخرى في العراق".
الولايات المتحدة الأمريكية تشكو من نقص في الدعم
والمحادثات تجري مع الولايات المتحدة الأمريكية التي أدى قيامها بقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في العراق الخميس الماضي على تشديد الأزمة. في المقابل أأعرب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن خيبة أمله "من النقص في الدعم من جانب الأوروبيين لهذه الخطوة القوية"، في إشارة لمقتل سليماني. وعللت الولايات المتحدة قيامها بقتل سليماني بما كان يعده الأخير من هجمات مفترضة على أهدف تخصها.
ورغم المحادثات فإنه لم يتم تقديم أدلة على هذا الادعاء، كما أكد اليوم متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية: "اطلعنا على تعليل الولايات المتحدة الأمريكية. لكن المعلومات من أجل تفهم هذا التعليل تنقصنا"، كما قال راينر برويل جوابا على سؤال أثناء مؤتمر صحفي للحكومة.
ويبدو أن أوروبا اعتمدت نوعا من الدبلوماسية المتحركة بأدوار موزعة: ماكرون يحتفظ بالتواصل مع رئيس ايران حسن روحاني، وبوريس جونسون مع الرئيس الأمريكي ترامب. وأنغيلا ميركل ستلتقي في نهاية الأسبوع رئيس روسيا فلادمير بوتين والتحدث معه حول الأزمة في الخليج. فحتى روسيا تُعد ـ مثل الصين ـ من بين الدول الموقعة على الاتفاقية النووية لعام 2015.
جنود ألمان في العراق
والحكومة الألمانية تجري محادثات أيضا مع بغداد حيث طالب البرلمان العراقي الأحد في غضب بسبب الهجوم بالطائرة بدون طيار على أرضه بإنهاء انتشار جميع الوحدات الأجنبية المشاركة في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلاميةط (داعش) الإرهابي. ويوجد 120 جنديا ألمانيا في العراق في الأساس من أجل أهداف تدريبية. والآن يتم الحديث، كما قال المتحدث باسم الخارجية برويل "عن كيفية تعامل الحكومة الألمانية مع قرار البرلمان وكيف تأمل في التعامل المستقبلي مع الشركاء".
وأكد وزير الخارجية الألماني، ماس أنه لا أحد يريد التزاما عسكريا في العراق ضد إرادة البرلمان والحكومة العراقيين. أما التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات ضد العراق بسبب القرار البرلماني فقد وصفها ماس بأنها "غير مجدية". وحاليا يبقى الجنود الألمان بسبب الوضع الأمني المتأزم في معسكراتهم.
وأعلن المتحدث باسم الخارجية الألمانية برويل أن وزير الخارجية هايكو ماس يعتزم "في وقت منظور التحادث مع نظيره الإيراني جواد ظريف".
وسطاء بدون سلطة
ويبقى السؤال مطروحا حول ماذا بوسع برلين وأوروبا أن تقدمه لشركائها في الحوار ما عدا المناشدات والنصائح؟ فمنذ عام ونصف العام يحاول الأوروبيون بلا نجاح التوسط بين طهران وواشنطن. فهم يبذلون الجهد من أجل إنقاذ الاتفاقية النووية المبرمة في 2015 مع إيران. وانسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو/ أيار 2018 من جانب واحد من الاتفاقية.
وكنتيجة لهذه الخطوة اتبعت واشنطن سياسة "أقصى الضغط" ضد ايران، لا سيما من خلال فرض نظام عقوبات تعتبره ايران حربا اقتصادية. ومحاولات ألمانيا وفرنسا وبريطانيا منح ايران الفوائد الاقتصادية الموعودة في الاتفاقية النووية ظلت إلى حد الآن مخيبة للآمال. فغالبية الشركات الأوروبية تراجعت بسبب الضغط الأمريكي عن التعامل مع ايران.
وبما أنها لا تحصل على فوائد من الاتفاقية، تتنصل ايران منذ مايو 2019 خطوة تلو الأخرى من التزامات الاتفاقية. وآخر خطوة معلنة ضد الاتفاق النووي أعلنت عنها الحكومة الايرانية مؤخرا، قائلة إنها لن تلتزم بأي قيود تضمنها الاتفاق النووي بشأن تخصيب اليورانيوم.
الجرأة على مخاطرة سياسة
ولا تملك أوروبا قوة كبيرة في الخليج، كما يلاحظ وزير الخارجية الألماني السابق، زيغمار غابرييل في تعليق لصحيفة "تاغسشبيغل" البرلينية، إذ اعتبر أنه اتضح في العامين المنصرمين "أن الاتحاد الأوروبي نمر من ورق عندما يصبح الوضع جديا". ومن أجل تغيير هذا وتخفيض التصعيد وجب على أوروبا أن تبرهن على شجاعة وتتحمل مخاطر سياسية، كما طالب وزير الخارجية السابق. وهو يعني بذلك "إذا اقتضى الحال تحمل نزاع سياسي أكبر مع الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية".
ومن أجل منع ايران "من مواصلة السير في سياسة التصعيد" اقترح غابرييل تقديم عرض لطهران يتمثل في تقديم قروض بالمليارات من البنك المركزي الأوروبي أو البنوك الوطنية الأوروبية لعودة طهران للاتفاقية النووية وفي أقصى الحدود إصدار رد فعل "محدود" على الاعتداء على سليماني. وبهذا النوع من العروض يمكن لأوروبا أن تسترجع مصداقيتها تجاه ايران، ولن تبقى نمرا من ورق.
ماتياس فون هاين/ م.أ.م