الأزمة السورية.. ظروف دولية ملائمة لإيجاد مخرج لها
٥ ديسمبر ٢٠١٥رغم أن الأزمة السورية تبقى تحديا كبيرا أمام المجتمع الدولي، إلا أن حلها بات ممكنا في المدى المنظور، وهذا ما يبرر التفاؤل الذي يخيم على السياسيين الأمريكيين. بيد أن الحل يعتمد فقط على التعاون مع القوى المعتدلة في البلاد.
يبدو أن الظروف الدولية والإقليمية المحيطة بالأزمة السورية أصبحت أفضل مما كان متوقعا لحد الآن. فها هو نائب وزير الخارجية الأمريكي توني بليكن يقول: " الحل السياسي للأزمة تمر بظروف جيدة أكثر من ذي قبل". كما عبر رئيسه ، وزير الخارجية جون كيري، عن تفاؤله بهذا الشأن عندما قال في الشهر الماضي " ربما نكون على بعد أسابيع فقط من إيجاد حل انتقالي للأزمة في سوريا"، مضيفا "أن الكثيرين لم يلاحظوا ذلك بعد. لكن هذا هو الوضع الحالي".
ويبرر المسؤول الأمريكي بليكن تفاؤله بالوضع غير المريح الذي وضعت روسيا نفسها فيه بعد تدخلها العسكري في سوريا. ورغم أن روسيا قد ضاعفت بتدخلها العسكري من تأثيرها على نظام الأسد، إلا أنها خلقت لنفسها في نفس الوقت الكثير من الأعداء الجدد. في هذا السياق يقول بليكن " روسيا أصبحت الآن حليفا للأسد ولحزب الله وإيران معا، وبذلك أصبحت روسيا أيضا خصما لمصالح الأغلبية الواسعة للمسلمين في العالم".
موسكو تواجه صعوبات
والأغلبية السنية في العالم تخشى ظهور قوي لمنظمات ودول شيعية. والحرب الطائفية التي أشعل نيرانها النظام السوري بهدف جذب القوى الشيعية، مثل إيران وحزب الله، إلى جانبه، تحولت إلى قوى مضادة تضغط عليه وعلى حليفه روسيا بكل قوة. ولا تحصل روسيا حاليا على أي تعاطف خارج سوريا، باستثناء العراق وإيران. أما بقية الدولة الإقليمية فباتت تنظر إلى روسيا بعين الريبة والشك على اقل تقدير، وربما تنظر إلى بوتين بأنه عدوا. ويظهر ذلك جليا في تركيا التي أسقطت طائرة مقاتلة روسية قبل فترة وجيزة. في غضون ذلك على روسيا أن تأخذ في الحسبان مخاطر هجمات الجهاديين داخل وخارج البلاد، كما أظهرت عملية إسقاط الطائرة الروسية المدنية في سيناء.
وكلما أظهرت روسيا قوة علاقتها المتينة مع حليفها السوري، كلما زادت الصعوبات التي تتمخض عن هذه السياسة في دول أخرى. وفي داخل روسيا لا تبدو الصورة مغايرة، فهناك حوالي 15% من سكان روسيا من المسلمين السنة الذين يرون في سياسة بوتين الداعمة للمحور الشيعي شوكة في أعينهم. وفي هذا الشأن تجد روسيا صعوبات أيضا بسبب توغلها في حرب طائفية.
كلهم "إرهابيون"؟
وهنا تكمن مصلحة روسيا في إيجاد حل سريع ينهي الأزمة السورية. وهناك سبب آخر يدفع سوريا صوب الحل السياسي في سوريا وهو أن رغم القصف الجوي العنيف الذي تقوم به طائرات موسكو والذي لا ينتج سوى صورا مثيرة، إلا أن ذلك يؤثر بشكل محدود على الوقائع على الأرض. في هذا السياق كتب موقع "المونيتور" المختص بشؤون الشرق الأوسط كتب يقول "إن الجيش السوري الحر ذي التوجهات العلمانية المعتدلة مازال قويا ويوجه ضربات موجعة لجيش النظام رغم الغطاء الجوي الذي توفره روسيا له". ولهذا السبب تجد روسيا نفسها مضطرة للتفاوض والتفاهم من الجيش السوري الحر.
في هذا السياق لابد لروسيا أن تعتمد في نهجها الساعي إلى إيجاد حل سياسي في سوريا على حلفاء المعارضة السورية، وفي مقدمتهم تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر. وهذه القوى أكدت لموسكو، كما كتبت صحيفة "الحياة" مؤخرا، أن حل سياسيا للأزمة السورية دون مشاركة الجيش السوري الحر سيكون صعبا للغاية. إلى ذلك ترتبط حلفاء المعارضة السورية بعلاقات مع المعارضة الإسلامية تمتد حتى إلى صفوف الجهاديين، الذين تصفهم روسيا بشكل عام "بالإرهابيين". أو على الأقل تستطيع الدول السنية إقامة علاقات مع الجماعات الإسلامية المعتدلة.
تزايد الضغوط لإيجاد حلول وسط
وتهيمن حاليا ضبابية حول الدور الذي ستقوم به جماعات المعارضة المتشتتة في سوريا ما بعد الحرب الأهلية. إلا أن الضغوط عليها تتصاعد من أجل توحيد صفوفها خصوصا بعد الهجمات الإرهابية في باريس ومصر وتونس. وتخمن صحيفة "الحياة" بأن روسيا قد توافق على الدخول في مشاورات لإيجاد حل وسط للأزمة. وكتبت الصحيفة تقول "الرئيس الروسي بوتين لا يرغب في التدخل في أزمة سوريا بنهاية مفتوحة. وإذا تم ضمان المصالح الروسية في المنطقة، فأن بوتين مستعد لإتباع إستراتيجية الخروج من الأزمة".
ولهذا السبب يكون التفاهم مع الجماعات المعارضة السورية ضروريا، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتأسيس جبهة قوية ضد العدو الأساسي والمتمثل بالمنظمة الإرهابية التي تسمى "الدولة الإسلامية".
وكان موقع "المونيتور" قد أجرى حوارا في الشهر الماضي مع أحد الأشخاص وصفه بالمفكر الإستراتيجي السابق لما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية" وعرفه باسم "أبو عمر" والذي اعتبر داعش " الشكل الرائد لكفاح الجهاديين في عصر العولمة الذي نتج عن 30 عاما من الخبرة في هذا المجال".
حلم "الخلافة"
وفي الحوار المذكور يؤكد المدعو "أبو عمر" أن قوة داعش تنبع من "تأثيره المبهر على الإسلام السياسي". والمعروف أن الإسلام السياسي يحلم منذ عام 1924 في إعادة دولة الخلافة الإسلامية التي ألغاها الزعيم التركي مصطفى أتاتورك في نفس العام. كما يشعر أتباع داعش في "دولتهم" بالطمأنينة. "إلى ذلك ينأى المسلم الاعتيادي نفسيا بنفسه عن الأنظمة في المنطقة والتي لا يتوقع منها أي نوع من الدعم. وهذه المشاعر انتقلت إلى أجيال ولدت في العقد ألخير من القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة. إنه جيل يرغب في التوحد في ظل سلطة تجمع الدين والحداثة"، حسب ما نشره الموقع.
كما يساهم في قوة داعش انضمام أكثر من 25 ألف متطوع من 100 بلد في العالم على التنظيم. إنهم أشخاص باتوا غير مرغوب بهم ولا مستقبل لهم في بلدانهم. ويضيف المتحدث " لا مكان لهؤلاء يلجئون إليه سوى الدولة الإسلامية. ولهذا السبب سيقاتلون حتى النهاية من أجل بقائها".
على هذا الأساس يضع تنظيم "الدولة الإسلامية" أعدائه أمام تحديات كبيرة. وهو أمر يضاعف الضغط على الحلفاء من أجل إيجاد حلول وسط. لأنه فقط بوضع قاعدة أساسية لخط سياسي ومجتمعي وثقافي مشترك يمكن مكافحة الجهاديين بشكل ناجح.