الأزمة التركية.. هل تكفي المساعدة القطرية "المتأخرة"؟
١٦ أغسطس ٢٠١٨أزمة اقتصادية كبرى تمر بها تركيا على خلفية اختلالات بنوية في الاقتصاد، فاقمها عقوبات أمريكية متزايدة جاءت على خلفية ازمة سياسية حادة بين البلدين تفجرت بعد اعتقال انقرة لقس امريكي تتهمه بالاتصال والعمل مع "جماعات ارهابية" ما اثار حفيظة واشنطن بشدة.
وسط سحب الازمة برزت قطر واميرها تميم بن حمد والذي قام بزيارة خاطفة في توقيت حرج إلى تركيا والتقى رئيسها رجب طيب اردوغان، واعدا – الأمير تميم – بتقديم دعم مالي قطري مباشر لتركيا بمبلغ 15 مليار دولار.
مبلغ صغير ووضع اقتصادي متأزم
ويقدر خبراء اقتصاديون حجم ما تحتاجه الأسواق التركية من دعم اقتصادي وبصورة عاجلة بنحو 150 مليار دولار.
يقول فادي حاكورة خبير الشؤون التركية من معهد شاثام هاوس في لندن في مقابلة مع DW عربية إن المبلغ القطري المعروض للمساهمة في حل الأزمة صغير جداً لن يؤثر كثيراً في احتواء الأزمة المالية التركية حيث تحتاج أنقرة بشكل عاجل إلى نحو 100 مليار دولار على الأقل.
وأضاف حاكورة أن قطر في النهاية ليست دولة ذات إمكانيات اقتصادية كبيرة يمكنها إنقاذ اقتصاد ضخم كاقتصاد تركيا خاصة وأن الشركات التركية تعدت ديونها 340 مليار دولار، كما أن قطر نفسها غارقة في أزمات متعددة وتقاطعها عدة دول عربية وتضغط عليه اقتصادياً، وليس هناك جهة في العالم مهما كانت غنية يمكنها أن تقدم مثل هذا الدعم المالي الهائل بسرعة إلا صندوق النقد الدولي وهو ما يرفضه الرئيس التركي بالقطع.
تأثير إيجابي على الاقتصاد التركي؟
لكن ما هو حجم التأثير الذي قد يسببه مثل هذا المبلغ الذي تعتزم قطر تقديمه لحليفتها تركيا؟
محمد زاهد غول المحلل السياسي التركي والخبير في شئون الشرق الاوسط قال خلال لقاء له مع DW عربية إن الاستثمارات القطرية إن تمت فقد تسبب انتعاشاً كبيراً للاقتصاد التركي، وستهدئ ولو قليلاً من الأوضاع في ظل الأمواج العاتية التي تضرب الاقتصاد التركي. وقال خلال مشاركته في حلقة من برنامج "مسائية دويتشه فيله" إنه ورغم ذلك "لامت وسائل إعلام تركية على قطر ولأول مرة وبشكل واضح تأخر مساعدتها لأنقرة التي أنقذتها من اجتياح عسكري من دول عربية مجاورة وفق ما قالت وسائل الإعلام، وهي من المرات القليلة للغاية التي يتم فيها انتقاد قطر وبشكل معلن من صحف مقربة من الحزب الحاكم ودوائر القرار السياسي في تركيا، لكن هذا الموقف إلى الآن لم يصدر عن أي جهة رسمية في الدولة التركية".
ويرى الدكتور محمد المشد الباحث في الاقتصاد السياسي أن ما يميز أزمة الديون التركية هو أنها ديون تجارية ومبنية على التفاعلات السوقية وقد وصلت إلى 217 مليار دولار وهو ما يحتاج إلى تمويل وتوفير للعملة الصعبة في الأسواق وبالتالي فهناك مزيتان فيما فعلته قطر أولاً إعطاء نوع من الثقة للمستثمرين بأن هناك استثمار وأن هناك عملة ستتوافر في الأسواق التركية وتخفف بعض الشيء من أزمة نقص سيولة العملة الصعبة والأمر الآخر هو أن هذه الأموال ستحرك الأمور وتقلل من تخوفات الآخرين لدخول السوق التركي".
هل تغضب الخطوة القطرية الحليف الأمريكي؟
يبدو الرئيس الأمريكي حانقاً بشدة على تركيا لأسباب مختلفة ليس أقلها ردود الفعل التركية العنيفة في مقابل العقوبات الاقتصادية التي فرضها على أنقرة. لكن هل يمتد هذا الحنق إلى قطر أحد أهم الحلفاء في الخليج والتي تستضيف أحدى أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في العالم؟
"لن تتأثر العلاقات القطرية الامريكية بمثل هذا التحرك القطري نحو تركيا لأن أمريكا لا تخلط الأوراق ببعضها فعلاقة قطر بأمريكا شيء وعلاقتها بتركيا شيء آخر ولا يوجد دولة يمكنها عمل ذلك". هذا ما يراه فادي حاكورة خبير الشؤون التركية من معهد شاثام هاوس في لندن والذي أوضح بأن للهند علاقات جيدة مع إيران لكنها في الوقت نفسه لها علاقات متميزة للغاية مع الولايات المتحدة رغم سوء العلاقات بين أمريكا وإيران.
أما محمد المشد الباحث في الاقتصاد السياسي فقال لــ DW عربية إنه من الصعب جدا ان تكون الخطوة القطرية المساندة لتركيا قد حدثت بالتنسيق مع الولايات المتحدة لأن ترامب أعلن صراحة عن وضع تركيا في جانب الند السياسي وليس الحليف، ويرى المشد أن العلاقات التركية الأمريكية وإن كانت ليست على مايرام في الوقت الحالي إلا أن ما بين البلدين يصعب جداً أن يتطور إلى ما هو أسوأ من ذلك.
وأضاف بأن قطر من ناحيتها تحاول أن ترسخ لمبدأ الشراكة السياسية التركية كما تحتاج لتوطيد هذه العلاقة "وربما كانت هناك بعض التساؤلات عما إذا كانت ستعول على الولايات المتحدة في الفترة المقبلة أم أن الشراكة التركية-الإيرانية هي التي ستكون الداعم الأكبر لقطر في أزمتها الإقليمية الحالية وهي أمور ستتضح بعد القمة الامريكية الخليجية ما إذا كانت قطر ستجدد شراكتها مع الولايات المتحدة أم لا".
المحلل السياسي التركي محمد زاهد غول بدوره قال لــ DW عربية إن كل ما حدث حتى الآن في الأزمة التركية الأمريكية يحمل دلالات رمزية ورسائل سياسية مبطنة بأكثر مما تحمله لغة العقوبات "فالطرف الأمريكي يعرف منذ البداية أن وزير الداخلية التركي وكذلك وزير العدل التركي ليس ليس لديهما أي وجود مالي في الولايات المتحدة وعندما نتحدث عن فرض بعض الرسوم على بعض السلع هنا أو هناك يأتي ذلك في أطار المعاملة بالمثل ليس أكثر".
خطوة قطرية "مستفزة"
قبل أشهر استنجدت قطر بتركيا على إثر تلقيها معلومات حول تدخل عسكري "خليجي" محتمل لتغيير نظام الحكم بها. استجابت تركيا فوراً لتنتقل قوات عسكرية تركية على أعلى مستوى من الجاهزية والتسليح إلى قطر، بجانب إطلاق جسر جوي من المساعدات الغذائية بعد إغلاق المنفذ البرى الوحيد للدوحة على العالم، الأمر الذي أثار غضب "آخرين". وتبدو قطر بتحركها الأخير تحاول رد الجميل للدعم التركي.
يقول فادي حاكورة خبير الشؤون التركية من معهد شاثام هاوس في لندن إنه المؤكد أن عرض قطر للمساعدة سوف يزيد من تعقيد الأزمة بين تركيا وباقي الدول الخليجية ومعهم مصر "فالسعودية ومصر والإمارات خصوصا لديهم علاقات سيئة في الوقت الحالي مع أنقرة بخلاف الأزمة المستمرة والمتفاقمة مع قطر وبالتالي فالعرض القطري سيزيد من عمق الأزمة في الخليج".
وقال إنه من الواضح أن الدول المقاطعة لقطر لم تكن أبداً لتقدم أي نوع من العون أو المساعدة لتركيا ولو بالكلمات، في حين أنها وفور تغير نظام الحكم في مصر سارعت تلك الدول بتقديم حزمة مساعدات مليارية لمصر في وقت قياسي".
عماد حسن