الأردن مثال جيد على التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحين
٣٠ مارس ٢٠٠٦نظام الحكم في المملكة الأردنية الهاشمية هو ملكي دستوري وفي الأردن برلمان منتخب من قبل الشعب، لكن الملك يشكل السلطة التنفيذية العليا في البلد. ويتمتع الأردن بعلاقات جيدة مع العالم الغربي ويعتبر من بين الدول القليلة التي تحتفظ بعلاقات رسمية طبيعية مع إسرائيل. الديانة الرسمية هناك هي الإسلام ويشكل المسلمون أكثر من 80 % من سكانه. وتعيش في الأردن أقلية مسيحية يبلغ تعدادها حوالي 230 ألف شخص يتمتعون بحقوق دينية وسياسية عالية، إذ يخصص لهم حوالي 9 مقاعد في البرلمان الأردني. أسامة خازوز البالغ من العمر 35 عاما ينتمي في الأصل لعشيرة بدوية أردنية وهو وعائلته مسيحيون كاثوليك.
الاختلافات الدينية لا تلعب أي دور
أسامة الذي يتكلم اللغة الألمانية بشكل جيد والمهتم أيضا بالثقافة الغربية، لديه الكثير من الأصدقاء المسلمين. يقول أسامة أنه لا يفرق بين أصدقائه المسيحيين والمسلمين ويصف الأغلبية المسلمة التي يعيش في وسطها بأنهم إخوانه العرب. أما في الأوقات الصعبة والحساسة فإن الاختلافات الدينية أو العقائدية لا تلعب أي دور على الإطلاق، حسب ما يقول ويؤكد أن الشيء المهم بالنسبة له هو التآزر والتضامن مع إخوانه الأردنيين والعرب، أيضا فيما يتعلق بالخلافات مع الغرب وعدم الرضا عن السياسة التي ينتهجها.
ويذكر أسامة مشكلة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد كمثال على ذلك ويعبر عن غضبه واستيائه والذي هو أيضا استياء المسلمين من تعامل الغرب مع هذا الموضوع. وفي هذا الخصوص يقول أسامة ""نحن أيضا مستهلكون، وأنا مسيحي. ومع ذلك فأنا لا آكل المنتجات الدنمركية في الوقت الحالي من باب التآزر والتضامن مع الناس هنا. فنحن جزء من هذا البلد ولا نستطيع عزل أنفسنا عن الآخرين". فالتآزر والتضامن مع الآخرين من أبناء شعبه يعد بالنسبة لأسامة شيء بديهي، ليس لأن المسيحيين في الأردن هم أقلية مقابل الأغلبية المسلمة، بل لأنه يشعر بالفعل بأن يريد مؤازرة إخوانه الأردنيين سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين.
ويبدو استياء وغضب أسامة واضحا لاسيما فيما يتعلق بموضوع الحرب على العراق. ففي هذا الخصوص يقول أسامة "أثناء الحرب على العراق قام مئات الآلاف من الناس في الأردن بمقاطعة المنتجات الأمريكية، كالكوكا كولا وعدم الذهاب إلى المطاعم الأمريكية مكدونالد و برغر كينغ، إلى آخره. وهذه وسيلة احتجاج سلمية. وقد فعل المسيحيون ذلك دون تلقي ضغط من أية جهة. هذا الشيء نابع من شخصي، لأنني أحب بلدي وناسي الذين هم يحبون بعضهم البعض ويحبوننا أيضا كمسيحيين".
الأردن شعب مضياف
الواعظة الألمانية أنيغريت بيتكس التي تنتمي للطائفة البروتستانتية الصغيرة في عمان تقول أيضا أنها لا تلاحظ شيئا في حياتها اليومية العادية بما يمكن وصفه بالرفض أو الإهانة من قبل الأغلبية المسلمة للمسيحيين وتقول "أنا معروفة هنا، فعندما أذهب للتسوق على سبيل المثال، يعلم الناس أنني أوروبية من ألمانيا وهم يحيونني دائما بالإنجليزية. أن لم ألحظ أي مقايضات أو أشهد مشاحنات من قبل الناس هنا على إثر مسألة الرسوم الكاريكاتورية، بل على العكس فالناس هنا في الأردن ودودون ولطيفون. أنا شخصيا لم ألق أية معاملة جافة أو غير لطيفة بهذا الخصوص".
وفي الكنيسة الصغيرة التي تضم في غالبيتها زوجات مسيحيات لأردنيين مسلمين تم أيضا مناقشة مسألة الصور الكاريكاتورية. وتقول الألمانية كورنيليا بيتربولو السكرتيرة العاملة في الكنيسة والمتزوجة من أردني "صحيح أن هذا الموضوع يشغل أذهان الكثير من الناس، ولكن الناس ليسوا عدوانيون على الإطلاق. وقد تم هنا تنظيم مظاهرة وكانت سلمية للغاية. لم يحدث شيء عدا مقاطعة المنتجات الدنمركية. أعرف أنه يتم تناول هذا الموضوع بين الناس ولكن بشكل سلمي. لكن لا أعلم كيف هو الحال في المساجد وإذا ما يتم هناك تحريض الناس. ولكن أنا لا أعتقد أن أغلبية الناس هنا أغبياء، ليتأثروا بسرعة ويثوروا ويقوموا بعمل أرعن ومتهور".
وتقول بيتروبولوا أن أعضاء الكنيسة البروتسانتية لا يشعرون بالخوف لأن الأردنيين معروفين باحتفائهم بالأجانب ومعاملتهم الطيبة لهم. وتضيف أن الناس هنا في الأردن يخشون السلطات المحلية. وتقول "الأوضاع تبدو هادئة، وهناك مواضيع لا تجرؤ الجماهير الحديث عنها خوفا من المخابرات. فعلى المرء أن يكون حذرا دوما فيما يقول خاصة إذا تعلق الأمر بالسياسة".
الأردن نحو الديموقراطية لا نحو التشدد
مقارنة بدول الجوار يتمتع المتشددون الإسلاميون في الأردن بنفوذ قليل، على الرغم من أن الإسلام قد أصبح في السنوات الأخيرة حاضرا بشكل أكبر. وبالرغم من أن أكثر من 50 بالمئة من سكان الأردن أصلهم من الفلسطينيين، إلا أن أسامة واثق أن القوى السياسية مثل حركة حماس لن تشكل على المدى القريب في الأردن أي خطر على الحكم الملكي أو على النهج المعتدل التي تمارسه الحكومة هناك. كما يصعب على أسامة تخيل الأردن كجمهورية إسلامية كما هو الحال في إيران، ويقول في هذا الخصوص"نحن الشعب من يقرر ذلك، وهذا شيء لا يمكننا قبوله بأي شكل من الأشكال".
ويؤكد أسامة خازرز أنه كمسيحي في الأردن يشعر كأي مسلم يعيش هناك. ويرى أن المملكة الأردنية الهاشمية في الطريق الصحيح نحو الديموقراطية وهو ما يُسمع غالبا من قبل الأجانب أيضا. وقد قام وزير الخارجية الألمانية فرانك فالتر شتاينماير بالثناء على الأردن والتأكيد على دورها في عدم تصعيد الجدال حول مسألة الرسوم الكاريكاتورية. غيسيلا فون موتيوس مديرة فرع مؤسسة فريدرش إيبرت في عمان تقول أنها تعتبر الأردن بلدا متسامحا جدا إذا ما قورن بالدول العربية الأخرى، على الرغم من تنامي القوى الدينية فيه. وتضيف فون موتيوس أن "العلاقة بين المسلمين والمسيحيين لا تخلو من المشاكل في بعض الأحيان. فالمسلمون الذين يودون اعتناق المسيحية هنا عليهم أخذ بعض العقوبات في الحسبان، فضلا عن نبذ المجتمع لهم. عدا عن ذلك فإن تغيير الديانة في الأردن لا تعد مشكلة كما هو الحال في بعض الدول الإسلامية الأخرى".