افتقار ديفيس إلى ثقة الإسرائيليين قد يحول دون تحقيق أمله في التقريب بين الشعبين
١٩ أغسطس ٢٠٠٩يرصد المراقبون حالة تجاهل شبه تام في إسرائيل لانتخاب اليهودي أوري ديفيس عضوا في المجلس الثوري لحركة فتح، إثر مؤتمرها الذي التأم الأسبوع الماضي في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية. فقد إلتزمت الحكومة والأحزاب السياسية الرئيسية في إسرائيل الصمت إزاء إنتخاب ديفيس. وقد فضل عدد من السياسيين الإسرائيليين الذين اتصلت بهم دويتشه فيله عدم التعليق على الموضوع، فهل يشير ذلك إلى شعور الدوائر الإسرائيلية بالحرج إزاء هذا الموضوع والرغبة في التقليل من أهميته؟
بالنسبة لأيوب كارا نائب وزير تطوير الجليل والنقب وعضو الكنيست عن حزب الليكود، فإن " إنتخاب ديفيس لا يحمل جديدا نوعيا في المسيرة التاريخية لحركة فتح" وأضاف يعقوب " أن معتقدات الأشخاص أو خلفياتهم الدينية لا تعتبر عنصرا حاسما في رسم السياسات وأن الرجل القوي في حركة فتح هو الرئيس محمود عباس، وبالنسبة لإسرائيل فإن المهم هو ما ستطرحه قيادة فتح الجديدة في المرحلة المقبلة لتحقيق السلام مع إسرائيل".
ديفيس يرغب في التقريب بين إسرائيل والفلسطينيين
لكن هل سيساهم وصول أول يهودي إلى مركز قيادي في حركة فتح التي يتزعمها محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، في تحقيق تقارب بين الفلسطينيين وإسرائيل، سؤال يرد عليه أوري ديفيس بتفاؤل قائلا" بإمكاني المساهمة في تحقيق تقارب بين التيار الرئيسي في الحركة الوطنية الفلسطينية وشريحة واسعة من المجتمع الإسرائيلي" ويشير ديفيس إلى "إمكانية إحداث تحول إيجابي في الرأي العام الإسرائيلي بالاعتماد على تحالف يضم هيئات المجتمع المدني والقوى المؤيدة للسلام من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي".
أما أيوب كارا فهو يعتبر أن أوري ديفيس شخصية غير مؤهلة للقيام بدور التقارب وذهب إلى حد وصفه ب" المعقد نفسيا وبأنه يرغب في الظهور بمواقف سلبية". وأوضح كارا أن "المواقف السياسية التي يتبناها ديفيس غير مقبولة في إسرائيل"وخصوصا موقفه الداعي لفرض عقوبات دولية على إسرائيل على غرار نظام "الميز العنصري"(الأبارتيد) في جنوب إفريقيا.
آراء ديفيس تثير جدلا داخل إسرائيل
وتثير مواقف أوري ديفيس أستاذ علم الإجتماع في جامعة القدس- أبو ديس، منذ أعوام انتقادات داخل إسرائيل، وخصوصا آراؤه المناهضة للصهيونية ووصفه إسرائيل ب"دولة الأبارتيد" ثم دعوته لإقامة دولة واحدة للفلسطينيين والإسرائيليين. وفي حواره ل"الدويتشه فيله"أكد أنه يطمح لإقامة دولة فيدرالية لقوميات متعددة تضم الفلسطينيين والإسرائيليين وتحظى داخلها مدينة القدس بوضع دولي حيادي، ولا يعتبر ديفيس موقفه هذا متعارضا مع مبدأ "حل الدولتين" الذي يتبناه المجتمع الدولي.
ويرد أيوب كارا على هذا الموقف بقوله"إن قيام دولة واحدة سيناريو لا يمكن أن يتحقق" وأن الاعتراف بوجود دولة إسرائيل هو أساس أي تسوية سلمية وحل عادل وشامل للنزاع". وقال نائب الوزير الإسرائيلي إن "ما يدعيه ديفيس بشأن "الأبارتيد" لا أساس له في واقع دولة إسرائيل وأن أفضل حجة مضادة لرأي ديفيس هو وجودي، رغم أنني لست يهوديا، في موقع هام في الحكومة الإسرائيلية"وأضاف قائلا" إن إسرائيل كدولة ديمقراطية تتيح للعرب داخلها بالمشاركة في الحياة السياسية والوصول إلى الكنيست" معتبرا أن" إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".
"فلسطيني من أصل يهودي"
وتلاحق شخصية أوري ديفيس المولود عام 1943 في القدس، تساؤلات أيضا في إسرائيل حول حقيقة انتمائه الوطني، فهو متزوج من فلسطينية ويقيم في رام الله ،ويحمل الجنسيتين الإسرائيلية والبريطانية ويعتبر نفسه "فلسطينيا من أصل يهودي ومناهض للصهيونية". وبخلاف شخصية داعية السلام يوري أفنيري الذي أحدثت مواقفه المؤيدة لحل الدولتين في الثمانينات هزة قوية داخل الرأي العام الإسرائيلي، فإن ديفيس يُنظر اليه في إسرائيل كمن "يغرد خارج السرب"، ورغم أن مواقفه تؤيدها بعض الشخصيات اليسارية ودعاة السلام بيد أنها تعبر عن تلك الآراء من داخل المؤسسات السياسية الإسرائيلية، بخلاف ما فعل ديفيس.
وفي رده على سؤال حول مفهوم المواطنة بالنسبة اليه، قال ديفيس إن "الجنسية البريطانية أو الإسرائيلية لها مدلول قانوني وهي لا تعبر عن هويتي الوطنية المتمثلة في كوني: فلسطيني عبري من أصل يهودي ومناهض للصهيونية"، وأضاف ديفيس أنه يعتبر وضعيته مشابهة لحالة المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد الذي كان يحمل الجنسية الأميركية ولكن هويته الوطنية فلسطينية.
ويعتبر ديفيس انتخابه في قيادة فتح تجسيدا "للطابع الأممي والإنساني" للحركة الوطنية الفلسطينية كما يعتبر نفسه ممثلا ل"المناضلين غير العرب الذين شاركوا في النضال الفلسطيني منذ بداياته حتى الآن"، وتعود بدايات ديفيس السياسية الى عام 1960 كناشط حقوقي ضد مصادرة أراضي العرب وإنضم الى حركة فتح عام 1984، وكانت تربطه صلات وثيقة مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وقد شجعه محمود عباس على الترشح لعضوية المجلس الثوري لحركة فتح.
منصف السليمي
مراجعة: هيثم عبد العظيم