اضطرابات كازاخستان قد تزعزع استقرار أسواق الطاقة!
١١ يناير ٢٠٢٢ذاع صيت كازاخستان خلال الأيام في العالم، إذ احتلت تطورات الأزمة التي تشهدها وأعمال العنف والشغب عناوين نشرات الأخبار وكبريات الصحف حول العالم، بيد أنه ربما لا يعرف كثيرون أن هذا البلد الواقع في وسط آسيا يشكل أهمية كبيرة لسوق الطاقة العالمية.
يُطلق على كازاخستان اسم "منجم اليوانيوم"، إذ أنها أكبر مصدر لهذه المادة فضلا عن كونها من كبار منتجي النفط والفحم في العالم. ومثلت كازاخستان حالة فريدة في منطقة آسيا الوسطى المضطربة، فقد تمتعت باستقرار لسنوات. ما دفع إلى تحقيق تقدم اقتصادي على مدار العقدين الماضيين بفضل استثمارات بمليارات الدولارات من كبرى شركات الطاقة في العالم لا سيما شركة شيفرون الأمريكية وتوتال الفرنسية.
واقعية الغرب في التعامل مع الأزمة
بيد أن الدولة السوفيتية السابقة تعصف بها موجة اضطرابات وأعمال شغب هي الأعنف منذ الاستقلال قبل ثلاثين عاما. وكانت شرارة هذه الموجة ارتفاع أسعار الغاز، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى أعمال عنف وشغب وما يشبه بانتفاضة ضد الفساد والمحسوبية في البلاد. وعلى إثر ذلك، أعلن رئيس البلاد قاسم جومرت توكاييف حالة الطوارئ وطلب منروسيا و حلفاء بلاده (منظمة معاهدة الأمن الجماعي) إرسال قوات للمساعدة في قمع الاحتجاجات.
وبفضل ما تملكه كازاخستان من ثروات طبيعية ومعدنية كبيرة خاصة أنها أكبر مصدر لليورانيوم في العالم، فقد أثارت موجة العنف والاحتجاجات مخاوف بين المستثمرين وسط قلق من أن تؤثر الاضطرابات الاجتماعية والسياسية سلبا على قدرة كازاخستان على جذب استثمارات كبيرة باعتبارها وجهة استثمارية ذات مستوى عالٍ.
وفي ذلك، يرى الخبير الاقتصادي تيموثي آش أن السلطات في كازاخستان سوف تضع في اعتبارها ضرورة الحفاظ على الاستثمار الأجنبي المباشر. ويقول في مقابلة مع DW "سوف تعمل الإدارة، أيا كانت عوقب الاضطرابات، من أجل الحفاظ على الاستثمارات الأجنبية المباشرة باعتبارها الدجاجة التي تبيض ذهبا. لذلك لن تسمح في منعها من أن تبيض". ويصيف بأن "هناك ثقة في أن قطاع االموارد الطبيعية سيظل معزولا بشكل جيد نسبيا، كذلك من الجيد أنه لم تحدث اضطرابات كبيرة في إنتاج الطاقة والمواد الخام."
وفي ظل حالة الغموض حيال رد فعل الدول الغربية على استخدام السلطات في كازاخستان القوة لقمع الاحتجاجات بشكل عنيف، طرح تيموثي آش تساؤلا مفاده: هل يمكن للدول الغربية فرض عقوبات بسبب قمع الاحتجاجات كما فعلت مع بيلاروسيا؟ وما هي تداعيات ذلك على الاستثمارات في كازاخستان؟ لذلك وحسب آش يتبنى الغرب "نهجا أكثر واقعية تجاه كازاخستان (فيما يتعلق بقضايا البيئة والمجتمع والحوكمة) نظرا لأهميتها من أجل سلاسل التوريد العالمية وبالتالي سوق الطاقة".
أكبر منتج لليورانيوم في العالم
تنتج كازاخستان أكثر من 40 بالمائة من اليورانيوم في العالم الذي يعد الوقود الرئيسي للمفاعلات النووية وهو الأمر الذي يجعل الدولة الواقعة في آسيا الوسطى لاعبا قويا في مجال التحول إلى الطاقة الخضراء والتخلي عن الوقود الأحفوري على مستوى العالم.
وفي مسعى للوصول إلى الحياد الكربوني، شرعت الكثير من الحكومات خاصة في بلدان الاتحاد الأوروبي إلى التوجه إلى تعزيز جهودها في استخدام الطاقة النووية.
وفيما يتعلق بالاضطرابات الحالية، لم تؤثر موجة الاحتجاجات وأعمال الشغب على هذا القطاع الحيوي في كازاخستان إذ ذكرت شركة "كازاتومبروم" المملوكة للدولة وهي تعد أكبر شركة لتعدين اليورانيوم في العالم أن عملية الإنتاج أو الصادرات لم تتأثر بعد بما وقع في البلاد.
ورغم ذلك، ارتفعت أسعار اليورانيوم في السوق الفورية بشكل حاد الأسبوع الماضي وسط مخاوف من أن تؤثر الاضطرابات الأخيرة على الانتاج بشكل كبير في البلاد.
وفي ذلك، قال جوناثان هينز – الذي يرأس شركة (UxC LL) الرائدة في أبحاث سوق عقود الوقود النووي – إنه بات من الواضح أن أي تقليص في إمدادات كازاخستان (من اليورانيوم) "سوف يكون أمرا ملموسا في أنحاء العالم".
ورغم ذلك، استدرك هينز قائلا إن "سوق الوقود النووي يتميز بفترات زمنية طويلة للغاية، لذا فإن المنشأت النووية وغيرها من عمليات للتعدين والإنتاج تمتلك خطوط أنابيب كبيرة بالإضافة إلى مخزونات استراتيجية". وفي مقابلة مع DW، أضاف "سيساعد هذا الأمر على عدم حدوث تأثير جراء أي انقطاع في الإمدادات على المدى القريب."
ومع ذلك، حذرت شركة "كاميكو" الكندية الرائدة في إنتاج اليورانيوم من تداعيات أي اضطرابات قد تحدث في كازاخستان. وفي ذلك، قالت الشركة التي تتمتع بشراكة مع "كازاتومبروم" عملاق اليورانيوم في العالم، إن الاضطرابات الأخيرة في كازاخستان قد تكون "عاملا محفزا في سوق اليورانيوم."
وأضافت "حتى إذا لم يحدث أي شيء فسيكون الأمر بمثابة جرس إنذار من أن الاعتماد المفرط على مصدر واحد لإمدادات (اليورانيوم) يعد أمرا محفوفا بالخطر".
وعلى الصعيد الأوروبي، ظهرت كازاخستان كلاعب قوي في سوق اليورانيوم بفضل انخفاض تكاليف الإنتاج حتى أصبحت الآن توفر ما يقرب من 20 بالمائة من احتياجات أوروبا السنوية من اليورانيوم.
يشار إلى أن انخفاض تكاليف تعدين اليورانيوم أصبح عاملا رئيسيا للدول المنتجة لهذه المادة في أعقاب كارثة فوكوشيما في اليابان عام 2011 والتي تعد أسوأ كارثة نووية منذ التسرب الإشعاعي في مفاعل تشيرنوبل بالاتحاد السوفيتي السابق عام 1986.
ورغم ذلك، عادت أسعار اليورانيوم إلى الارتفاع في السنوات القليلة الماضية مع تزايد رغبة الدول والحكومات في استخدام الطاقة النووية كمصدر لتوليد الطاقة بعيدا عن الوقود الأحفوري لحماية المناخ.
وبدوره يرى هينز أن الاضطرابات الأخيرة في كازاخستان قد تصب في صالح الدول الأخرى المنتجة لليورانيوم، مضيفا "يمكن أن يمثل هذا دفعة للمنتجين خارج كازاخستان مع تطلع السوق إلى التنويع بعيدا عن الاعتماد المفرط على اليورانيوم الكازاخستاني".
كازاخستان.. مصدر هام للنفط
وتعد كازاخستان، التي تنتمي إلى تحالف "أوبك بلس"، أكبر مصدر للنفط في آسيا الوسطى بطاقة انتاجية تتجاوز 1,6 مليون برميل من النفط يوميا فيما يذهب جُل إنتاجها من النفط إلى الخارج خاصة بلدان الاتحاد الأوروبي والصين. كذلك تحتل كازاخستان المرتبة الثانية عشرة لاحتياطات الخام المؤكدة على مستوى العالم بأكثر من 30 مليار برميل من احتياطيات النفط الخام. ولا يتوقف الأمر على النفط، إذ تعد كازاخستان مصدرا هاما للفحم عالميا حيث أنتجت 108 مليون طن في عام 2018.
وفي ظل هذه الأرقام الكبيرة، استقطب قطاع الهيدروكربونات حوالي 60 بالمائة من قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر في كازاخستان منذ عام 1991 فيما يمثل هذا القطاع أكثر من نصف عائدات صادرات البلاد.
وقد ضخت كبرى شركات النفط في العالم مثل شركتي النفط الأمريكيتين إكسون موبيل وشيفرون وإيني الإيطالية وتوتال الفرنسية، استثمارات في كازاخستان تقدر بمليارات الدولارات على مر السنين وقد ساعد هذا على تعزيز نمو سوق النفط والغاز في البلاد.
وفي ضوء ذلك، أصبحت كازاخستان عام 2018 تاسع أكبر مصدر للفحم والنفط الخام في العالم فضلا عن أنها احتلت المرتبة الـ 12 في إنتاج الغاز الطبيعي، وفقا لبيانات وكالة الطاقة الدولية. وأشارت البيانات إلى أن بلدان الاتحاد الأوروبي تستورد قرابة 80 بالمائة من صادرات كازاخستان السنوية من النفط.
إنتاج النفط بمنأى عن الاضطرابات
وتشير التقارير إلى أن موجة الاحتجاجات والعنف الأخيرة لم تمتد رقعتها إلى حقول النفط الرئيسية في كازاخستان، ما يشير إلى أن إنتاج النفط الكازاخستاني لم يتأثر بعد.
بدوره، يشير كريج إيرلام كبير محللي السوق في مجموعة أواندا، إلى أن موجة الاضطرابات في كازاخستان تتزامن معمساعي تحالف "أوبك بلس" للحفاظ على حصته مما "يبقي الضغط التصاعدي على أسعار النفط." وأضاف في مقابلة مع DW القول بأنه "إذا شاهدنا المزيد من التوقف، فقد ترتفع الأسعار بمعدل يفوق ذروة ارتفاع الأسعار في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. يعتمد الأمر على مستوى الاضطرابات في كازاخستان، لذا فقد تتضاعف الأسعار لثلاث مرات."
أشوتوش باندي/ م.ع