استهداف الأطفال في اليمن.. تكتيك حربي ممنهج؟
١٠ أغسطس ٢٠١٨لا تزال الصدمة مخيمة على اليمن؛ إذ أن أشلاء بعض الضحايا لا تزال متناثرة صباح اليوم الجمعة (العاشر من آب/أغسطس 2018) في سوق مدينة ضحيان في محافظة صعدة في شمال اليمن، غداة قصف استهدف حافلة الخميس أوقع 29 طفلاً قتيلاً على الأقل، وفقاً للصليب الأحمر.
وشاهد مصور لوكالة فرانس برس صباح الجمعة أشلاء وبقايا بشرية وملابس متناثرة في موقع الهجوم، بينما تحولت الحافلة التي كانت تقل الأطفال إلى كومة من الحديد.
وفي وقت لاحق الجمعة، قال وزير الصحة في حكومة الحوثيين طه المتوكل في مؤتمر صحافي في موقع الغارة في ضحيان، إن "هذه الجريمة البشعة" أدت إلى سقوط 51 قتيلاً بينهم 40 طفلاً، و79 جريحاً، منهم 56 طفلاً. لكنه أوضح أن "الحصيلة غير نهائية" مشيراً إلى وجود مجهولين ومفقودين.
استراتيجية حرب؟
المديرة التنفيذية للفرع الألماني للمنظمة الإغاثية "أنقذوا الأطفال" سوزانا كروغر قالت في تصريح خاص بـDW: "كمنظمة إنسانية ليس بوسعنا الحكم، بشكل واضح، فيما إذا كان ما جرى استراتيجية حرب". ودعت كروغر إلى تحقيق "كامل ومستقل" في الواقعة الأخيرة وكل الهجمات على المدنيين والبنى التحتية كالمدارس والمشافي، مضيفة: "لقد شهدنا ارتفاع يدعو للقلق في مثل هذه الحوادث ولم يتم اتخاذ أي إجراء لمحاسبة الجناة".
وبدوره يرى المحلل السياسي والاقتصادي د. علي العبسي في تصريح خاص بـ DW عربية أنه "يصعب تخيل أن تستهدف السعودية الأطفال كأطفال"، غير أنه يستدرك بأن السعودية تعتبر أي شيء في اليمن هدفاً مشروعاً: المدارس والأسواق والبنى التحتية والأعراس والمآتم. ويخلص العبسي، اليمني الأصل، إلى القول إن "السعودية، للأسف، لا تبدو مهتمة بتجنيب المدنيين ويلات الحرب".
الدبلوماسي السابق في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما والزميل بمعهد بروكنجز الدوحة، هادي عمرو، يعتقد في تصريح خاص بـDW أنه لن يتم جني "أي فائدة" من استهداف الأطفال بشكل خاص، لأن الأمر سيقابل بإدانة دولية.
جولييت توما المديرة الإعلامية لمكتب اليونيسف الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قالت في حديث خاص بـDW إن ما يمكنها قوله: "هناك حرب مستمرة على الأطفال في اليمن منذ مارس/آذار 2015" مشيرة بذلك إلى تاريخ بدء الحملة العسكرية للتحالف العربي بقيادة السعودية على الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وأوقعت الحرب أكثر من عشرة آلاف قتيل منذ ذلك التاريخ.
الأطفال كدروع بشرية؟
اليوم الجمعة نقلت وكالة الأنباء السعودية عن التحالف الذي تقوده الرياض قوله إنه سيحقق في الهجوم. ونقلت الوكالة عن مسؤول في التحالف تأكيد "التزام التحالف الثابت بإجراء التحقيقات في كافة الحوادث التي يثار حولها ادعاءات بوقوع أخطاء أو وجود انتهاكات للقانون الدولي ومحاسبة المتسببين وتقديم المساعدات اللازمة للضحايا". وكان التحالف العسكري بقيادة السعودية قد أقر بأنه شن غارة جوية أصابت حافلة أمس، لكنه أكد أنها لم تكن تنقل أطفالاً بل "مقاتلين من الحوثيين"، بحسب ما قال المتحدث باسمه تركي المالكي لوكالة فرانس برس.
ويتهم التحالف العربي الحوثيين باستخدام المدنيين، ومنهم الأطفال، دروعاً بشرية، وبتخزين السلاح في الأماكن المدنية، هذا في حين يقول الحوثيون وحلفاؤهم إن ذلك مجردة "دعاية" سعودية. علي العبسي يرى أن اتهامات التحالف العربي للحوثيين مسألة "قابلة للتصديق". ويضيف: "حتى أن الحوثيين وضعوا بعض الصحفيين المعارضين لهم في مثل تلك المخازن القريبة من أماكن المدنيين ووقع من بين الصحفيين والمعارضين ضحايا في غارات سعودية". ولكنه يردف أن "استخدام الحوثيين المدنيين كدروع بشرية لا يعطي للتحالف العربي الحق في قتل أولئك المدنيين".
كل الأطراف "متورطة"
يرجع علي العبسي، الحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من ألمانيا والمقيم في عاصمتها، ظاهرة "تجنيد الأطفال" إلى الثقافة الشعبية في اليمن، والتي تعتبر الطفل أحد دعائم كسب العيش للعوائل، ويتحول لمصدر الدخل الأساسي عند غياب رب الأسرة: "بعد اندلاع الحرب أصبحت الحرب المهنة الوحيدة لكسب العيش". ويؤكد العبسي على أن كل من الحوثيين والحكومة الشرعية يجندان الأطفال، ويستند بكلامه إلى "تقارير" منظمات دولية.
من المؤكد أن الأطفال أصبحوا "رهائن" هذه الحرب؛ إذ أنهم إلى جانب النساء أكثر الشرائح ضعفاً ومعاناة. وتعيش اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم حيث تهدد المجاعة والأوبئة وتبعات الحرب ملايين اليمنيين. جولييت توما المديرة الإعلامية لمكتب اليونيسف الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قالت موضحة: "يموت كل عشر دقائق طفل يمني نتيجة أمراض يمكن علاجها. ثلاثة ملايين طفل بلا مدارس. 12 مليون طفل يمني بحاجة للمساعدة الإنسانية". وتصور الوضع بشكل قاتم بعبارتها: "كل العوامل اجتمعت لتحول اليمن إلى حفرة جهنم بالنسبة للأطفال".
ولا يفوت العبسي الإشارة إلى أن الحوثيين أنفسهم، في حصارهم الجزئي منذ عام 2015 وحتى اليوم لمدينة تعز، يستهدفون المدنيين والأطفال بنيران القناصة.
"هوة" بين الادعاءات والسياسات
دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى إجراء تحقيق " فوري ومستقلّ" في الهجوم، حاضّاً جميع الأطراف على "تجنّب (استهداف) المدنيين عند شنّ عمليات عسكرية".
وبدوره، أكد الاتحاد الأوروبي في بيان بعد ظهر الجمعة أنه "لا يوجد حل عسكري في نزاع يدفع فيه الشعب اليمني أكبر الخسائر". وكرر الاتحاد دعوته إلى "حل سياسي والتزام طارئ من كافة الأطراف بالتركيز على استئناف المفاوضات تحت قيادة المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث".
ومن جانبها قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نويرت "نشعر بقلق بالغ إزاء المعلومات عن هجوم تسبب في مقتل مدنيين". وأضافت "ندعو التحالف الذي تقوده السعودية إلى إجراء تحقيق معمّق وشفاف في هذا الحادث". وشددت على أن الولايات المتحدة "تأخذ على محمل الجدّ كل المعلومات الموثوقة حول الضحايا المدنيين".
وبدورها، أدانت وزارة الخارجية الألمانية الغارة الجوية. وقال متحدث باسم الوزارة اليوم الجمعة في برلين: "موت العديد من الأطفال، وما ترتب عليه من أسى وألم، هو أمر محزن لأقصى درجة... ندعو أطراف النزاع إلى مراعاة القانون الدولي الإنساني حتماً"، مضيفاً أنه يتعين أن تكون الأولوية القصوى دائما لحماية المدنيين. وطالب المتحدث بدعم إجراء تحقيق شامل ومستقل في أحداث مثل هذه وفي كافة الدلائل على وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
يرى المحلل السياسي والاقتصادي علي العبسي أن تلك الدعوات لإجراء تحقيق والشعور بالقلق والشجب خجولة للغاية والدور الإنساني ضعيفاً وليس على مستوى المأساة. ويشير صراحة إلى الضغوط الاقتصادية السعودية على الغرب: "في السابق كانت السعودية تمارس مثل هذه الضغوط وراء الكواليس بعكس اليوم وما شهدنا مؤخراً من التوتر السعودي-الكندي". ويختم بالإشارة إلى أن "الأوروبيين ليسوا أفضل من الأمريكيين في سكوتهم على السعودية رغم ادعائهم مراعاة البعد الأخلاقي وحقوق الإنسان في سياساتهم".
خالد سلامة/ لويس ساندرز