استعجال المحكمة بإدانة بن علي وزوجته لم يكن موفقاً
٢١ يونيو ٢٠١١لا بد أن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي يرتجف حتى في منفاه في السعودية، وهو يُحاسَب على أفعاله التي مارسها في سنوات حكمه الديكتاتوري الذي دام ثلاثة وعشرين عاماً.
لكن بن علي وزوجته لم يجلسا في قفص الاتهام في المحكمة. وبسبب ما اقترفه من ظلم في العقدين الماضيين أراد القضاة التونسيون أن يجعلوا منه ومن زوجته عِبرة لكل من تسوّل له نفسه الاقتداء بهما، وأرادوا التدليل بكل قوتهم على وجود دولة النظام والقانون وتبرأهم من مخلفات الماضي. لكن وبعد ساعات قليلة من المحاكمة يتبين للمراقب أن الأمر ليس كذلك.
لقد حكم كبير القضاة في أول مداولات الجلسة على كل من بن علي وزوجته بالسجن لمدة 35 عاما وبغرامة مالية قدرها أكثر من 40 مليون يورو بتهمة استيلائهما على ممتلكات الدولة. "ممتاز جداً!": هذا ما يرغب المرء قوله عندما يعلم بذلك، ولكنّ صرخة الفرح تبقى غصة عالقة في الحلق. فإصدار الحكم في أول أيام المحاكمة ليس له أي علاقة بالقانون الجنائي الحديث، وذلك يذكـّرنا بطريقة المحاكمات التي كان يجربها الرومان قديماً لاستبعاد الأشخاص غير المرغوب فيهم من الساحة السياسية. وللأسف لا يذكرنا ذلك أبداً بالمحاكمة القانونية التي تطلبَّت جهداً كبيرا ووقتاً طويلاً لرئيس ليبيريا السابق تايلور أمام محكمة خاصة تابعة لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي بهولندا.
ولكي أبيَّن وجهة نظري بشكل أوضح، أقول: بالطبع بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي، مصففة الشعر التي يكرهها الشعب التونسي أكثر من زوجها، هما مدانان على ما اقترفاه. فكيف لا يمكن الحكم عليهما مدى الحياة بالسجن؟
للأسف، لم تقم المحكمة بإصدار حكمها بناءً على الأدلة والبراهين الدامغة المتوفرة لديها. ولكن ليس من المستبعد أن تكون المحكمة قد عجّلت في إصدار حكمها بناءً على دوافع سياسية أرادت إدانة بن علي وإقامة الحد عليه من غير سير المحاكمة وفقا لقواعد القانون المهنية. لم يكن قرار القاضي يوم الاثنين في العشرين من شهر يونيو/حزيران مستقلا على الإطلاق، ولكن المحكمة أرادت تلبية توقعات الجمهور على الفور في اليوم الأول من المحاكمة. قد يكون ذلك أمراً مَبرراً ومُفهوما من الناحية الأخلاقية، لكن من غير المقبول قانونياً أن يتمّ بعد ساعات قليلة من المحاكمة إصدار حكم بالسجن لمدة 35 سنة وكأنما تمّ ذلك باستخدام قبعة سحرية. ولكن ما الذي يمكن أن تجلبه إدانة سريعة مثل هذه؟
لم يهتم ولم يفكر أحد بعواقب هذا الحكم السريع وغير المحسوب، بل من الواضح أن التفكير بتأثيره على الناس كان أكثر أهمية من أي شيء آخر. فبهذه الطريقة يُعرّض القضاء التونسي نفسه لما يسمى بتهمة سلوك مسلك عدالة المنتصِر وبأنه هو الخصم وهو الحكم في ذات الوقت. وهي تهمة لن يوجهها إليه بن علي فقط بل ومن المفارقة أن يوجهها إليه الكثيرون من ضحايا بن علي أيضا. وقد يساهم هذا الحكم المتسرع في تعاطف البعض مع الديكتاتور السابق الذي يجلس في منفاه الآمن في المملكة العربية السعودية من ناحية، عِلماً بأن طلب الحكومة الانتقالية بتسليمه إليها لم يُقابَل إلا بآذان صماء من قبل حُكـّام المملكة. ومن ناحية أخرى، سيمنح هذا الحكم المتسرع زين العابدين بن علي ومحاميه فرصة ثمينة للطعن في حيادية ومهنية القضاء التونسي في بقية التهم الموجهة للديكتاتور السابق، مثل: تهمة غسيل الأموال والخيانة والتعذيب والقتل. ولا أحد يعرف كيف ومتى وما إذا كانت المحكمة ستتعامل مع هذه الإدعاءات.
ويشعر التونسيون بخيبة أمل حقيقية ولهم الحق في ذلك. فمن جهة، المتهم الرئيسي غير موجود في المحكمة، ومن جهة أخرى، لم تسِرْ المحاكمة كما كان ينبغي قانونيا، بل إن القضاء فشل في استعادة الثقة في دولة النظام والقانون التونسية.
ألكسندر غوبل
مراجعة: عارف جابو