استمرار حرب أوكرانيا يرفع فاتورة إعادة البناء.. فمن سيدفعها؟
١٣ سبتمبر ٢٠٢٢ذكر تقرير حديث مشترك صدر عن البنك الدولي والمفوضية الأوروبية والحكومة الأوكرانية أن تكلفة إعادة إعمار أوكرانيا خاصة اقتصادها تتجاوز 349 مليار دولار أي ما يعادل 346 مليار يورو.
وأضاف التقرير أن "تأثير الغزو سوف يظل مستمرا على مدى أجيال مع نزوح العائلات وتفرقها واضطراب التنمية البشرية وتدمير التراث الثقافي وتراجع مسار الاقتصاد الإيجابي والفقر".
الجدير بالذكر أن التقرير يغطي خسائر الحرب منذ بدايتها وحتى الأول من يونيو/ حزيران ما يعني أن التقرير لا يشمل الخسائر التي وقعت خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
ويقدر التقرير تكلفة الأضرار المباشرة الناجمة عن الحرب بحوالي 97 مليار دولار جراء الخسائر التي لحقت بالمنازل والمباني ووسائل النقل والتجارة والصناعة، فيما وصلت خسائر تعطيل الإنتاج والنشاط الاقتصادي إلى نحو 252 مليار دولار.
ويسلط التقرير الضوء على حجم التحدي الذي تواجهه الحكومة الأوكرانية في محاولة إعادة بناء اقتصاد البلاد فيما تواصل دحر القوات الروسية. وفي مقابلة مع DW، وصفت نائبة رئيس البنك الدولي لشؤون أوروبا وآسيا الوسطى، آنا بييردي، فاتورة إعادة إعمار أوكرانيا "بالمذهلة"، مضيفة "علينا أن ندرك أن هذه الحرب قد تسببت في تأثير مدمر لأوكرانيا".
وتزامن صدور التقرير مع بيانات اقتصادية صدرت عن الجانب الأوكراني مؤخرا كشفت عن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 37 بالمائة في الربع الثاني على أساس سنوي.
معضلة إعادة الإعمار مع استمرار القتال
وشدد التقرير على أهمية البدء بشكل تدريجي في إعادة إعمار أوكرانيا، لكنه في الوقت نفسه أكد على الحاجة إلى حوالي 105 مليارات دولار على المدى القصير لإعادة بناء البُني التحتية الضرورية لا سيما المدارس والمستشفيات وشبكات خطوط النقل، فضلا عن التأهب لنقص محتمل في مصادر الطاقة خلال الشتاء المقبل.
وفي ذلك، قالت بييردي "ما يهم أوكرانيا حاليا، هو استمرار تقديم الدعم من المجتمع الدولي لتغطية التكاليف التشغيلية اليومية". وأضافت أنه رغم أزمات التضخم والطاقة التي تعصف باقتصادات مختلف دول العالم، إلا أن العديد من الحكومات وقفت إلى جانب أوكرانيا وقدمت لها الدعم، معبرة عن أملها في أن يساعد التقرير في توضيح المجالات الملحة التي باتت أوكرانيا في حاجة ماسة إلى دعمها من قبل المجتمع الدولي.
وشددت على أهمية بدء عملية إعادة الإعمار في الوقت الحالي، رغم استمرار الصراع والقتالفي الكثير من الأراضي الأوكرانية، مضيفة "ترتفع تكلفة إعادة الأعمار مع تآكل الخدمات أثناء الحرب. دعم البلاد أثناء الحرب سوف يمنع تفاقم سبل العيش وتأثير ذلك على معدلات الفقر".
مصاعب الحياة تثقل كاهل الكثيرين
أما بالنسبة للكثير من الأوكرانيين، فإن تداعيات الحرب الاقتصادية باتت أكثر من مجرد أرقام. فعلى سبيل المثال، لا تعمل الأوكرانية لودميلا ماكيفسكا (70 عاما) منذ أكثر من أربعة أشهر ما أدى إلى تراكم الديون على كاهلها. وقالت في مقابلة مع DW "أحصل على معاش التقاعد، لكنه بالكاد يكفي للطعام، لذا فمن الجدير أن أزرع خضروات في حديقتي. قبل شهرين طلبت العودة إلى العمل لأن موسم الشتاء قادم وفي حالة تراكم الديون، فإنه سيجرى وقف إمدادات المياه والغاز اللازمة للتدفئة.. ماذا افعل؟".
أما الشاب يوري كريشكو الذي يعيش في بلدة صغيرة شمال البلاد. فقد كان سعيد الحظ إذ وجد عملا في مصنع لمنتجات النظافة، ورغم ذلك فإن معاناته مستمرة. وقال في حوار مع DW "لا يوجد عمل في كثير من الأحيان فضلا عن انخفاض ساعات العمل، فيما يتأخر الراتب الصغير الذي بالكاد يلبي النفقات الأساسية، ورغم ذلك لا يوجد مال كاف لشراء أهم الأشياء. لا أعرف كيف ستمضي بي الحياة، ولكن على الأقل فإنني أعمل".
أما الطالب فلاد كيرياتش (22 عاما) فإن معاناته أكثر إذ أنه لا يزال عاطلا عن العمل. ويقول "لقد تضررت كثيرا بسبب الحرب خاصة مع ارتفاع الأسعار بشكل كبير، لا سيما الوقود والطعام والخدمات. لقد خسرت وظيفتي وأبحث الآن عن وظيفة جديدة، لكن عدد العاطلين يزيد بمعدل ثلاثة أضعاف الوظائف المتاحة. أنا أدرس الحقوق لأكون محاميا. هناك إعلانات لوظائف مناسبة، لكن الراتب قليل جدا مقارنة بالارتفاع الجنوني للأسعار".
الفقرة ومشاكل الحياة اليومية
وتوقع التقرير ازدياد نسبة الفقر في أوكرانيا بمعدل عشرة أضعاف، ما يعني أن واحدا من كل خمسة أوكرانيين سيعيش في فقر بحلول نهاية عام 2022، موضحا أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنزوح من أهم الأسباب الرئيسية لذلك.
ويحذر التقرير من ارتفاع معدلات الفقر في أوكرانيا بشكل أكبر في حالة فشل بلدان العالم والمؤسسات الدولية في تقديم الدعم المالي اللازم لتعويض ارتفاع العجز المالي غير العسكري في أوكرانيا.
وفي ذلك، قالت بييردي إنه "كان يتعين على أوكرانيا أن تُقدم على تعبئة الموارد المحلية خاصة مع ارتفاع التضخم، لذا فإنه كلما زاد حصول أوكرانيا على منح ومساعدات اقتصادية، كلما صب ذلك في صالحها، لأنها في حاجة إلى توفير الدعم حتى تتمكن من تقليل أثار الحرب على الفقراء".
بصيص أمل!
الجدير بالذكر أن التأثير الكبير للحرب على اقتصاد أوكرانيا أدى إلى تراجع التقدم الكبير الذي حققته البلاد خلال السنوات الأخيرة، وفقا لما ذكرته إلونا سولوغوب، الخبيرة الاقتصادية في منظمة " Vox Ukrain" ، والتي تشير إلى أن اقتصاد البلاد قد حقق نموا بين عامي 2016 و 2021 ما ساعد في إعادة معدلات الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات ما قبل ضم روسيا لشبه جزيرة القرمفي عام 2014.
وقالت إن الحرب أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة في البلاد، مشيرة إلى أن دراسات كشفت عن أن حوالي 40 بالمائة من القوى العاملة قبل الحرب باتت عاطلة فيما انخفضت رواتب 50 بالمائة من القوى العاملة في الوقت الراهن. وأضافت بأن "القوة الشرائية قد انخفضت بسبب التضخم،" مشيرة إلى أن الحكومة تواجه تحديا رئيسيا يتمثل في "الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي وجمع الضرائب كي تتمكن من تسديد فواتير الخدمات الأكثر أهمية".
وتجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي الأوكراني أفاد بأنه في حالة انخفاض وتيرة القتال، فإن البلاد قد تستأنف نموها الاقتصادي العام المقبل. ورغم أن معدل انكماش الناتج المحلي الإجمالي بلغ نسبة 37 بالمائة في الربع الثاني من العام الجاري، إلا أن بعض بيانات أغسطس/ آب الماضي قد قدمت تفاؤلا خاصة في مجال الزراعة.
وقد أدى الاتفاق بين أوكرانيا وروسيا بوساطة الأمم المتحدة وتركيا إلى استئناف تصدير الحبوب من أوكرانيا إلى دول أخرى فيما تمثل شحنات المحاصيل الأوكرانية مصدرا رئيسيا لعائدات التصدير.
ورغم ذلك، فإن حالة من الغموض تكتنف اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، مع ما ألمح إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باحتمال مراجعة الاتفاقحيث قال إن صادرات الحبوب الأوكرانية لا تتجه بشكل أساسي إلى الدول الفقيرة.
آرثر سوليفان/ م ع