احتجاجات الجزائر- سحابة عابرة أم رياح تسبق العاصفة؟
٥ يناير ٢٠١٧بدأ الأمر بإضراب عام اقتصر على التجار في ولاية بجاية، قبل أن يتحول إلى احتجاجات شعبية واسعة شابها العنف وغذتها شبكات التواصل الاجتماعي. ويأتي الانفجار الاجتماعي الذي شهدته بجاية وبعدها البويرة في وقت توالت فيه التقارير الدولية التي تحذر من عواقب احتمال انفجار الوضع في الجزائر على أوروبا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط بشكل عام. ورغم أن الحياة بدأت تعود تدريجيا إلى طبيعتها في مناطق الاحتجاجات، إلا أن الأمر قد يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة خصوصا وأن عوامل الاحتقان لا تزال قائمة، بل وربما ستتفاقم في المستقبل المنظور. فالجزائر مقبلة على سنة تقشف صعبة زادت فيها الضرائب، فيما تقلصت الموارد النفطية إلى النصف، وهي التي تشكل أكثر من تسعين بالمائة من صادرات البلاد.
كما أن الصراع المرير في هرم السلطة بشأن خلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يعاني المرض، يزيد المشهد السياسي غموضا في أكبر بلد أفريقي من حيث المساحة. وبهذا الصدد قال عيسى رحمون، نائب رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان في حوار مع DW أنه "كلما يكون هناك صراع في هرم السلطة فإن مناطق القبائل، المعروفة بتاريخها النضالي تكون ساحة لذلك الصراع". ويحدث كل هذا في ظروف إقليمية دقيقة سواء في دول الساحل الإفريقي أو في ليبيا وتونس أو في العلاقات المتوترة مع الجار المغربي بسبب قضية الصحراء. فهل أحداث بجاية والبويرة مجرد سحابة عابرة أم أنها مؤشر على أزمة أكثر عمقا؟
من الإضراب إلى العنف..
اندلعت المواجهات بين رجال الشرطة ومحتجين بولاية بجاية التي تقع على بعد 250 كيلومترا شرقي الجزائر. وقد أسفرت عن تخريب مبان ومركبات، بينما استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق المشاركين فيها كما تم اعتقال ما لا يقل عن مائة شخص.
وكانت "جهات مجهولة" دعت إلى إضراب عام بين الثاني والسابع من كانون الثاني/ يناير الحالي، احتجاجا على الزيادات الضريبية التي تضمنها قانون الموازنة العامة. واستعمال تعبير "جهات مجهولة" مؤشر على أن السلطات تسعى لتحميل المسؤولية لجهات خارجية، وإن كان هذا التبرير لم يعد يلق الكثير من القبول لدى الرأي العام الجزائري.
غلاء الأسعار وهشاشة الاقتصاد
صادق البرلمان الجزائري قبل أسابيع على قانون مالية 2017 بفرض زيادات ضريبية جديدة، وسط رفض ومقاطعة أحزاب المعارضة. واعتصم نواب المعارضة داخل قبة البرلمان ورفعوا لافتات تندد بـما أسموه " سياسة تجويع الشعب من خلال الزيادات الضريبية". وتضمن القانون تقليصا لدعم الدولة لعدد من القطاعات كالصحة والسكن وبعض المواد الاستهلاكية في محاولة لتقليص عجز الموازنة العامة أمام انهيار أسعار النفط.
وفي تصريح لقناة النهار الجزائرية قال الخبير الاقتصادي فارس مسدول "إن المسؤلين الجزائريين يؤكدون أن الزيادات في الأسعار بسيطة، غير أن المواطن يكتشف أنها تصل أحيانا إلى 25 أو 30 بالمائة". ودعا الخبير الجزائري لتوسيع الوعاء الجبائي، أي توسيع القاعدة العددية للذين يؤدون الضرائب بدلا من رفعها، بحكم أن الجزء الأكبر من الاقتصاد الجزائري غير مهيكل ولا يخضع للضرائب.
وتجد حكومة الوزير الأول عبد المالك سلال صعوبة في بلورة نموذج اقتصادي جديد يقلل التبعية للريع البترولي ويخلق اقتصادا منتجا ومتنوعا في إطار رؤية بعيدة المدى قادرة على جعل الجزائر تنخرط في الاقتصاد العالمي ومواجهة جملة من التحديات الداخلية من أبرزها الانفجار الديموغرافي.
في هذا السياق يتوقع الخبراء أن يصل عدد سكان البلاد إلى 55 مليون نسمة بحلول 2050، وهو نفس الأفق الذي يُتوقع أن تنضب فيه احتياطات النفط. ويشكل عدد الجزائريين اليوم الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما 70 بالمائة من النسبة العامة للسكان. وهذا ما يطرح تحديات حقيقية على سوق العمل الذي يتقدم لها سنويا 380 ألف شخص جديد. ويشكل القطاع العام سواء في الإدارات أو الشركات العمومية أكبر مشغّل بالجزائر، إلا أن نضوب الموارد يجعل هذا القطاع عاجزا عن توظيف الغالبية.
تقارير تدق ناقوس الخطر!
قبل أسابيع نشرت صحيفة "لاليبربيلجبك" البلجيكية مقالا لـبيير دوفريني المدير التنفيذي لـ "مادارياغا كوليج دوروب" والمدير الشرفي للمفوضية الأوروبية تحت عنوان "بعد حلب الجزائر". المقال حذر من تكرار السيناريو السوري في الجزائر مؤكدا أن هذا البلد يشكل مصدر خطر حقيقي وأضاف أن "على أوروبا استخلاص العبرة من مأساة حلب، وعليها التحرك في أقرب وقت لأن أزمة جديدة قد تندلع في جوارها المباشر: الجزائر بسكانها (أربعين مليون نسمة) تنتظر الموت السريري لبتوتفليقة، العاجز عن ممارسة الحكم منذ عدة سنوات". واستطرد دوفريني موضحا أن موت بوتفليقة سيؤجج الصراع من جديد بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية التي صادرت الثورة وتحكم بمراكمة الفساد والقمع، وبالتالي فإن "اندلاع حرب أهلية خطر جدي".
وقد أثار هذا المقال في حينه ردود فعل منددة من قبل المسؤولين الجزائريين، خصوصا وأنه تزامن مع تقارير غربية أخرى منها تحذير الخارجية الأمريكية لرعاياها من السفر لبعض المناطق في الجزائر. واتهم سفير الجزائر في بروكسيل عمار بيلاني دوفريني بإعادة إنتاج ما أسماه بالخيال الاستعماري، مؤكدا أن الجزائر انتصرت على الإرهاب، وأن تلك الفترة من تاريخها انتهت ولن تعود. غير أنه إذا لم تتحرك الجزائر بسرعة لتطبيق إصلاحات جذرية على المستويين الاقتصادي والسياسي، فإن بيانات التنديد للتغطية على واقع متأزم قد لا تكفي مستقبلا في بلاد يُجمع الخبراء أنها تزخر بإمكانيات هائلة تنتظر من يجعلها تُتمر لصالح الشعب الجزائري.
حسن زنيند