احباط متبادل بعد 25 سنة من طلب تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي
١٥ أبريل ٢٠١٢من يسافر إلى إسطنبول ويعبر أحد الجسرين على مضيق البوسفور اتجاه الشرق، ستستقبله على الضفة الاخرى من الشاطيء لافتة ترحيب كتب عليها : "مرحبا بك في آسيا". وفي هذه العبارة تحديدا يكمن جوهر المشكلة كلها. الأمر كله يلخصه السؤال: "هل من الممكن لبلد مسلم ينتمي جغرافيا إلى حد كبير إلى قارة آسيا أن يصبح جزءا من أوروبا؟ الإجابة قدمتها تركيا على الأقل منذ وقت طويل ففي الرابع عشر من أبريل / نيسان من عام 1987 قدمت أنقرة طلبها للانضمام إلى الاتحاد الأوربي. ومنذ ذلك الحين مر 25 عاما بالضبط ولم يحدث حتى الآن أي تقدم جوهري في الأمر. وعلى أية حال فقد حصلت تركيا عام 1999 على وضع الدولة المرشحة، ومنذ عام 2005 تجرى مفاوضات رسمية بشأن انضمامها للاتحاد الأوروبي، إلا أن هذه المفاوضات ليست محددة النتائج بحيث تقود إلى موعد فعلي (ملموس) للانضمام إلى الاتحاد.
توسع الاتحاد الأوروبي على نحو يفوق طاقاته
لا تزال بعض دول الاتحاد الأوروبي لديها تحفظات بشأن انضمام تركيا للاتحاد وتتفاوت المواقف من دولة لأخرى ومن بين هذه الدول ألمانيا وفرنسا. ويرى الألماني إلمار بروك عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أن كلا من الاتحاد الأوروبي وتركيا يفتقران إلى الشروط اللازمة لعضوية تركيا الكاملة حيث يقول: "أعتقد أن الاتحاد الأوروبي بظروفه الحالية لن يمثل قوة داعمة لبلد كبير مثل تركيا، فهذا سيكون بمثابة توسع للاتحاد الأوروبي بما يفوق طاقاته وقدراته". ولكن علينا أن ندرك أيضا أن تركيا أيضا لم تستوف الشروط حتى الآن. نقاط الخلاف الممكنة ربما ستكون بشأن حماية الأقليات وحرية العقيدة والمساواة بين الرجل والمرأة وقضية قبرص. والخلاف بشأن قبرص خصوصا كان كفيلا بتعثر المفاوضات منذ عام 2006. فحكومة أنقره لا تعترف بعضوية قبرص في الاتحاد الأوربي. وعلاوة على ذلك فإن القوات التركية تحتل الجزء الشمالي من قبرص. ويعتقد البعض في الاتحاد الأوروبي أن تركيا لا تنتمي جغرافيا أو حضاريا للقارة الأوربية وأنه في حال منحها عضوية الاتحاد الأوروبي ستمثل عبئا.
رسالة إلى العالم الإسلامي
من الناحية الأخرى يؤكد مؤيدو انضمام تركيا على الأهمية الإستراتيجية الجغرافية لهذا البلد، علاوة على تقلص وزن الاقتصاد الأوروبي في العالم ولا يمكن للاتحاد الحفاظ على قوته ونفوذه إلا بمزيد من التوسع. وهناك دافع آخر وهو أن ضم تركيا للاتحاد الأوربي سيوصل رسالة إلى الأتراك وغيرهم من المسلمين المقيمين في الاتحاد الأوروبي وبالتالي ستساهم أوروبا بذلك في تخفيف حدة التوتر بين الغرب والعالم الإسلامي. ويعتقد مفوض التوسع في الاتحاد الأوروبي شتيفان فوله أن تركيا بلد مهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي على سبيل المثال في قطاع الطاقة. ويضيف أن "مفاوضات الانضمام هي أفضل وسيلة لدينا من أجل مساعدة تركيا في عملية التحديث."
وهناك الآن تعنت في المواقف على الجبهتين، كما أن المفاوضات متعثرة. ويتهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الاتحاد الأوروبي على نحو أكثر صراحة بممارسة "سياسة المماطلة"، في حين ترد بروكسل مستغربة الأصوات المهاجمة الصادرة من أنقرة وتصر على إجراء تركيا مزيد من مساعي الديمقراطية. ويعلق مفوض التوسع في الاتحاد الأوروبي شتيفان فوله على هذه الخلافات باقتضاب قائلا: "هناك إحباط على الجانبين". وعن العلاقات الأوروبية التركية نشرت جريدة "فرانكفورتر روندشاو" مقالا اختارت له العنوان الصائب "صديق أوروبا الغريب"، ويبدو حاليا أن تركيا قد ملت من الطرق على باب الاتحاد الأوروبي. ويتحدث أردوغان بسعادة عما شهدته بلده من طفرة اقتصادية ضخمة وعدم اعتمادها على الاتحاد الأوروبي في مقابل ما يعصف بالاتحاد الأوربي من أزمات حاليا. وهكذا يتنامي الشعور بالثقة لدي حكومة أردوغان بينما تفقد عضوية الاتحاد الأوروبي بريقها.
وقد حاول وزير خارجية ألمانيا غويدو فيسترفيله في العديد من المناسبات تخفيف موجات النقاش الذي يأخذ بعدا عاطفيا متزايدا، معلقا أن المهم أن يجري التعامل مع تركيا باحترام وحيادية وأن "تدرك تركيا أن أوروبا ملتزمة بتلك العملية التي اتفقنا عليها جميعا، حتى وإن لم نكن جميعا نعلم كيف ستكون النتيجة النهائية لهذه العملية" وهذا هو ما تم الاتفاق عليه بين الاتحاد الأوروبي والحكومة التركية.
أوروبا ناد للمسيحيين؟
يعتقد عضو حزب الخضر في البرلمان الأوروبي راينهارد بوتيكوفر أن المفاوضات لا تتعلق فقط بالمعايير السياسية والاقتصادية ولكنه يرى خلف التحفظات المعلنة تحيزات ثقافية من الجانب الأوروبي ضد تركيا؛ تفتقد لروح التسامح ويقول: "ما هي تصوراتنا لهوية أوروبا؟ هل يعني هذا أن تكون أوروبا ناديا للمسيحيين ومن ثم يصبح الأتراك خارج هذا النادي. إذا كانت أوروبا على استعداد أن تأخذ التاريخ الأوروبي للإسلام بجدية فعلينا أن ننظر إلى تركيا أيضا بجدية كعضو مرشح" ولكن - برغم كل التصريحات الرسمية في بروكسل - نادرا ما تجد تأييدا صريحا داخل البرلمان الأوروبي بشأن إعطاء تركيا عضوية كاملة بالاتحاد الأوربي.
وتفتقد المفاوضات إلى أصوات بارزة من أجل حدوث دفعة جديدة. وتبدي المستشارة الألمانية ميركل ومعها عدد من رؤساء وزراء بعض الدول الأوربية تحفظاتهم في مسألة انضمام تركيا على نحو ملحوظ. المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر هو وحده من قرع طبول الدعاية من أجل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، حيث كتب في مقال نشرته صحيفة "فيلت أونلاين" الألمانية: "بدون تركيا يفقد الاتحاد الأوروبي مكانته المتميزة." ولفت شرودر السياسي السابق بالحزب الاشتراكي الديمقراطي النظر وقتها إلى النمو الاقتصادي المتسارع في تركيا، وتنبأ أن تصبح تركيا في خلال 20 عاما رابع أو خامس أكبر قوة اقتصادية في أوروبا ووقتها سيصبح من المستحيل اللحاق بها. ولكن في الوقت الراهن لم يتعد الأمر مجرد الكلام ولم يعد لشرودر منذ وقت طويل أي صوت داخل جوقة دول الاتحاد الأوروبي القوية.
رالف بوزن / صلاح شرارة
مراجعة: هبة الله إسماعيل