اتفاق روما - بداية لحل الأزمة في ليبيا أم مظلة هدف آخر؟
١٤ ديسمبر ٢٠١٥بعد سنوات من الفوضى العارمة والجمود السياسي وسط انقسامات عميقة يبدو أن بوادر أمل في حل الأزمة الليبية بدأت تلوح في الأفق: فبعد أسبوع من إعلان التوصل إلى اتفاق مبدئي، وُصف بـ"التاريخي"، بين فرقاء ليبيين في تونس، هاهو المجتمع الدولي - ممثلا بنحو عشرين دولة ومنظمة دولية - يعلن في روما عن توصل الفصائل الليبية، ممثلة بـ15 مندوباً، إلى اتفاق يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية.
تم الاعلان عن الاتفاق في ختام اجتماع ترأسته ايطاليا والولايات المتحدة، حيث من المفترض أن يوقعه ممثلو عدة فصائل ليبية يوم الأربعاء (16 من ديسمبر/ كانون الأول 2015) في مدينة الصخيرات بالمغرب. وينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية يكون مقرها في طرابلس في غضون 40 يوماً.
اتفاق منقوص؟
للوهلة الأولى توحي هذه التطورات بحدوث تحول نحو انفراج الأزمة الليبية. لكن بإمعان النظر يتضح أنه اتفاق غير مكتمل، كما يرى فولفرام لاخر، الخبير في الشؤون الليبية من المؤسسة الألمانية للدراسات السياسية في برلين. ويقول الخبير الألماني في حوار مع إذاعة ألمانيا نشر الاثنين (14 من ديسمبر/ كانون الأول 2015) على موفقها الالكرتوني: "إنه اتفاق بين القوى المعتدلة فقط، إذ أنه لم يتم إشراك الكثير من القوى الفاعلة القوية، وخاصة الجماعات المسلحة منها. لقد دُعي فقط الممثلون السياسيون المنتخبون إلى طاولة المفاوضات، بيد أن تأثير هؤلاء يكون في أحيان كثيرة ضعيف جداً". ويضيف لاخر قائلاً: "في الواقع، فإن الاتفاق هو عبارة عن حل وسط بين البرلمانين اللذين يتخاصمان حول الشرعية البرلمانية: برلمان طبرق الذي تم انتخابه في يونيو/ تموز عام 2014 وبرلمان طرابلس الذي اُنتخب عام 2012".
وتشهد ليبيا منذ أكثر من عام نزاعاً مسلحاً على السلطة تسبب في انقسام البلاد بين سلطتين: فمن جهة هناك حكومة وبرلمان معترف بهما دولياً في شرق البلاد، ومن جهة أخرى هناك حكومة وبرلمان غير معترف بهما يديران العاصمة طرابلس بمساندة تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى "فجر ليبيا". وتسبب النزاع في غرق البلاد في فوضى أمنية، مهدت الطريق لجماعات متطرفة، من بينها تنظيم "الدولة الاسلامية" بأن يكون لها موطئ قدم في هذا البلد الغني بالنفط.
"اتفاق تحت ضغوط دولية"
وفي ظل هذه الفوضى تحرك المجتمع الدولي للضغط على الأطراف الليبية لتجاوز انقاسامتها وتشكيل حكومة وحدة وطنية، كما يقول رياض الصيداوي، مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف (CAPARS). ويضيف الصيداوي في حوار مع DWعربية: "هناك عدة عوامل داخلية وخارجية دفعت للضغط على الفرقاء الليبين، وهم متعددون. ومن أهم هذه العوامل ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" في سرت وتمددها إلى مناطق أخرى في ليبيا (...)، بل إن هناك أنباء عن أن التنظيم بصدد إعداد طياريين انتحاريين".
ويُقدر عدد مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا بين ألفين وثلاثة آلاف مقاتل، بينهم 1500 في سرت وحدها. وبين هؤلاء المقاتلين ليبيون قاتلوا في سوريا وعادوا الى بلادهم، إضافة إلى أجانب قدموا من تونس والسودان واليمن، بحسب تقديرات للأمم المتحدة. ووفقاً لوزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان في تصريح لإذاعة "ار.تي.ال" الفرنسية، فإن مقاتلي تنظيم "داعش في سرت يعملون على توسيع منطقة نفوذهم الممتدة على 250 كلم على طول الساحل، لكنهم بدأوا في التوغل نحو الداخل ويحاولون الوصول إلى آبار النفط والاحتياطات النفطية".
وحسب ديبلوماسي فرنسي، فإن التنظيم الإرهابي بدأ "يتوغل" باتجاه مدينة أجدابيا ومحيطها، الواقعة على بعد 350 كلم شرقي سرت، وهي منطقة تتركز فيها معظم حقول وآبار النفط والغاز في البلاد، "لوضع يده على الموارد النفطية".
وهذا يعني أن التنظيم الإرهابي يبحث عن موارد لتمويل شراء الأسلحة وتجنيد مقاتلين جدد لتنفيذ عمليات إرهابية في عدة مناطق من العالم، وهو أمر لا يثير قلق دول جوار ليبيا فقط على غرار مصر وتونس، بل والدول الأوروبية أيضاً.
وفي سياق متصل، يقول الخبير الألماني في الشؤون الليبية فولفرام لاخر: "(...) منذ هجمات باريس تبلور شعور لدى المجتمع الدولي بأن الإطار الزمني (لإيجاد حل) للأزمة الليبية تغير بشكل مفاجئ، فقد نفذ صبره بشأن المفاوضات المتواصلة (منذ زمن ودون نتائج ملموسة)". فهل يشكل الاتفاق المعلن عنه في روما بداية لتشكيل حكومة مركزية ليبية وبالتالي بهدف سحب البساط من تحت أقدام تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا؟
بداية ضرب "داعش" في ليبيا؟
"الوضع معقد جداً في ليبيا ولا أعتقد أن مجرد توقيع اتفاق على الورق سيشكل الوصفة السحرية النهائية للأزمة في هذا البلد"، كما يصرح رياض الصيداوي في حديث لـDWعربية. ويوضح أن ليبيا -على عكس غيرها من دول الجوار العربية- تفتقد لهياكل الدولة، "إذ يغيب فيها أولاً جيش وطني وأجهزة أمنية مركزية توحد البلد وتجمع الأسلحة من كل المليشيات. ثانياً، غياب الثقافة الديمقراطية في ليبيا التي هي جديدة العهد تماماً على صناديق الاقتراع، على عكس تونس أو مصر مثلاً". ويضيف الصيداوي قائلاً: "أعتقد أن المشاكل ستتواصل في هذا البلد، لكن الاتفاق خطوة تعكس تطور وعي سياسي بضروة وضع حد لحالة الفوضى التي تعيشها البلاد منذ أكثر من أربع سنوات".
أما الخبير الألماني لاخر فهو أقل تفاؤلاً بشأن تداعيات هذا الاتفاق، حيث يقول في هذا السياق: "ليس من الواضح حتى الآن معرفة من سيوقع يوم الأربعاء على الاتفاق ومن سيمتنع. لكن الخطر يكمن في أن يتم على عجلٍ وتحت ضغط دولي، إبرام اتفاق لا يطبق على أرض الواقع وأن يتم تشكيل حكومة (صورية) تفتقد للسلطة". ويضيف موضحاً: "وبالتالي فإن الهدف يكمن أيضاً في تشكيل حكومة من المرجح أن تدعو بدورها إلى عمليات عسكرية دولية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".
ويعزز هذا الرأي فرضية أن الاتفاق إنما جاء تلبية لضغوط دول غربية، وعلى رأسها إيطاليا، وهي الوجهة المفضلة –بحكم موقعها الجغرافي القريب من ليبيا- لآلاف المهاجرين الذين يعبرون المتوسط انطلاقاً من السواحل الليبية. كما أن هناك مخاوف متزايدة في هذا البلد الأوروبي من أن يكون مسرحاً لعمليات إرهابية كتلك التي شهدتها باريس.
وقد أبدت إيطاليا، القوة المستعمرة السابقة لليبيا والتي تربطها علاقات تجارية قوية بها، استعدادها لقيادة تدخل عسكري محتمل في ليبيا في حال نال موافقة حكومة معترف بها دولياً وتفويضاً واضحاً من الأمم المتحدة. وهذا ما يفتح الباب أمام تكهنات بأن الحراك الدولي لدفع الليبيين على تجاوز انقساماتهم يأتي بالدرجة الأولى من أجل الحصول على تفويض رسمي لضرب تنظيم "الدولة الإسلامية، الذي بات على أبواب أوروبا.