اتفاق جنيف صفقة سياسية بغطاء نووي
٥ ديسمبر ٢٠١٣حققت ايران في عهد الرئيس حسن روحاني أول نجاح تاريخي بعد انتصار الثورة الاسلامية عام 1979. فقد اعترف المجتمع الدولي رسمياً بحق ايران في امتلاك التقنية النووية وتخصيب اليورانيوم على اراضيها وعدم اغلاق أو ايقاف العمل بالمنشآت النووية في (نتانز واراك وفردو واصفهان وبندرعباس)، وبما يؤكد سلمية برنامجها النووي، في مقابل تجميد عملية التخصيب بنسبة 20 بالمائة والبقاء عند نسبة 5 بالمائة، وهي كافية لمتطلبات عمل البرنامج النووي. ولم يكن ممكناً على الاطلاق التوقيع على الاتفاق مع الدول الكبرى دون موافقة المرشد الأعلى السيد على خامنئي، وبما يعني ان النجاح يعد للنظام أولاً.
وساهم اتفاق جنيف النووي في فك العزلة الدولية والاقليمية التي كانت تعاني منها ايران على مدى عقد من الزمن، وهي العزلة التي اشتدت بعد تحويل الملف النووي من وكالة الطاقة الذرية إلى مجلس الأمن الدولي في عام 2006 وتفاقمت بعد اندلاع الأزمة السورية، حيث تم فرض عقوبات اقتصادية متنوعة وقاسية جداً ألحقت أضراراً فادحة بالاقتصاد الايراني. فقد خسرت العملة الايرانية أكثر من 30 بالمائة من قيمتها مقابل العملات الاجنبية، كما أرتفع التضخم إلى 40 بالمائة بسبب انخفاض صادرات النفط الايراني إلى مايعادل النصف.
ويعد الافراج عن ثمانية مليارات دولار من الودائع الايرانية المجمدة في البنوك الاميركية منذ سقوط نظام الشاه بعد التوقيع على اتفاق جنيف، باعتباره خطوة مهمة لكي تدب الحياة من جديد في مفاصل الاقتصاد الايراني، كما يتوقع ان تبدأ عملية الانتعاش التدريجي في الاقتصاد الايراني بعد انتهاء مهلة الستة اشهر التي حددها اتفاق جنيف لتعود الشركات الاوربية إلى السوق الايرانية الكبيرة التي ألحق الابتعاد عنها خسائر بالغة بهذه الشركات، تماماً كما أضر باقتصاد ايران، وبما يشبه الهرولة، حيث أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان الاتحاد الاوربي سيرفع العقوبات الاقتصادية في شهر كانون الثاني المقبل.
خيبة أمل سعودية
السر الأهم في الجائزة الكبرى التي حصدها المفاوض الايراني في معركة جنيف هي قبول المجتمع الدولي بايران كلاعب اقليمي أساسي. فالبرنامج النووي لم يكن أكثر من عنوان في معركة جنيف الدبلوماسية، أما المعركة الحقيقية التي شارك فيها وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمانيا مقابل محمد جواد ظريف، فكانت تدور رحاها حول الدور الاقليمي لايران الملفوف بالبرنامج النووي، وبقدر ماحققت ايران من مكاسب في التقنية النووية، فانها حققت انجازات سياسية كبرى، وهذا هو سر انزعاج رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو واركان حكومته، وهو ذات السر الذي يقف وراء انزعاج الحكومة السعودية.
إن ما تم الاتفاق بشأنه في جنيف حول البرنامج النووي، كان ميسورا جدا حتى في عهد الرئيس الايراني السابق احمدي نجاد وبأقل ما حصلت عليه ايران الآن، بل ان ايران في عهد الرئيس الايراني الأسبق محمد خاتمي كانت قد أتفقت مع دول الترويكا الاوربية – بريطانيا والمانيا وفرنسا – على مايشبه اتفاق جنيف من حيث المبادئ العامة في طهران عام 2003 ، وكان حسن روحاني الذي كان يشغل آنذاك منصب سكرتير مجلس الأمن القومي هو الذي وقع الاتفاق مع وزراء الترويكا الاوربية.
ومن خلفية ان اتفاق جنيف كان يتحرك بدينمو سياسي بالدرجة الأولى، فقد سمع العالم بوضوح صدى الصدمة العنيفة في تل ابيب والرياض، فحبل العزلة السياسية الخانق الذي كان يلف رقبة ايران قبل اتفاق جنيف انتقل ليشد بقوة هذه المرة العنقين الاسرائيلي والسعودي، لقد أصبحت اسرائيل والسعودية وللمرة الأولى في مواجهة مع المجتمع الدولي بعد التوقيع في جنيف على شيك سياسي ثمين لم تحصل عليه ايران في تاريخها الحديث.
لقد خسرت اسرائيل والسعودية جميع جهودهما الاستثنائية المتكاملة التي كانت تهدف إلى عزل ايران سياسياً ومحاصرتها اقتصادياً على ان يتم تنفيذ الهدف الاستراتيجي في مرحلة لاحقة وهو توجيه ضربة عسكرية قاصمة تطيح بنظام الجمهورية الاسلامية تحت لافتة البرنامج النووي.
الاعتراف بدور ايران الاقليمي
ما زاد في الخسارة المزدوجة لاسرائيل والسعودية، ان اتفاق جنيف الذي عزز الخيار الدبلوماسي لحل الملف النووي الايراني وأنهى الخيار العسكري، جاء بعد تراجع الرئيس الاميركي باراك اوباما عن توجيه ضربة عسكرية لسوريا واعتماد الخيار السياسي لحل الأزمة السورية من خلال مؤتمر جنيف 2 . وبعبارة أخرى، فان الخسارة الاسرائيلية والسعودية كانت تاريخية بكل المقاييس، خاصة وانها جاءت لتعزز انتصارين استراتيجيين لايران، الاول في الأزمة السورية والثاني في ازمة الملف النووي.
ما يعزز الاعتقاد ان اتفاق جنيف يمثل نجاحاً تاريخياً لايران انه تم بعد هزيمة المحور التركي – السعودي – الاسرائيلي – القطري المدعوم من الولايات المتحدة في الأزمة السورية، في مقابل نجاح محور روسيا – الصين – ايران – حزب الله ، وهو النجاح الذي ضاعف خشية الولايات المتحدة والدول الاوربية من تعاظم دورهذا المحور على الصعيدين الدولي والاقليمي. فجاء اتفاق جنيف النووي ليقطع الطريق على تنامي هذا المحور الذي استمد قوته من الهزائم التي تعرضت لها الخيارات الاميركية في المنطقة، وإلا لماذا يتم التوقيع على اتفاق جنيف في هذه المرحلة بالذات مع ان الأمور كانت مهيأة في عهد احمدي نجاد؟
إن جميع المؤشرات كانت تؤكد انه في حال هزيمة ايران في سوريا، فان واشنطن كانت ستعطي الضوء الأخضر لتل ابيب لمهاجمتها عسكرياً حتى لو رضخت لجميع الشروط القاسية، تماماً كما كان متوقعاً من الحرب التي شنتها اسرائيل عام 2006 على حزب الله والتي كانت اختباراً عملياً لمهاجمة ايران. لكن انقلاب الأمور رأساً على عقب في أشرس معركة دولية – اقليمية فوق الاراضي السورية هي التي وضعت الدول الغربية أمام خيارين أحلاهما مر، إما الاستمرار في جني الثمار الصفراء في المنطقة والعالم أو التسليم بالدور الاقليمي لايران، وهو ماتم الاتفاق والتوقيع عليه في جنيف والذي يعد في حقيقة الأمر مخرجاً وغطاءً لهزيمة سياسية لواشنطن وحلفائها الغربيين.
إن الدرس البليغ لجميع شعوب ودول المنطقة والعالم من اتفاق جنيف هو ان الولايات المتحدة ستتخلى عن اقرب حلفائها وأصدقائها حين تلامس الأخطار المصالح الاميركية العليا، عندها لن يعير أي رئيس اميركي الاهتمام لضغوط وتحذيرات الحلفاء، وهو ما حدث بالفعل مع نتنياهو واللوبي الاسرائيلي في واشنطن الذي عارض بقوة اتفاق جنيف، وهو ما يعزز نظرية ان اسرائيل تعمل في خدمة اميركا وليس العكس، فواشنطن تخذل جميع حلفائها وأصدقائها وتتركهم يصرخون عند قارعة الطريق ابتداءً من الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية وانتهاءً باسرائيل.
ياسين مجيد: نائب في البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون