اتفاق إيران النووي يعزز التجارة العالمية
١٩ يوليو ٢٠١٥
ما كادت الاحتفالات تنتهي بتوقيع الاتفاق النووي الإيراني حتى بدأ ممثلو الشركات العالمية والوفود الاقتصادية بالتوافد إلى طهران بهدف استكشاف فرص التعاون في سوق إيرانية قوامها 80 مليون مستهلك، ومتعطشة للاستثمار فيها بعد رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران منذ أكثر من ثلاثين سنة. وتبدو هذه الفرص هائلة إذا أخذنا بعين الاعتبار عوامل أبرزها الإفراج عن 125 إلى 150 مليار دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الغربية والأسيوية التي يمكن لإيران استثمارها في تحديث بنيتها التحتية وصناعاتها المتقادمة.
ويتمثل عامل آخر في عودة إيران بشكل سريع إلى تصدير ما يزيد على 2.5 مليون برميل نفط يوميا كما كان عليه الحال قبل العقوبات التي أدت إلى تراجع الصادرات النفطية الإيرانية بنسبة الثلثين. في هذا السياق يتوقع تشارلز روبرتسون من مجموعة رينيسانس كابتال "أن إيران ستزيد صادراتها إلى 2.4 مليون برميل يوميا في عام 2016 مقابل 1.6 مليون برميل في عام 2014". ومن العوامل الهامة أيضا أن إيران ليست فقط رابع أغنى بلد في العالم بالنفط والغاز، بل أيضا من البلدان التي تمتلك صناعات تحويلية منتشرة في مختلف أنحاء البلاد وتشمل الأغذية والأدوية والأدوات المنزلية والكيميائية والسيارات والآلات بمختلف أنواعها. ويقدر خبراء أن هذه الصناعات بحاجة إلى تحديث واسع النطاق بسبب قدم الآلات والتجهيزات، وهو الأمر الذي يعني استثمار عشرات المليارات فيها خلال السنوات العشر القادمة.
تراجع مداخيل الدول النفطية
تعاني سوق النفط العالمية في الوقت الحالي من تخمة كبيرة في المعروض بسبب بطء نمو الاقتصاد العالمي وعجز دول اوبك عن الاتفاق على تقليص المعروض في السوق. ويتراوح السعر الحالي لبرميل النفط بين 54 و 58 دولارا أمريكيا بعدما وصل إلى ضعف هذا المستوى صيف 2014. ومع عودة الصادرات الإيرانية تدريجيا إلى سابق عهدها يتوقع لسعر النفط المزيد من التدهور، ومعه المزيد من التراجع لعائدات الدول العربية النفطية التي فقدت نصف مداخليها منذ صيف العام الماضي 2014. وتأتي السعودية والجزائر والإمارات والكويت وليبيا في مقدمة هذه الدول. غير أن تراجع أسعار النفط ينعكس إيجابيا على الاقتصاد العالمي لأن الدول المستهلكة للطاقة تستطيع من خلال ذلك تخفيض تكاليف الإنتاج والنقل بشكل يؤدي إلى انتعاش التجارة العالمية مجددا بنسبة إضافية تتراوح بين 0.5 إلى 1 بالمائة.
تراجع التجارة مع الإمارات
تسود بين إيران وغالبية الدول العربية وفي مقدمتها السعودية علاقات سياسية يسودها التوتر الشديد وضعف الثقة. وهو الأمر الذي انعكس سلبيا على العلاقات الاقتصادية بينها. غير أن العلاقات التجارية بين إيران وكل من السعودية والإمارات تشكل استثناء من ذلك. فعلى الرغم من العلاقات السياسية المتوترة بين البلدين وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 25 مليار دولار عام 2011. وتفيد معطيات غرفة التجارة والصناعة في طهران أن قيمة الصادرات عبر الإمارات زادت على 11 مليار دولار. وتعد إمارة دبي أهم وسيط للتجارة بين إيران والعالم بسبب العقوبات التي تمنع التصدير المباشر الجهات الإيرانية، في هذا الإطار يتم شحن البضائع التي تشتريها الشركات الإيرانية من الخارج إلى الإمارة ومن هناك تتم إعادة تصديرها إلى إيران. ومع رفع العقوبات وتأهيل الموانئ الإيرانية يمكن لإيران الاستيراد مباشرة من الخارج ما يعني تراجع التجارة بينها وبين الإمارات والدول الأخرى التي تلعب دور الوسيط على صعيد إعادة التصدير.
تعاون أوثق مع سوريا والعراق
على عكس الدول العربية ـ باستثناء مصر ـ تمتلك إيران طاقات وخبرات تعتبر الأهم بعد مثيلتها التركية في مجال الصناعات التحويلية وبناء محطات الطاقة. وهو الأمر الذي يؤهلها لتوسيع علاقاتها التجارية والاقتصادية مع سوريا الحليفة لها. فخلال الأزمة السورية المستمرة قدمت طهران لدمشق ضمانات بقيمة 4.5 مليار دولار لاستيراد الأغذية والمشتقات النفطية والأدوية. ويتوقع الخبراء أن تحصل دمشق على مزيد من المليارات الإيرانية خلال الأعوام القادمة. كما أن الشركات الإيرانية ستحصل على صفقات ضخمة لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء والبنى التحتية الأخرى إضافة إلى مصانع الأنسجة والأغذية السورية التي توقفت بسبب الحرب والدمار.
وتتعزز علاقات إيران الاقتصادية مع العراق بشكل سريع إذ وصل حجم التبادل التجاري السنوي بينهما إلى 14 مليار دولار بين حزيران/يونيو 2014 ونفس الشهر خلال العام الجاري 2015. وتنفذ الشركات الإيرانية حاليا عشرات المشاريع بمليارات الدولارات في مختلف المحافظات العراقية.
وبالنسبة لدول عربية أخرى كالجزائر وتونس فإن هناك فرصة لإعادة عجلة العلاقات الاقتصادية مع إيران بسرعة لأن الخلافات السياسية معها ليست حادة مقارنة بخلافات إيران مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى باستثناء سلطنة عُمان.
فرص وردية للتعاون مع ألمانيا
وإذا كانت آفاق العلاقات الاقتصادية العربية مع إيران محدودة في الوقت الحالي على ضوء الخلافات السياسية، فإن مستقبل علاقات إيران مع الدول الصناعية الكبرى كألمانيا تبدو أكثر من وردية. "مع رفع العقوبات يمكن لألمانيا مضاعفة صادراتها إلى إيران خلال عامين، من 2.4 مليار يورو في عام 2014 إلى حوالي 5 مليارات يورو سنويا بحلول عام 2017"، يقول فولكر تراير، مسؤول العلاقات الخارجية باتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية مضيفا: "وإذا سارت الأمور بشكل جيد فإن قيمة الصادرات الألمانية ستزيد على 10 مليارات يورو في غضون ثلاث إلى أربع سنوات".
على ضوء ذلك قرر زيغمار غابريل نائب المستشارة ووزير الاقتصاد الألماني أن يكون من أوائل المسؤولين الأوروبيين المتوجهين إلى إيران بعد رفع العقوبات حيث يزورها في 19 تموز/ يوليو الجاري 2015 على رأس وفد يبحث آفاق التعاون الاقتصادي. الجدير ذكره أن ألمانيا كانت في العديد من المجالات أهم شريك تجاري لإيران في منطقة الشرق الأوسط قبل فرض العقوبات الاقتصادية على الأخيرة. أما اليوم فهي سادس شريك تجاري على صعيد الصادرات بعد الإمارات والصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا. وتتميز الصادرات ألألمانية إلى إيران بتركيزها على الآلات ومعدات البناء الأمر الذي يجعلها علاقات أكثر تشعبا واستدامة مقارنة بتلك التي تعتمد على المواد الأولية.