إيران ودول الخليج - ضفتان متنازعتان رغم علاقات الجوار
٥ سبتمبر ٢٠١٢عندما يتناول الإعلام مشكلة دول الخليج العربية المزمنة مع إيران، فإن الحديث عادة ما يدور حول مشكلة سياسية تتعلق بالخلاف القائم بشأن الحدود وعائدية الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، التي تعتبرها كل من الإمارات وإيران جزءا من أراضيها. أما في دول الخليج العربية فإن الحديث يدور حول تدخل سياسي إيراني مستمر في سياساتها وشؤونها الداخلية.
وتعتبر جزيرة أبو موسى أكبر الجزر المتنازع عليها، إذ تبلغ مساحتها 4 أميال مربعة، ويسكنها 2000 من صيادي السمك، يتكلمون الفارسية والعربية منذ ولادتهم. وقد تصاعد التوتر بشأن الجزر في ظل تنامي الدور الإيراني في سياسات المنطقة وفي ظل صفقات الأسلحة التي تشتريها السعودية والإمارات. وطبقا لمذكرة موقعة بين إيران وبين إمارة الشارجة عام 1971 فإن الجزيرة ومصادرها المنتجة للطاقة يجب أن تقسّم بين الجانبين.
"إيران طلبت تأجير الجزر، ثم قامت باحتلالها"
ويستعرض الدكتور شملان العيسى، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والمستقبلية في الكويت، في حديث مع DWعربية تاريخ قضية الجزر المتنازع عليها، مشيرا إلى أن الجزر قد جرى احتلالها من قبل حكومة الشاه بعد انسحاب بريطانيا من المنطقة. وبعد سقوط الشاه طالبت الإمارات إيران بإعادة الجزر، لكن الجمهورية الإسلامية في إيران رفضت ذلك. ويشير د. العيسى إلى وجود إشكالية في"أن إحدى الجزر كانت تابعة لإمارة الشارجة، فيما كانت الجزر الأخرى تابعة لإمارة أبو ظبي، والإشكالية تكمن في أن إيران طلبت تأجير الجزر، ثم قامت باحتلالها".
ويرى بعض المختصين في شؤون المنطقة أن اتهامات دول الخليج لإيران بالتدخل في شؤونها الداخلية، هي في الحقيقة اتهامات لشيعة الخليج بأنهم "ذراع إيران في المنطقة"، لكن د. العيسى لا يتفق مع هذا الرأي، مبينا أن "إيران تستغل خلافات الشيعة في بلدان الخليج مع حكومات المنطقة، وتلعب بذلك على الوتر الطائفي".
"بعض شيعة البحرين تحركهم إيران حتما"
ويرى د. العيسى أن سلوك شيعة الخليج قد "تغير" في المرحلة الأخيرة، إذ يقول: "لقد تحولت المطالب الإنسانية البسيطة لشيعة البحرين إلى المطالبة بتغيير نظام الحكم في البحرين وإقامة جمهورية إسلامية فيها". لكنه أبدى تحفظه تجاه تعميم الحكم بشأن هذا الحراك، مشيرا إلى أن "بعض شيعة البحرين تحركهم إيران حتما". ويلفت إلى أن "المعارضة البحرينية بدأت شيعية سنية، لكن مطالبها اليوم أصبحت مذهبية دينية طائفية".
ويستبعد د. العيسى أن تكون علاقة دول الخليج القوية بالغرب على مدى عقود من الزمن من أسباب العداء بينها وبين إيران، ويرى أن "تغير ميزان القوى في الخليج منذ قيام الثورة الإيرانية غيّر طرفي المعادلة، لكن حالة العداء بين الضفتين ظلت مستحكمة".
"مجلس الأمن رفض طلب الإمارات بضم الجزر إليها "
وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قد ذكرت في مقال نشرته في نيسان/أبريل الماضي أن دولة الإمارات العربية قد رفعت في عام 1980 مطالبها بحقوق السيادة على الجزر إلى مجلس الأمن الدولي، الذي رفضها، دون ذكر أسباب الرفض. لكن الصحيفة الأمريكية أفادت أن إيران هي التي زودت الجزيرة بالبنية التحتية ( مثل الطرق والمياه والطاقة والمدارس) وأن محافظ الجزيرة إيراني الجنسية.
ويبدو أن البعد السياسي للخلاف هو الذي يسود المشهد قد غيب البعد الإنساني للنزاع القائم بين الطرفين، بحيث لا يلتفت أحد إلى تاريخ وجغرافية العلاقات بين إيران والساحل الغربي لدول الخليج العربية، ولا إلى التركيبة الديموغرافية المشتركة بين الضفتين، وهذا ما يشير إليه د. علي رمضان الأوسي مدير مركز دراسات جنوب العراق في حديثه مع DWعربية. ويشدد الأوسي على ضرورة عدم تجاهل الحقائق التاريخية والمعطيات السكانية والاجتماعية، فهناك أناس سكنوا في مناطق على ضفتي الخليج على مدى قرون، واستقروا فيها وتزاوجوا وتناسلوا واستثمروا فيها أموالا كثيرة. و"اليوم تكمن المشكلة في الأنظمة الحديثة في هذه المنطقة، إذ يتعين عليها العودة إلى الوراء لكي تفهم ظروف المنطقة وتنظر إلى السكان على أساس المساواة"، دون التفرقة بين عربي أو فارسي.
وينظر العديد من المحللين إلى الخلاف الخليجي الإيراني ( العربي الفارسي) باعتباره خلافا طائفيا بامتياز. ويشيرون إلى مناسبات ووقائع كثيرة تثبت هذا التوجه، كان من أوضحها الحرب العراقية الإيرانية، حين وقفت دول الخليج مع صدام حسين في حربه ضد إيران رغم مخاوفها وهواجسها من طموحات صدام التوسعية، إلى درجة أن تلك الحرب قد وُصفت بأنها حرب بالنيابة (نيابة العراق عن العرب السنة في مواجهة الفرس الشيعة). لكن د. علي رمضان الأوسي يختلف تماما مع هذا الوصف، مؤكدا أن دولا كبرى تسعى إلى التسلط على ثروات المنطقة وعلى شعوبها". ويشدد بالقول: "أعتقد أن الطائفية هي أحد الأسلحة التي استخدمتها أمريكا في المنطقة لتفريقها وتمزيقها".
" إيران تريد أن يتولى أهل الخليج إدارة شؤونهم بأنفسهم"
ويلفت الأوسي إلى "أن عرب الخليج يعيشون في شبهة (التباس)، فصدام هو الذي نكّل بهم، واحتل الكويت ودمرها، وهو الذي هدر أموال الخليج، وهو الذي طعنهم من الخلف، فكيف وقفوا معه في حرب مدمرة ضد إيران طيلة ثماني سنوات".
ويذهب الأوسي إلى القول بأن أن "عرب الخليج يرتكبون خطأ استراتيجيا حين يعادون الشيعة ويعادون إيران"، موضحا أن "إيران تريد أن يتولى أبناء المنطقة – أهل الخليج- إدارة شؤونهم وتوجيه مصيرهم بأنفسهم".