إنهاء طلبات اللجوء في برلين – مهمة تواجه صعوبات
٧ أكتوبر ٢٠١٥تذمر في صفوف حشد كبير من الناس، يليه صراخ ثم شجار بالأيدي، وفي غضون ثوان تفرق الحشد المتكون من 600 شخص، وساد جو من الغضب العارم في فناء خلفي في برلين يكسوه الغبار. كلمات متطايرة من لغات متعددة، ولا أثر للشرطة في عين المكان.
وعلى عكس الشرطة كانت كاميرات التلفزيون متواجدة وتصور كل ما يدور هناك، فالتقطت الكاميرات كيف أن لاجئا غاضبا قام بضرب لاجئ آخر، إلى درجة تطلب الأمر نقله للمستشفى. دقائق بعد ذلك تم نقل الجرحى إلى المستشفى بشكل مستعجل، حينها فقط ظهر حوالي 30 شرطيا في المكان.
"شرارة واحد تكفي لإضرام النار"
"للأسف تحول الأمر إلى مشهد يومي حزين" يقول ميشائيل روشاينسكي أحد المساعدين للصحفيين المتواجدين في المكان. يعمل روشاينسكي بشكل تطوعي لفائدة جمعية " موابيت يساعد" في إشارة إلى حي موابيت البرليني، حيث يتواجد مكتب الشؤون الصحية والاجتماعية أو ما يعرف ب LaGeSo، حيث تتواجد المصلحة المركزية لتسجيل اللاجئين. هناك يجب على روشاينسكي أن يتأكد من وجود مكان خاص بالمسعفين، وهو بذلك يساعد رجال الأمن الأربعة والخمسين، الذين بالكاد يتمكنون من منع اللاجئين المنتظرين في المكان من القفز لتجاوز السياج الحاجز.
"قبل السادسة صباحا بقليل كان هناك خمسة جرحى، لأن الناس لديهم خوف من عدم الدخول، لأنهم يخشون من عدم الحصول على رقم التسجيل" هكذا يحكي روشاينسكي، الذي يقول إن الكثيرين في الصفوف الأمامية أمام الحاجز يفقدون أعصابهم. وفي الواقع: يصرخ رجال الأمن بشدة فيصرخ في المقابل شباب قادم من سوريا والصومال وأفغانستان. أما الصفوف الخلفية فهي ليست بأفضل حال إذ تشهد تدافعا وصراخا من كل الجهات، ولا وجود لأي تعايش سلمي بين اللاجئين كما يرى روشاينسكي، الذي يضيف:"الجو محتقن هنا منذ عدة أيام، وشرارة واحدة كافية لتأجيج الشجار بين طالبي اللجوء." الناس تشعر بالإحباط وخيبة الأمل وهم مجروحون عاطفيا، لأنهم تم نقلهم مرارا من مكان إلى مكان."أدنى شعور بمعاملة غير عادلة لا يمكن إلا أن يزيد الوضع سوءا" يرى روشاينسكي.
تساعد الحواجز في تنظيم عملية التسجيل. وتوجد صفوف طويلة من الناس في انتظار تسوية أمورهم. غير أن الأمر تحول إلى حوالي 600 لاجئ يقفون في حشد كثيف، متشابكين فيما بينهم بشكل وثيق. ووسط كل ذلك يتواجد حوالي 150 مترجم متطوع، والذين يحاولون من خلال 30 لغة تهدئة الوضع وتحسينه، غير أن كل ذلك لا يسرع من إجراءات التسجيل.
حوالي مئة طلب لجوء هو العدد الذي يمكن للمشرفين تسويته في اليوم الواحد. العدد ليس كبيرا كما يرون هم أنفسهم، فكل يوم يظهر حوالي 500 لاجئ جديد. وبالتالي فإن حوالي 1800 شخص يقفون أمام مكتب التسجيل، وليس هناك أي رقم رسمي بعد. الأمر الذي يشكل ضغطا كبيرا على العاملين في المكاتب، إذ تقول إحدى المساعدات - التي رفضت الكشف عن اسمها- إن تقديم الاستقالات يتزايد:" قبل أسابيع قليلة كان لدينا تفاؤل كبير، غير أننا الآن نعتقد أننا لن ننجح في السيطرة على الوضع."
" الهروب مع العائلة كان مستحيلا"
إنياتويلا صدقي يتمنى الاستقرار في ألمانيا، فالشاب الأفغاني البالغ من العمر 26 عاما يبتسم بفرح رغم الانتظار الذي يُفقد الأعصاب. لم تتغير سحنته إلا وهو يستعيد أجواء الرحلة الكبرى إلى ألمانيا. لقد استغرقت الرحلة إلى حي موابيت في برلين 40 يوما. فإنياتويلا كان شوكة في حلق حركة طالبان في مسقط رأسه لوغار، لأنه يتعاون باعتباره دارسا للاقتصاد الزراعي مع الحكومة المدعومة من الغرب. لقد كلفه الأمر حوالي 4 سنوات من البطالة قبل أن يشد طريقه باتجاه الغرب. كان ينبغي عليهترك عائلته لكنه يتمنى أن تلتحق به فيما بعد، لأن إمكانية الهرب الجماعي كانت غير ممكنة، ويقول الشاب الأفغاني:"لقد أمضيت خمسة أيام في جبال إيران دون ماء أو طعام".
منذ أربعة أيام وصل إلى برلين وهو واحد من المئات الذين ينتظرون أن يبدأ التسجيل، ولأنه عمِل كمعلم للغة الانجليزية، فبإمكانه أن يتفاهم مع الآخرين بسهولة. بكل ثقة يملي إنياتويلا رقمه الهاتفي في الميكروفون، "هكذا يمكن لأنغيلا ميركل أن تتصل بي" يقول مبتسما، لكنه قام بذلك عارضا خدماته كمترجم متطوع للسلطات الألمانية.
لغاية اليوم يعتمد المكتب الاتحادي للصحة والشؤون الاجتماعية على المتطوعين في عدة مهام. مثل الأطباء المتواجدين في قلب المكان لتقديم الإسعافات الأولية، كما يتواجد العديد من المتطوعين الذين يساعدون اللاجئين للتغلب على البيروقراطية الألمانية، كما هو شأن إحسان وهبي، وهي مواطنة لبنانية في منتصف الأربعين تعيش في ألمانيا منذ 32 عاما.
تقف إحسان بصبر في الصف الطويل الذي يبلغ طوله 30 مترا، تتأبط ثلاث ملفات، فهي تمثل بشكل تطوعي محاميا، يقدم الاستشارة القانونية للاجئين. اليوم مثلا تقف إحسان إلى جانب أم يمنية لأربعة أطفال ورضيع ، جاؤوا إلى ألمانيا عبر البحر الأبيض المتوسط. "لذلك أنا متواجدة هنا" تقول إحسان، التي لا تعرف إن كان سيحالفها الحظ لقضاء أمورها اليوم. فهي غير متفائلة لأنه يقف أمامها بالصف حوالي 300 شخصا. وتواصل إحسان حديثها لـDWعربية:"لا أفشي سرا إن قلت لكم إن عدد العاملين في القاعة الأربعة أو الثلاثة هو عدد غير كاف."
هل تأخذ برلين أزمة اللاجئين محمل جد؟
الأمور ستتفاقم في الأيام المقبلة، يقول المساعد ميشائيل روشاينسكي، فالجو الخريفي الماطر سيزيد من الضغط أمام المكتب الاتحادي للشؤون الصحية والاجتماعية على المتطوعين. كما سينخفض ليس فقط عدد المساعدين وإنما أيضا المتبرعين، "وحده عدد اللاجئين سيتزايد" يضيف ميشائيل روشاينسكي، الذي يطلب من مجلس مدينة برلين أن تتجنب الأسباب التي قد تؤدي إلى كارثة على غرار ميونيخ.
هناك ميزة أن يتم تمويل قوات الحماية المدنية من طرف الدولة لبناء نظام إغاثة مهني. "الأمر يتعلق بحالة طوارئ وينبغي التعامل معها على هذا الأساس بشكل كامل" كما يطالب ميشائيل روشاينسكي، غير أن مجلس إدارة مكتب الشؤون الصحية والاجتماعية وفي رد على DWعربية اعتبر أن استقبال اللاجئين لم يصل إلى مرحلة الكارثة، وبالتالي لا يمكن لهذا تنفيذ تلك المطالب." كما أكدت المتحدثة الإعلامية باسم المكتب أن هناك العديد من الخطط المستعجلة للسيطرة على الوضع. غير أن ميشائيل روشاينسكي يعتبر الأمر مدعاة للسخرية، خاصة وأنه متأكد من أن شجارا آخر ينتظره في فناء المكتب الاتحادي للشؤون الصحية والاجتماعية، وخلاصة الأمر بالنسبة له:"هذا فشل تام للدولة".