" إعلان برلين يفتقر الى الجنون الإبداعي الذي يحتاج إليه الاتحاد الاوروبي "
٢٦ مارس ٢٠٠٧في ذروة الاحتفالات بالعيد الخمسين لميلاد الاتحاد الأوروبي، التي استضافتها برلين، تم يوم أمس الأحد 25 مارس/ آذار 2007 التوقيع على ما أطلق عليه "إعلان برلين"، تلك الوثيقة التي وصفت بأنها بمثابة إعادة تقييم لما حققته "المؤسسة الأوروبية المشتركة" خلال الخمسة عقود المنصرمة، و"خارطة طريق" مستقبلية لما يجب ان يكون عليه عمل "البيت الأوروبي المشترك" خلال المرحلة القادمة. لكن قبل أن يجف حبر التوقيع على هذه الوثيقة، التي بذلت حكومة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل جهودا مضنية لكسب التأييد الأوربي لها، انقسمت الآراء حولها. ففي الوقت الذي اعتبره البعض إنجازا تاريخيا يعكس قدرة الاتحاد الأوروبي على التغلب على خلافاته الجانبية واتفاقه حول الأمور الجوهرية، قلل البعض الآخر من قيمة "إعلان برلين" معتبرا إياه مجرد صيغة توافقية فضفاضة تعكس عمق الاختلافات بين الدول الأعضاء من جهة وتتجاهل الخلافات بينها حول كيفية مواجهة التحديات المصيرية التي يواجهها الإتحاد الأوروبي. في هذا السياق قال دانيلا شفارتزر، الأستاذ الزائر بالمعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية، إن القضايا التي تمثل مشكلات حقيقة تم تأجيلها ببساطة.
صيغة عمومية توافقية تجاهلت القضايا المحورية
بينما أشارت الوثيقة الواقعة في صفحتين بفخر إلى التقدم الذي تحقق منذ إنشاء الاتحاد، تجاهلت الإشارة إلى القضايا الأساسية المثيرة للجدل، وهو مما يشير إلى مدى الانقسامات بين الدول الأعضاء. هذه الانقسامات عكست نفسها بوضوح في تلك الصيغة التوافقية التي خرج بها "إعلان برلين" إلى حيز الوجود. فقد خلت هذه الوثيقة من الإشارة إلى الدستور الأوروبي الموحد والقيم الدينية المسيحية لأوروبا وموضوع التوسع من خلال قبول أعضاء جدد في "النادي الأوروبي"، وهي القضايا الأساسية التي كانت ومازالت مثار خلاف وجدل كبيرين.
على العكس من ذلك ركز "إعلان برلين" على استعراض أمجاد ومنجزات الاتحاد الأوروبي خلال الفترة السابقة مع إشارات عامة وفضفاضة حول ضرورة مواجهة تحديات العولمة ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، علاوة على بعض النوايا بخصوص أخذ زمام المبادرة بصورة مشتركة فيما يتعلق بسياسة الطاقة وحماية المناخ. كما سعى الزعماء في برلين إلى تجاوز المزاج السلبي بالتركيز على إنجازات الاتحاد الأوروبي بنشر السلام والازدهار والديمقراطية وحكم القانون في قارة عانت من الحروب والدكتاتورية والمجازر على مدى عقود.
وفي هذا السياق يعلق بعض المراقبين بالقول ان "إعلان برلين" جاء ابعد ما يكون عن "الجنون الإبداعي"، الذي قال رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي أن الإتحاد الأوروبي يحتاج له لكي يظهر للعالم قدرته على التكيف مع المتغيرات العالمية.
"عقدة" الدستور الأوروبي تراوح مكانها
مازلت عملية إحياء الدستور الأوروبي الموحد الذي تم وقف عملية التصديق عليه منذ أن رفضها الناخبون في فرنسا وهولندا عام 2005، مثار خلاف لدرجة أنه تقرر حذف أي إشارة إليها من إعلان برلين ووضعت بدلا عن ذلك صيغة توافقية تقول "إننا متحدون في هدفنا المتمثل في إرساء أساس مشترك جديد للاتحاد الأوروبي قبل انتخابات البرلمان الأوروبي عام2009".
لكن المحلل في قناة التليفزيون الألماني الثانية أودو فان كامبن فيرى أنه يتعين على ميركل، إذا رغبت أن تكون الاتفاقية جاهزة بحلول عام 2009 أن تحل كل الخلافات بنهاية العام الحالي، والسبب في رأيه هو أنه يتعين إقرار الوثيقة في برلمانات 27 دولة، وهي عملية مرهقة قد تستغرق 18 شهرا.
وفي الوقت الذي تأمل فيه ميركل طرح "خريطة طريق" حول كيفية إحياء الاتفاقية مع الحفاظ على "جوهر" الوثيقة المجمدة قبل أن تنتهي رئاسة بلادها للاتحاد في نهاية حزيران/يونيو المقبل، فإن دولا مثل بريطانيا وبولندا وجمهورية التشيك وغيرها تبدي اعتراضات علي الوثيقة في شكلها الحالي، وتدعو إلى إعادة النقاش حولها من جديد. ورغم ذلك تظل الرئاسة الألمانية الحالية للاتحاد الأوروبي متفائلة وتصر على أن "الهدف يبقى الدستور"، وهو ما يعني رفضها للاقتراحات التي تشير إلى أن وثيقة جديدة معدلة للدستور الاوروبي يمكن أن تخرج الإتحاد الاوربي من عنق الزجاجة وتصل بمشروع الدستور إلى بر الأمان.