إصلاحات العبادي: فرصة للتخلص من المحاصصة الطائفية؟
٩ أغسطس ٢٠١٥كما كان منتظراً، أقرّت حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في جلسة استثنائية الأحد (التاسع من آب/ أغسطس 2015) سلسلة قرارات وصفت بـ "الراديكالية" و"الضرورية" في الوقت نفسه. فقرارات حكومته، التي يحلو للعبادي وصفها بـ "الإصلاحات"، جاءت رداً على احتجاجات شعبية عمت معظم المدن العراقية ضد الفساد وتدهور الخدمات العامة.
ومن أبرز الإصلاحات التي أعلنها العبادي "إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فوراً". وجاء الإعلان عن هذه الإصلاحات بعدما دعا المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني الحكومة إلى اتخاذ خطوات إصلاحية تبرهن "جرأة وشجاعة". وبالرغم من الضغط الشعبي ودعم السيستاني للعبادي، تبقى جهود الإصلاح في العراق صعبة جداً نتيجة الفساد المستشري في المؤسسات واستفادة كافة الأطراف السياسية منه فعلياً.
ويشغل مناصب نواب رئيس الجمهورية الثلاثة، وهي فخرية أكثر منها تنفيذية، زعماء الأحزاب السياسية التي تحكم البلاد، أي المالكي (دولة القانون) ورئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي (متحدون) ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي (الوطنية).
المالكي والنجيفي يؤيدان وعلاوي يحذر
وأيد المبادرة أحد أبرز نواب الرئيس وهو نوري المالكي، الذي حكم البلاد لثمانية أعوام كرئيس للوزراء ويقول منتقدوه إن فترة حكمه هي السبب في كل ما يعاني منه العراق حالياً من انقسام طائفي وفساد ومحسوبية. وكتب المالكي على حسابه في "تويتر": "نجدد موقفنا الداعم للإصلاحات التي تقتضيها العملية السياسية والتي وجهت بها المرجعية الدينية العليا السيد رئيس مجلس الوزراء".
كما أعرب القيادي السني البارز أسامة النجيفي، النائب الآخر لرئيس الجمهورية، عن تأييده لهذه الإصلاحات. بيد أن رئيس الوزراء الأسبق ونائب رئيس البلاد إياد علاوي قدم دعماً مشروطاً لهذه الإصلاحات. فبالرغم من ترحيب كتلته "ائتلاف الوطنية" بأي "قرار يؤدي إلى تلبية مطالب شعب العراق، الذي انتفض في المحافظات المختلفة مطالباً بإنهاء الفساد وإعادة الثروات المنهوبة وتوفير الخدمات"، فإنه حذر مما وصفها بـ"دكتاتورية جديدة".
إنهاء توزيع المناصب على أسس طائفية
ودعا العبادي إلى إنهاء توزيع المناصب الحكومية على أسس طائفية وحزبية وإعادة فتح التحقيقات في قضايا الفساد، إلى جانب "تقليص شامل وفوري في أعداد الحمايات لكل المسؤولين في الدولة... ويتم تحويل الفائض إلى وزارتي الدفاع والداخلية، حسب التبعية لتدريبهم وتأهيلهم ليقوموا بمهامهم الوطنية في الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين".
لكن بدون موافقة البرلمان، لن يستطيع العبادي تمرير هذه القرارات، خصوصاً وأنها تمس العديد من حلفائه في التحالف الوطني (الأحزاب الشيعية). ويرى العديد من المراقبين أن العبادي جاد في سعيه إلى مصالحة بين السنة والشيعة، وهو يعمل جاهداً لحشد دعم سياسي موسع لإجراء إصلاحات ذات مغزى.
وقال المحلل السياسي أحمد يونس إن الفساد والضغوط الاقتصادية والمعركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) دفعت العبادي مع البلد إلى حافة الانهيار. وتابع يونس: "دعوة السيد السيستاني العبادي لاتخاذ قرارات جريئة كانت تمثل الدعم المثالي وفي الوقت المناسب. الدعوة أعطت العبادي القوة ومنحته الحصانة ضد أي معارضة محتملة".
أما محمود الحسن، رئيس اللجنة القانونية في البرلمان، فقد أوضح أنه "مع الضوء الأخضر من السيستاني، سيمضي العبادي الآن وأكثر من أي وقت مضى إلى الأمام بإجراء تغييرات جوهرية وبدون أي تردد".
منظمو المظاهرات متفائلون
من جهتهم، أعرب منظمو التظاهرات عن تفاؤلهم لأن الإصلاحات تستهدف رأس هرم السلطة. لكن القلق لا يزال يساورهم حول جدية التنفيذ. وقال نبيل جاسم، وهو أحد منظمي التظاهرات في بغداد، لوكالة فرانس برس: "أعتبرها بداية للإصلاح، ولكن علينا أن نراقبها ونرى مدى صدقيتها وجدية إجراءاتها".
وأضاف جاسم، وهو إعلامي ومقدم برامج حوارية سياسية تثير قضية الفساد الحكومي: "إذا نجحت هذه الخطوة في ضرب مكامن الفساد والاعوجاج من رأس الهرم (...) فأعتقد أنها الخطوة الأولى في عملية الإصلاح بالبلاد". وتابع: "علينا أن نراقب جدية التنفيذ وعلى أساسها نقيم".
ورغم إعلان الإصلاحات، سيواجه العبادي تحديات كثيرة في ظل الفساد المنتشر بالمؤسسات العراقية. وفي هذا الصدد، يقول زيد العلي، مؤلف كتاب "الصراع من أجل مستقبل العراق"، لوكالة فرانس برس إن "نظام الحكومة فاسد بالكامل والنظام الدستوري بال والإطار القانوني غير ملائم. كما أن الطبقة السياسية فاسدة بالكامل وغير مؤهلة"، مضيفاً أن "كل الأحزاب السياسية التي تشارك في الحكومة تستفيد مباشرة من النظام الحالي، ولذلك فهو لم يتغير منذ العام 2005".
أ.ح/ ي.أ (ا ف ب، رويترز، د ب أ)