إسرائيل- مشروع الإصلاح القضائي يعمق الانقسام ويزيد الاستقطاب
١٤ مارس ٢٠٢٣تتواصل الاحتجاجات في إسرائيل ضد مشروع قانون لإصلاح النظام القضائي تدعمه الحكومة. ويوم الخميس الماضي شارك الآلاف في الاحتجاجات حيث أغلق المتظاهرون الطرق المؤدية إلى مطار بن غوريون الدولي بتل أبيب في احتجاجات أطلق عليها يوم "مقاومة الديكتاتورية".
وبخلاف التظاهرات الأسبوعية الحاشدة التي تنظم ليلة السبت في تل أبيب، تشهد مدن صغيرة احتجاجات شبه يومية مع إغلاق المتظاهرين الشوارع الرئيسية والطرق خلال ساعة الذروة.
ففي مدينة القدس، نظم محاربون قدامى وجنود احتياط الأسبوع الماضي مظاهرة أمام مكتب رئيس الوزراء حيث رددوا هتافات ضد المشروع مع رفع الأعلام الإسرائيلية.
وحيث أن مكتب بنيامين نتنياهو يقع في منطقة بين البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) والمحكمة الإسرائيلية العليا، فإن تلك المظاهرة تحمل في طياتها رمزية خاصة. وفي مقابلة مع DW قال رامي ماتان، وهو ضابط متقاعد في الجيش الإسرائيلي، إن هذه المظاهرة يقف وراءها "مجموعة خاصة للغاية إذ أننا نحن جنود الاحتياط الذين شاركوا في الحروب السابقة من حرب الأيام الستة [1967] وحرب يوم الغفران وحتى في لبنان. لقد دافعنا وحاربنا من أجل هذا البلد وكنا مستعدين للموت في سبيل ذلك." وأضاف "لكن الآن نحن هنا لإنقاذ [إسرائيل] ليس من خطر يمثله عدو خارجي كما كان في الماضي وإنما ندافع عنها خوفا من أن تصبح ديكتاتورية."
وتظاهر ماتان في السابق خلال عامي 2020 و 2021 ضد رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو الذي يطلق عليه لقب "بيبي" حيث كان يواجه في حينه تهما بالفساد في المحكمة، فيما تزال التهم تلاحقه حتى اليوم مع توليه منصب رئيس الحكومة مجددا.
بيد أن اللافت تغيير الهتافات من "أرحل بيبي" خلال عامي 2020 و 2021 إلى "الديمقراطية" في الوقت الراهن فيما يرى كثيرون أن هذه المظاهرات تعد أكثر من مجرد احتجاج ضد شخصية سياسية.
وتشهد إسرائيل موجة من الاحتجاجات منذ ما يقرب من شهرين حيث يحتج عشرات الآلاف ضد مشروع قانون يرمي إلى إدخال تغييرات جذرية على النظام القضائي، وترغب الحكومة تمرير مشروع القانون في البرلمان وإقراره بسرعة.
وانضمت إلى المظاهرات قطاعات عديدة في إسرائيل من قضاة وعاملين في مجال التكنولوجيا وحتى الطلاب وأولياء الأمور ونشطاء مناهضين للاحتلال.
وفي خطوة غير مسبوقة، هدد طيارو وحدات النخبة بقوات الاحتياط في الجيش، بتعليق مشاركتهم في التدريبات احتجاجا على مشروع اصلاح القضاء المثير للجدل. فيما أرسل عدد من جنود الاحتياط خطابات تحذر من أنهم قد لا يؤدون الخدمة العسكرية.
ويرى العديد من الإسرائيليين اليهود أن الجيش يمثل حصن أمن البلاد الذي يجب أن يظل بعيدا عن السياسة، فيما زادت هذه التحركات من حالة الاستقطاب بين المعارضين لمشروع القانون ومؤيديه.
تغييرات جذرية في النظام القضائي
ويعد سمشا روثمان، رئيس لجنة الدستور والقانون في الكنيست والذي ينتمي إلى "الحزب الصهيوني الديني" اليميني المتشدد، أحد مهندسي مشروع إصلاح النظام القضائي.
وفي ختام اجتماع اللجنة المنوط بها الإشراف على مشروع القانون قبيل التصويت عليه في القراءة الأولى، قال روثمان في مقابلة مع DW "فى الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، خرج كثيرون من منازلهم للتصويت لصالح هذه القضية، لذا فنحن بحاجة للاستماع إليهم. هناك أناس يقولون إن هذا الإصلاح ليس في صالحهم، لكنهم يمثلون أقلية صغيرة في إسرائيل".
وكان روثمان يشير في حديثه إلى الانتخابات العامة التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني، والتي أسفرت نتائجها عن تشكيل ائتلاف يميني وديني متشدد يشغل 64 مقعدا من مقاعد الكنيست البالغ عددها 120 مقعدا.
يشار إلى أنه خلال السنوات الماضية، كانت الأصوات المتدينة واليمينية المتشددة تنتقد المحكمة العليا ويرون أنها ذات طابع "يساري" أكثر من اللازم وأنها تتحلى بنفوذ قوي.
ويؤكد روثمان أن "الإصلاحات" تعد ضرورية، مضيفا "تعد المحكمة غير متوازنة ولا تخضع للمراقبة، على عكس الكيانات الأخرى في الحكومة التي تعد متوازنة وتخضع للرقابة. لذا نحن في حاجة إلى إدخال ضوابط وتوازنات إلى نظام [المحاكم] في إسرائيل".
بيد أن المعارضين ينتقدون ذلك، حيث يقولون إن هذا المشروع سوف يمنح الحكومة سلطة كبيرة وسيلغي استقلالية القضاء في إسرائيل، ما يعرض الأقليات للخطر.
ويتفق مع هذا الرأي إفرات رايتن، النائب في الكنيست عن حزب العمل المعارض، إذ قال في مقابلة مع DW"ليس لدينا دستور في دولة إسرائيل وليس لدينا إعلان لحقوق الإنسان وليس لدينا غرفتين للبرلمان وليس لدينا قيود تحدد عدد ولايات رئيس الوزراء. مشروع القوانين المطروحة في [للكنيست] تلغي سلطة المحكمة العليا في الإشراف على أعمال الكنيست والحكومة".
حوار أم أزمة دستورية؟
كما دخل على خط الأزمة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، حيث دعا مؤخرا حكومة نتنياهو إلى وقف التشريع، فيما كشفت وسائل إعلام عن أنه يعمل مع مجموعة من خبراء القانون على صياغة مقترح يمثل حلا وسطا.
وفي خطاب متلفز نادر قبل أسابيع، حذر هرتسوغ، الذي يعد منصبه شرفيا، من أن البلاد تواجه خطر الانزلاق إلى انهيار دستوري، حيث دعا إلى الحوار.
لكن بعد ذلك بوقت قصير، أعرب الائتلاف الحاكم بزعامة نتنياهو عن انفتاحه على حلول وسط، لكنه رفض طلب المعارضة المتمثل في ضرورة وقف تمرير التشريع كشرط للانخراط في حوار.
ويؤجج التسرع من قبل الائتلاف الحاكم في تمرير التشريع، مشاعر الغضب بين المحتجين. فخلال مشاركته في تظاهرة قرب مقر إقامة نتنياهو في القدس، قال نعوم (24 عاما) والذي يعمل في مجال التكنولوجيا، "أريد القول أن مجموعة المتشددين الذين سيطروا للتو على البرلمان يريدون فقط تمرير قوانينهم الخاصة بهم ولا يولون أي اهتمام بالشعب".
وفيما كان يردد المتظاهرون "الديموقراطية"، كان يساور المتظاهر هوليل ليفي-فافر قلق على نحو خاص، عبر عنه بالقول "نريد تذكير الناس هنا بكل هذه الأعلام حيث أن الديمقراطية الآن لليهود فقط وما لم نضم الفلسطينيين، فإنها لن تنجح".
أما المتظاهرة حموتيل بن أريه، فتخشى من اتساع الخلافات داخل أطياف المجتمع الإسرائيلي، وتقول "هذا المكان يعد ملاذ اليهود الذين جاؤوا من جميع أنحاء العالم... الآن يقومون بترهيب بعضهم البعض ما يعرض هذه الديمقراطية للخطر."
وتزايدت الانقسامات بين المعسكرين خلال الأسابيع الأخيرة، إنه شهدت مظاهرة في تل أبيب الأسبوع الماضي، إطلاق الشرطة برئاسة وزير الأمن القومي اليميني المتشدد إيتمار بن غفير، قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لتفريق المتظاهرين الذين قاموا بغلق أحد الطرق الرئيسية. ومكررا عبارات نتنياهو، وصف بن غفير المتظاهرين بـ "الفوضويين" حيث توعد برد صارم.
تانيا كريمر – القدس / م. ع