أوضاع بائسة..نصف السوريين فقدوا مصدر عيشهم
٨ نوفمبر ٢٠١٣السورية أم محمد تشعر بالسعادة لكونها بلغت بر الأمان مع أسرتها التي اضطرت قبل أسبوع للفرار معها من العاصمة دمشق. وحالياً تعيش أم محمد (34 عاما) مع عائلتها في بيروت.
وقبل ذلك كانت تعيش في منطقة جرمانا، وهي ضاحية من ضواحي دمشق جنوب شرق العاصمة وينشب فيها القتال بين الفنة والأخرى، بين المعارضة المسلحة والجيش السوريالنظامي وباتت الظروف المعيشية فيها تشتد صعوبة ًوضيقاً، كما تقول أم محمد. وتضيف: "أصبح كل شيء باهظ الثمن إلى درجة الجنون. كيلو الباذنجان كان يكلف 20 ليرة سورية من قبل وصار سعره يساوي حوالي 200 ليرة حالياً..."، أي ما يعادل نحو دولار ونصف الدولار. أما الخبز فكانت أم محمد تضطر في كثير من الأحيان للانتظار خمس إلى ست ساعات لشراء بعض الأرغفة لأطفالها الستة. أما زوجها، الذي كان يعمل بائعا للخضار، فبات عاطلا عن العمل منذ وقت طويل.
أما بالنسبة لأوضاع البلدات المجاورة لجرمانا فهي أسوأ من ذلك بكثير: فمنطقة داريا تحاصرها القوات الحكومية منذ عشرة أشهر في محاولة منها لإخضاع المعارضة المسلحة التي تسيطر على البلدة.
العيش فقط على البرغل والقرع
الصحفي عبد الرحمن مالك (عمره 24 عاما) ينحدر من بلدة داريا وقد تمكن من ترك البلدة قبل أن يُفرَض عليها الحصار. يعمل عبد الرحمن لصالح صحيفة سورية محلية وهو على اتصال منتظم مع مكتب الشؤون الإنسانية في داريا، ويقول إن 6000 من المدنيين من سكان البلدة ما زالوا يعيشون فيها وليس من المسموح دخول أي شيء إلى البلدة". ويضيف: "المجلس المحلي في داريا أسس مطبخا مركزيا لإعداد الوجبات الغذائية لسكان البلدة. في الماضي كانت تُوزَّع ثلاث وجبات يومياً أما الآن فواحدة فقط. والغذاء يتألف غالبا من البرغل والقرع (اليقطين) الذي ما زال يمكن زراعته في أراضي داريا".
وثمة تقارير مماثلة من الضواحي الأخرى جنوب العاصمة. ففي منطقة المعضمية التي تحاصرها القوات الحكومية أيضا لقي أطفال حتفهم بسبب سوء التغذية، كما أفاد نشطاء في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول 2013.
الحاجة إلى المساعدات بسبب البطالة
تزداد أوضاع الشعب في سوريا سوءاً: فهم يعانون من القتال والحصار ومنهم من يتمكن من الفرار مثل أم محمد ومنهم من يقع في مرمى النيران كما هو حال سكان داريا أو المعضمية. ويتزايد عدد السوريين المتضررين اقتصاديا ازديادا هائلا جراء عواقب الحرب. وقد بلغ معدل البطالة في دمشق، وفق إحصائيات المركز السوري للدراسات السياسية(SCPR)، نسبة 48.5 في المئة في منتصف عام 2013. "وأكثر من مليون و300 ألف سوري فقدوا وظائفهم في الأشهر الأخيرة"، كما يقول ربيع نصر الخبير في المركز السوري للدراسات السياسية، ويضيف: "كل واحد من هؤلاء العاطلين عن العمل هو عائل لأسرة كبيرة، وبذلك يمكننا القول إن 10 ملايين نسمة، أي ما يقرب من نصف عدد السوريين، فقدوا بالفعل الدعم المالي والاقتصادي".
عقبات أمام المساعدات
هذه الأوضاع البائسة أدت إلى أن الناس، في هذا البلد الذي مزقته الحرب، لم يعودوا قادرين على استحصال ما يكفي من الغذاء لأنفسهم أو لعائلاتهم. ويحاول برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، عبر منظمات شريكة مثل الهلال الأحمر، توزيع بعض المواد الغذائية الأساسية للسكان الأكثر فقراً.
وقد وزعت منظمة الأمم المتحدة مساعدات غذائية إلى ثلاثة ملايين و300 ألف شخص في جميع المحافظات السورية في أكتوبر/ تشرين الأول 2013 ، كما يقول لور شادراوي من برنامج الغذاء العالمي في بيروت. وفي الواقع كان ينبغي وصول المساعدات إلى أربعة ملايين شخص لكن لم يتم ذلك بسبب وجود عقبات أمام برنامج المساعدات. إذ تواجه المنظمة صعوبات في الوصول مثلاً إلى مدينة حلب في الشمال والحسكة في الشرق. وفي الشهر الماضي تمكن البرنامج من توزيع مئة ألف حصة مساعدات لأول مرة في حلب.
ويقول شادراوي في هذا السياق: "لأكثر من سنة ونحن نحاول توصيل المعونات الغذائية إلى ضواحي دمشق الجنوبية مثل داريا واليرموك ودوما وجوبر ولكن من دون أي نجاح". كما أن معونات منظمة الأمم المتحدة غير قادرة على الوصول إلى بعض المناطق داخل العاصمة. وهذه العقبات التي يتحدث عنها شادروي هي الحواجز ونقاط التفتيش الكثيرة التي تتعرض عندها شاحنات المعونة التابعة لبرنامج الأغذية العالمي للسلب والنهب.
نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد أكد يوم الاثنين (الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2013) أن حكومته ستعمل على ضمان وصول المساعدات الإنسانية لجميع السوريين. لكن عبد الرحمن مالك، وهو الصحفي الشاب من داريا، يشكك في ذلك ويقول: "لم تعد لدي أية ثقة في النظام" السوري.