أوسكار شندلر: الوجه الألماني المشرق إبان الحقبة النازية
٣١ يناير ٢٠٠٧ولد أوسكار شندلر في 28 أبريل 1908 في مدينة سيتاو من عائلة فلاحية بسيطة. ورغم تلقيه تربية مسيحية تقليدية محافظة، الا انه عرف عنه منذ صغر سنه انفتاحه على الآخرين. في سنة 1935 انضم إلى الحزب النازي في الوقت الذي بدأ فيه كوادر هذا الحزب بتشكيل العديد من معسكرات الاعتقال التي كانت تضم أعداداً كبيرة من البشر على رقعة صغيرة من الأرض، فسمّيت بذلك "معسكرات التجميع" وكانت لغرض سجن المعارضين السياسيين و اليهود والشيوعيين والبولنديين و أسرى الحرب و الغجر. وقد أجبر المعتقلون على العمل في المصانع الألمانية وخصوصا مصانع الأسلحة والذخيرة. ونظرا لحالة الكساد الذي شهدها الاقتصاد العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي والتي ألقت بظلالها على الاقتصاد الألماني أيضا، رغب شندلر ـ كأي رجل أعمال آخر يعيش ظروفا صعبة ـ في استغلال الحرب لتحقيق مكاسب مادية تعوضه عن حالة الإفلاس التي منيت به شركته. فتوجه الى الغيتو الذي كان يأوي أعدادا كبيرة من اليهود ليعرض عليهم نوعا من الشراكة الاستثمارية تمثلت في أن يقوم عدد منهم بالعمل في مصانعه تحت إشراف محاسبه آنذاك إتزاك ستيرن مقابل توفير المأوى والمأكل والمسكن لهم. وقد مكنته عضويته في الحزب النازي من توفير الغطاء الرسمي لنشاط مصنعه الخاص بإنتاج الأواني المعدنية.
شاءت الأقدار ان يكتشف شندلر أن حبه للنجاح والمال لم يفقده حبه للإنسان الذي يستحق الحياة بغض النظر عن جنسه أو عرقه. فبعد مشاهدته للأهوال التي مارسها أفراد الجيش الألماني بحق اليهود الأسرى في معسكر أوشفيتز، بدأ بالتعاطف معهم، فقرر بذل كل ما في وسعه من أجل العمل على إنقاذ حياة أكبر عدد مكن. ولم يجد رجل الأعمال الألماني من طريق أمامه سوى القيام بشراء أرواح ألف من اليهود العاملين لديه آنذاك، وأن يرسلهم إلى مصنع جديد اشتراه في تشيكوسلوفاكيا لينقذهم بذلك من الموت الأكيد.
شخصية شندلر لم تعد مجرد شخصية عظيمة لأنها أنقذت ألفاً من اليهود فقط، بل لأنها شخصية رفضت الجرائم التي ارتكبتها السلطة النازية ضد اليهود، فتعاطف شندلر كان مع الإنسان في حد ذاته بغض النظر عن ديانته أوجنسه. كما أن الأمر لم يتعلق بحادثة بعينها، أو بشخص بعينه، بل ارتبط بقضية إنسانية عامة، يمكن أن تتكرر في كل زمان ومكان. فاستحق بذلك شندلر أن يكون الوجه الألماني المشرق إبان الحقبة النازية، مؤكدا بذلك حقيقة مفادها أن النازية لا دين لها ولا وطن.
"قائمة شندلر": فيلم منح شخصية شندلر نوعا من الخلود
في سنة 1993 قدم المخرج ستيفن سبيلبرغ فيلما بعنوان "قائمة شندلر Schindler's List " مستندا في ذلك على كتاب حمل نفس العنوان وألفه توماس كينلي، ليخلد ويوثق المواقف البطولية لأوسكار شندلر. ويعتبر الفلم من الروائع السينمائية الخالدة، فقد حاز على 7 جوائز أوسكار من أصل 12 ترشيحا. وهو يحتل حالياً المرتبة التاسعة ضمن قائمة المعهد السينمائي الأمريكي لأفضل مئة فلم على مر العصور. وقد تم تصوير الفيلم فقط بالأبيض والأسود باستثناء مشهدين ظهر فيهما معطف أحمر وآخر ظهرت فيه شعلة الشموع بالألوان. وكانت رسالة الفيلم الأولي هي:" من أنقذ روحاً فقد أنقذ العالم بأسره"، وهي عبارة مقتبسة من التلمود.
توفي شندلر في 23 سبتمبر 1974 عن عمر يناهز 66 سنة.