أوروبا حلم آلاف السوريين للنجاة من جحيم الحرب
٢٨ يوليو ٢٠١٤تقول ريم أنها كانت تجلس في القارب لا تستطيع أن تحرك قدميها ولا أن تلتفت حولها من شدة الزحام على القارب الذي حملها وأفراد أسرتها، في رحلة دامت ثماني عشرة ساعة من سواحل ليبيا إلى شاطئ جزيرة لامبدوزا الإيطالية. تصف ريم الرحلة بأنها كانت صعبة جدا، أرضية القارب كانت دائماً مبتلة، وحرارة الشمس خلال النهار كانت حارقة. وبالرغم من وفرة الماء والغذاء إلا أنهم ظلوا طوال الرحلة بدون أكل أو شرب لعدم وجود دورات مياه.
وتقول ريم (اسم مستعار) البالغة من العمر 26 عاماً "لم أكن خائفة من رحلة البحر، لأن الخوف من المجهول كان أكبر"، مضيفة أنها تغلبت على الساعات الشاقة طوال الرحلة بالنوم، وساعدها على ذلك الإرهاق الشديد الذي كانت تشعر به والإحساس المستمر بالدوار من أمواج البحر العالية.
وبالرغم من العذاب الذي عانته ريم خلال رحلتها، إلا إنها ترى نفسها محظوظة مقارنة بمئات اللاجئين الذين فقدوا حياتهم غرقا خلال الرحلات البحرية المشابهة لرحتلها، دون أن يحققوا حلمهم بالوصول الى أوروبا. وتضيف بأنه بعد وصولها إيطاليا بفترة وجيزة وقع الحادث المأسوي في البحر المتوسط والذي حصد أرواح 400 من اللاجئين في شهر أكتوبر/ تشرين أول 2013 قبالة شاطئ مدينة لامبدوزا.
تروي ريم بابتسامة تفاصيل خروجها مع أسرتها من سوريا، تلك الرحلة التي استغرقت عشرة أشهر مروراً بخمسة بلاد الى أن استقرت أخيراً في ألمانيا نهاية العام الماضي 2013.
الحرب تدفع ملايين السوريين للهرب
قصة ريم وأسرتها ليست فريدة، فالحرب الأهلية في سوريا التي بدأت قبل أكثر من ثلاثة أعوام دفعت ما يقرب من ثلاثة ملايين سوري الى النزوح خارج البلاد هرباً من الإقتتال الذي أدى الى موت أكثر من 150 ألف شخص بحسب تقارير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد استقر أغلب اللاجئين السوريين في دول الجوار تركيا والأردن ولبنان بالإضافة إلى مصر، ووصل ألمانيا نحو 40 ألف لاجئ سوري، وتقدم 32 ألفا منهم حتى أبريل/نيسان 2014 بطلبات للحصول على اللجوء وفق ما أعلنته وزارة الداخلية الألمانية.
ريم كانت تعيش مع أسرتها في مدينة قطنة في ريف دمشق، وكانت بحسب قولها ميسورة الحال. ولكن المأساة بدأت حين قرر شقيقها أن يترك الخدمة في الجيش السوري لأنه لم يعد قادراً على الإنصياع لأوامر رؤسائه بالقتال، تقول ريم. وتضيف بأن حالة رعب انتابتهم بعد ذلك لأن "من ينشق عن الجيش يبحثون عنه ويداهمون بيته وبيت أهله. شعرنا بالخوف على العائلة وخصوصاً على أبي نظراً لكبر سنه".
لذلك آثرت الأسرة الرحيل. فسافرت ريم مع والديها وقررت إحدى شقيقاتها وزوجها وأطفالهم أيضاً الهروب والانضمام إليهم. في بداية الأمر انتقلوا الى مناطق أخرى داخل سوريا، ومنها سافروا إلى لبنان حيث مكثوا عند أقارب لهم. ولكنهم لم يستطيعوا تحمل تكاليف المعيشة الباهظة هناك فسافروا إلى مصر ومنها إلى ليبيا، حيث كان لريم شقيق آخر يعمل هناك بالتجارة. ولكن الحياة في ليبيا كانت شديدة الصعوبة ولا تطاق، وعندها طرحت فكرة الهجرة إلى أوروبا فتم التواصل مع مهربين عن طريق أصدقاء للأسرة في أوروبا.
ريم تبدأ حياة جديدة في ألمانيا
عند وصول ريم وأسرتها الى أوروبا كانت وجهتم الأساسية هي السويد، ولكن تبدلت خططهم بعدما قبضت عليهم السلطات الألمانية على الحدود بين ألمانيا وفرنسا. وتصف معاملة السلطات الألمانية لهم في البداية بأنها كانت شديدة الصلافة، ولكن تحسنت فيما بعد وتم إحضار موظفين سوريين للقيام بالترجمة.
بعد دراسة طلب اللجوء الى ألمانيا الذي تقدمت به أسرة ريم قضت المحكمة بمدينة نويس في ولاية شمال الراين ويستفاليا رفض الطلب، لكنها وافقت على منحهم تصريح للإقامة في ألمانيا لمدة ثلاث سنوات، تسمى بالإقامة الإنسانية نظراً إلى الأوضاع المضطربة في سوريا. ويتم أيضاً تقديم الدعم المادي عن طريق صندوق الإعانة الاجتماعية.
اليوم تقول ريم إنها سعيدة لأنها أخيراً وجدت الاستقرار والأمان في مدينة بون، حيث حصلت أيضاً على فرصة عمل في مجال مهنتها كمصصفة شعر، وتضحك عند ذكر اللغة الألمانية، إذ إن أكبر أحلامها أن تتقنها لتستطيع "التفاهم والتواصل مع الآخرين وتعزيز مكانتي في العمل".
وأعربت ريم عن سعادة عائلتها بقدوم بعض المتطوعين لمساعدة أولاد شقيقتها على تعلم اللغة الألمانية ومساعدتهم في دروسهم، ولكن تعلم لغة جديدة شيء صعب جدا بالنسبة لوالديها نظراً لكبر سنهما. وهي مسرورة بتحسن أحوالهم منذ وصولهم الى ألمانيا، إلا أنها تعلم أن وضعهم ما زال غير مستقر وهناك تخوف من المستقبل المجهول. ولايزال والداها قلقين على مصير شقيتها الأخرى التي لا تزال في سوريا وشقيقها المنشق، الذي لايزال هاربا في تركيا.