أوروبا تصارع الزمن لتجاوز تفكك منطقة اليورو
٢٧ يوليو ٢٠١٢حذر خبراء اقتصاد دوليون من أن أوروبا تتجه نحو الهاوية، وجاء في النداء الذي رفعه الخبراء الـ 17 أن "أوروبا تتجه نحو كارثة مجهولة الحجم". لكن الحكومة الألمانية رفضت تلك التحذيرات، وقالت إن الكثير تم إنجازه. من جانبها انتقدت المفوضية الأوروبية دور وكالات التصنيف الائتماني. وفوجئت منطقة اليورو الثلاثاء (24 يوليو/ تموز) بالتحذير الذي أصدرته وكالة موديز للتصنيف الائتماني الى ثلاث من دولها وفي مقدمتها ألمانيا، وذلك وسط النقاش الدائر بشأن التزام القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا تجاه دول جنوب القارة. وقررت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تخفيض توقعاتها للديون السيادية لكل من ألمانيا وهولندا ولوكسمبورغ من "مستقرة" إلى "سلبية". وتكون بذلك فتحت المجال لاحتمال فقدان هذه الدول الثلاث لتصنيفها الممتاز.
وردت حكومة برلين على موديز بلجهة حادة، إذ قالت وزارة المال ان "هذه التوقعات تضع خصوصا في الواجهة المخاطر على الأجل القصير، في حين أن آفاق الاستقرار على الاجل الطويل لم تذكر" ، واصفة الوضع الألماني بأنه "متين". من جهته أعلن رئيس مجموعة اليورو جان كلود يونكر في بيان أن "ركائز" الدول الثلاث المعنية سليمة. ويقول كريستيان شولتس خبير الاقتصاد في بنك برنبرغ إنه "من المستبعد ان ترتفع كلفة اقتراض المانيا" لان هذا البلد لا يزال يعتبر ملجأ في منطقة اليورو المضطربة. لكن شولتس أوضح أن تحذير موديز "يضعف استراتيجية الأزمة التي تنتهجها الحكومة الالمانية"، أول مساهم في خطط المساعدات.
اليونان حجر عثرة
واليونان هي المثال الأول على دول الجنوب التي تتلقى مساعدة مالية من دول شمال أوروبا، على رأسها ألمانيا. وفي الوقت الذي تبذل فيه حكومة المستشارة الألمانية أنغيلا مركيل الجهود الممكنة لمساعدة اليونان على استعادة عافيتها المالية والاقتصادية، قال وزير مالية ولاية بفاريا الألمانية إنه يتعين على اليونان مغادرة منطقة العملة الأوروبية الموحدة. وصرح ماركوس زودر في حوار مع القناة الثانية بالتلفزيون الألماني صباح الخميس (26 يوليو/ تموز) قائلا: "في النهاية سيصل الأمر إلى أن تضطر اليونان للخروج..". واعتبر أنه "من الممكن تحمل ذلك تماما"، وأنه لا بديل عن خروج اليونان من منطقة العملة الأوروبية الموحدة مضيفا: "لا تستطيع اليونان تطبيق الالتزامات المفروضة عليها للبقاء في المنطقة، وليس من المرجح ان تنجح في ذلك".
وأكد وزير مالية بفاريا، العضو في الحزب الاجتماعي المسيحي الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، أن "منطقة اليورو لن تصبح مستقرة دوليا بشكل دائم إلا إذا انضمت لشركاء أقوياء ولم تبق على الدوام في شراكة مع الضعفاء". ورفض زودر بشكل صارم إقامة صندوق أوروبي لتسديد الديون، وقال منتقدا لمن يدعون لإقامة مثل هذا الصندوق:"أي رجال اقتصاد هؤلاء الذين يقترحون إعطاء آخرين أموالا على الدوام بدون ضمانات؟". لكن الحكومة الألمانية أعلنت الجمعة أنها تبقى متمسكة بسياسة تقديم المساعدة لليونان.
الإفلاس المالي يهدد أيضا اسبانيا رغم المساعدة الأوروبية
تعهد ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي الخميس ببذل كل ما يلزم لإنقاذ اليورو، وذلك فى الوقت الذي تواجه فيه إيطاليا ارتفاعا جديدا فى تكاليف الإقراض. وتأتى تعليقات دراغى فى الوقت الذي باعت فيه إيطاليا بنجاح سندات بقيمة 5ر2 مليار يورو ( 3 مليار دولار)، ولكنه سيتعين عليها أن تدفع أعلى تكاليف إقراض على مدار ثمانية أشهر في ظل تصاعد المخاوف بين المستثمرين بشأن أزمة ديون منطقة اليورو.
لكن إسبانيا التي تواجه انعدام ثقة الأسواق لا تزال تبذل جهودا جبارة سعيا وراء الحصول على دعم من جانب شركائها، وتكثف اللقاءات من برلين الى باريس حيث أجرى وزير ماليتها لويز دو غيندوس محادثات الاربعاء مع نظيره الفرنسي بيار موسكوفيسي. وتبذل اسبانيا جهودا للتخفيف من التوتر الجديد المتصاعد الذي ضرب الأسواق المالية حيث قفزت معدلات فوائد الاقتراض الاسباني لعشرة أعوام إلى معدلات قياسية، واعُتبرت أنها لا تطاق.
وتحافظ ألمانيا حتى الآن على قرارها المتمثل في أن محفظة الـ100 مليار يورو كحد أقصى الممنوحة لاسبانيا لدعم قطاعها المصرفي كافية، وهذا على الرغم من القفزة المتواصلة في معدلات فوائد الاقتراض التي تدفعها مدريد.
اسبانيا قد تحتاج لمساعدة أوروبية على النموذج اليوناني
وعلى الرغم من النفي المتكرر من جانب المسؤولين الاسبان، يتسع حجم فرضية وضع خطة إنقاذ شاملة للبلد تتخطى المساعدة الممنوحة مؤخرا للمصارف الاسبانية. وتطرقت صحيفة "ال ايكونوميستا" الاسبانية الاقتصادية مؤخرا إلى خطة مساعدة بقيمة 300 مليار يورو تسمح لاسبانيا بتمويل العجز الذي تعاني منه خلال سنة ونصف السنة على الأقل. وتوقعت اسبانيا هذه السنة أن تقترض نحو 86 مليار يورو، ويبقى عليها ان تجد 27 مليارا أخرى قبل كانون الاول/ديسمبر للوفاء باستحقاقاتها، لكنها تحتاح إلى أكثر من ذلك إذا أخذنا في الحسبان حاجات مناطقها وتمويل عجز اكبر مما هو متوقع.
وفي هذه الحال، فان الفاتورة تصل إلى قرابة 50 مليار يورو. ومع معدلات فوائد باتت تتجاوز بشكل كبير نسبة 5,7 في المائة، سيتعين عليها أن تدفع سعرا باهظا أو أن تحسم أمرها وتطلب مساعدة الأوروبيين.
ويأتي توتر الأسواق تجاه اسبانيا في هذه الفترة الصيفية أيضا على خلفية مخاوف متنامية بشان المستقبل الأوروبي لليونان. وفي هذا السياق أعلن رئيس الوزراء اليوناني انطونيس ساماراس الثلاثاء (24 يوليو/ تموز) أن "بعض المسؤولين الأجانب يقولون إن اليونان لن تحقق أهدافها، إنهم ينسفون الجهد الوطني، في حين نقوم بكل ما في وسعنا لكي يبقى البلد واقفا".
أزمة اليورو تؤثر على دول الضفة الجنوبية للبحر المتوسط
بما أن اقتصاديات دول المغرب العربي مرتبطة بالاقتصاديات الأوروبية، نجد أن وزير الاقتصاد والمالية المغربي نزار البركة قد دعا الاتحاد الأوروبي الى جعل المغرب وجيرانه من دول جنوب البحر المتوسط "جزءا من حل الأزمة الاقتصادية لمنطقة اليورو". وقال الوزير خلال ملتقى اقتصادي بمدينة الدار البيضاء الاثنين إن "المغرب ودول جنوب البحر الأبيض المتوسط هي جزء من حل الأزمة الاقتصادية لمنطقة اليورو، وليس عائقا كما يحاول بعض المسؤولين الأوروبيين الترويج لذلك".
وأضاف انه "حان الوقت لتنظر إلينا الدول الأوروبية كطرف أساسي في إنتاج القيمة، وكضرورة لتحسين تنافسيتها العامة في مواجهة الاقتصاديات الصاعدة".
محمد المزياني
مراجعة: هبة الله إسماعيل