بين " أنا شارلي" و "أنا لست شارلي"
١٢ يناير ٢٠١٥بعد مرور أقل من أسبوع على حادثة الاعتداء الإرهابي على صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة تواصل وسائل الإعلام مواكبتها لهذا الحدث، سواء في وسائل الإعلام التقليدية أو على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث يطغى موضوع الاعتداء على غيره من المواضيع الآنية. وتواجه حملة "أنا شارلي" التي استقطبت الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي حملة أخرى تحت شعار "أنا لست شارلي" فقسمت مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى مواقف مختلفة وساهمت في إثارة جدل ونقاشات حادة.
أنا شارلي، ولكن...
بعد حملة التضامن الواسعة مع ضحايا المجزرة "أنا شارلي" ، بدأت نقاشات ومواقف خرجت عن هذا التضامن ولو بشكل جزئي فذكرت مثلا بعضها: "أنا شارلي، أنا ضد القتل ولكن ضد خط الصحيفة الفرنسية". وغرد آخرون خارج السرب تماما فقالو "أنا لست شارلي" ردا على شعار التضامن العفوي الأول "أنا شارلي". وفي الوقت الذي يشير فيه هذا الشعار إلى اتفاق العديد مع رسالة الصحيفة الساخرة تذهب أصوات أخرى -اعتُبرت متطرفة- إلى أن الصحيفة "حصدت ما زرعته من استفزازات مستمرة ضد المسلمين". كما استعمل البعض شعارات أخرى مثل "أنا رائف" (في إشارة إلى المدون السعودي رائف البدوي الذي تعرض للتعذيب في السعودية) أو "أنا طفل سوري يموت من البرد" وغيرها من الشعارات.
ويرى معطي قبال الكاتب الصحفي المغربي والمسؤول في معهد العالم العربي في باريس أن حملة التضامن الواسعة مع الصحيفة تعود إلى المكانة العاطفية التي يحظى بها هؤلاء الصحفيون الضحايا، إذ أن جيلا كاملا من الفرنسيين كبر مع رسوماتهم التي كانت تنشر في وسائل إلعلام كثيرة، إضافة إلى أن الاعتداء استهدف حرية التعبير.
أما الحملات التي ظهرت على هامش "أنا شارلي" فيقول قبال في حوار أجرته معه DWعربية "من الطبيعي أن يتم توظيف هذه الحملة من أجل خدمة أهداف أخرى. فالشعار انتشر كثيرا ومن الطبيعي أن يتم استخدامه للمطالبة بحقوق معينة وهذا لا يعني بالضرورة أن من قاموا بذلك ليسو متفقين مع الشعار الأول. فمن الطبيعي أن يختلف تناول هذه القضية وتحليلها حسب الانتماء الجغرافي والسياسي وحسب الأولويات أيضا، لذا ليس من المستغرب أن نرى في الأيام المقبلة شعار "أنا لست داعش".
"السخرية قنبلة في المجتمعات الإسلامية"
في وسائل الإعلام أيضا تباينت المواقف. معظم المنابر الإعلامية الدولية تعاملت مع الحدث باهتمام كبير وتناولت الموضوع انطلاقا من المواقف المطلقة لحرية الرأي بينما ركزت أخرى على ما وصفته ب " الاستفزازات التي مارستها الصحيفة ومواقفها التي اعتبرها البعض مسيئة للمقدسات الإسلامية". في فرنسا يقول معطي قبال إن وسائل إعلام قليلة فقط أخذت موقفا متحفظا من الحدث بينما انخرط معظمها في "فكرة الوحدة"، ويقول بهذا الخصوص "من الطبيعي أن تختلف معالجة الموضوع من وسيلة إعلام لأخرى. فالموضوع يتعلق بعملية إرهابية في قلب باريس وفي مقر صحيفة لطالما كانت موضوع خلاف بين الغرب والعالم الإسلامي".
حادثة شارلي سلطت الضوء أيضا على التعاطي مع جنس الصحافة الساخرة أو السخرية بشكل عام. السخرية يصفها قبال بأنها "قنبلة في المجتمعات الإسلامية، لأن الزعماء السياسيين يحيطون أنفسهم بالقداسة ويمنعون السخرية عنهم". ونأخذ هنا "مثال الفنان السوري علي فرزات الذي قطعت أنامله بسبب رسوماته". ورغم أن الخبير المغربي يعتبر أن فن السخرية والكاركاتير بشكل خاص مازال حديثا على العالم العربي وفيه الكثير من الارتجال، إلا أن له خطوطا حمراء تتمثل أساسا في "الثالوث المحرم: الجنس والدين والسياسة". أما في الغرب فيرى قبال أن هناك حرية أكبر لكن توجد أيضا خطوط حمراء " أبرزها الحياة الشخصية للناس، والديانة اليهودية بسبب الهولوكست".
قرار المغرب "مزايدة مجانية"
مسيرة باريس المليونية المناهضة للإرهاب نالت أيضا نصيبها من المتابعة والاهتمام إعلاميا. صور القادة الأوروبيين مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وفي الصف نفسه الرئيس الإسرائيلي نيامين نتانياهو أثارت جدلا لا يقل عن الجدل الذي أثاره قرار المغرب (الصديق التقليدي لفرنسا) بمقاطعة المسيرة بسبب حمل الرسوم المسيئة للرسول خلالها، كما أثار حضور بعض الدول في مسيرة مناهضة للإرهاب استغرابا واستياءا بسبب ما اعتبره البعض تورط تلك الدول في انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب.
ولقي حضور عباس ونتنياهو جنبا إلى جنبا في المسيرة ترحيبا من سياسيين أوروبيين، لكن قبال انتقد إشراك إسرائيل في المسيرة نظرا "لانتهاكات حقوق الإنسان المنسوبة لها والاتهامات الموجهة لها من طرف الفلسطينيين بارتكاب جرائم حرب". كما ينتقد الخبير المغربي قيام فرنسا "التي تتبجح بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان باستقبال دولة مثل السعودية في مسيرة للسلام، في وقت تقوم فيه المملكة بجلد مواطنيها مثل رائف بدوي بسبب آرائه".
موقف المغرب المقاطع للمسيرة كان بارزا، وأثار بعض الاستغراب، رغم أن المغرب أعلن الأسباب الرسمية لموقفه الرافض ل "حمل الرسوم المسيئة للرسول في المسيرة"، لكن قبال يرى أن الأسباب الحقيقية أعمق من ذلك: "العلاقات المغربية الفرنسية حاليا في حالة شد وجذب. في اعتقادي الخاص قرار المغرب يشرح الفتور الذي يطغى حاليا على العلاقات بين البلدين منذ شهور على خلفية عدد من التطورات والأحداث. لكن "برأي ما قام به المغرب هو مزايدة مجانية كان في غنى عنها وستنعكس على صورته".