أمريكا تبحث عن مخرج من "مستنقع العراق" ولو بالتعاون مع "محور الشر"
١٣ نوفمبر ٢٠٠٦في الوقت الذي يضغط فيه الديمقراطيون، الذين أصبحوا بفضل الفوز الكاسح في الانتخابات الأخيرة يشكلون الأغلبية في الكونجرس الامريكي، باتجاه انسحاب القوات الأمريكية من العراق، تزداد وتيرة العنف في ظل غياب أية بوادر للاستقرار الأمني والسياسي في هذا البلد المنكوب. في هذا السياق قال الديمقراطي كارل ليفين، الذي سيصبح في كانون الثاني/يناير رئيسا للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، لشبكة "اي بي سي" "نحن بحاجة لبدء مرحلة انسحاب القوات من العراق في خلال أربعة الى ستة اشهر"، مشيرا الى ان الوجود العسكري الامريكي في العراق "ليس بلا نهاية". وأكد ليفين بان الحل في العراق "لا يمكن الا ان يكون سياسيا وعلينا ان نضغط على قادة العراق" لكي يجدوا ذلك الحل. من جانبه أكد السناتور الديمقراطي جو بيدن، الذي سيصبح مجددا رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الشيوخ، ان الكونغرس الجديد سيمارس الضغط على القادة العراقيين لكي يوزعوا عائدات النفط بشكل متساو ويقيموا نوعا من الفدرالية ويتفاوضوا مع الميليشيات ويعملوا في سبيل عقد مؤتمر دولي.
إستراتيجية أمريكية جديدة أم تغيير في التكتيك؟
وفي سعيه لإيجاد حلول لمآساة العراق، سيستقبل الرئيس الامريكي بوش اليوم الاثنين (13 نوفمبر/كتنون الثاني 2006) في البيت الأبيض اللجنة الأمريكية بخصوص العراق والتي تشكلت بمبادرة من الكونغرس ويترأسها وزير الخارجية السابق جيمس بيكر والنائب الديموقراطي السابق لي هاملتون. ومن المتوقع ان تقترح المجموعة التي ستنشر تقريرها في الأشهر المقبلة انسحابا تدريجيا من العراق وبدء محادثات الجارتين سوريا وإيران، وهما العدوان اللدودان للولايات المتحدة في المنطقة، للحصول على مساعدتهما في إحلال الاستقرار في العراق. من جانبها أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الاميركية الجنرال بيتر بايس انها تدرس تغيير الاستراتيجية في العراق، وقد شكلت مجموعة عمل داخل قيادة الجيوش الأمريكية من استراتيجيين اكتسبوا خبرة في العراق كُلفوا بتقديم أفكار جديدة، حسب مصادر البنتاغون. يأتي ذلك بعد استقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، الذي قال عنه كينيث ادلمان، أحد أقرب المساعدين السابقين له، بأن رامسفيلد كان في الأشهر الأخيرة ينكر تماما الواقع المأساوي في العراق.
لكن البيت الأبيض يؤكد على ان الإدارة الأمريكية مستعدة لإدخال "تعديلات على المسار" في العراق، لكنها لم تغير هدفها الأساسي "بارساء الديمقراطية والاستقرار فيه"، حسب تعبير جوشوا بولتين، كبير موظفي البيت الأبيض. واضاف المسئول الأمريكي في مقابلة مع شبكة "سي.ان.ان" قائلا بأن الرئيس بوش كان دوما مهتما بالتعديلات التكتيكية، لكن الهدف الأساسي لم يتغير ألا وهو" النصر في العراق". وأقر بولتين بأن الوضع في العراق الآن لا يسر أحدا وبات "من الواضح أن الوقت قد حان لرؤية المشكلة من منظور جديد". وأضاف أن روبرت جيتس، المرشح الذي اختاره بوش ليحل محل وزير الدفاع المستقيل دونالد رامسفيلد، سيقدم هذا المنظور. هذا ويواجه بوش الذي يزداد تدني معدلات التأييد الشعبي له مشهدا سياسيا مختلفا تماما بعد أيام من نجاح الديمقراطيين في انتزاع السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ من الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.
موقف المانيا والإتحاد الأوروبي لم يتغير
وفي ظل التكهنات بأن واشنطن قد تطلب مجددا من أوروبا وألمانيا المساعدة في العراق، قال المتحدث بإسم الحكومة الألمانية، توماس شتينج، بأن بلاده يمكنها توسيع برنامجها الخاص بتدريب حرس الحدود العراقيين، لكنه لم يعط أية إشارة بشأن بحث مسألة إرسال قوات الى العراق. واضاف شتيج انه يتعين على الحكومة العراقية ان تطلب رسميا المزيد من المساعدة من المانيا، غير انه ربط الحصول على المزيد من المساعدة بضرورة تحسن الوضع الأمني هناك. هذا وكان الرئيس الألماني هورست كولر قد وجه اللوم للدول الأوروبية لعدم بذلها المزيد للمساعدة في تحقيق الاستقرار بالعراق. وقال كولر في تصريحات لصحيفة فرانكفورتر روندشو بأن الحرب أدت الى كارثة "ولكننا لا نستطيع الجلوس فحسب والقول بأنها مشكلة الأمريكيين. هذا سيكون من الغباء وقصر النظر والغطرسة"، مضيفا "لا نستطيع السماح بانزلاق المنطقة الى حالة من الفوضى. لنا مصلحة مباشرة وأكيدة في الحيلولة دون حدوث ذلك". ولم يقترح كولر ان ترسل المانيا قوات الى العراق، وهو اجراء استبعدته ميركل مثل سلفها جيرهارد شرودر. ومن المعروف ان منصب الرئيس في المانيا هو منصب شرفي بدرجة كبيرة وبالتالي فان صلاحياته محدودة، لكنه يستطيع التأثير الحكومة من خلال التأثير على الرأي العام الداخلي. هذا وأبدت الأحزاب الألمانية تحفظا إزاء دعوة الرئيس الألماني كولر. في هذا السياق قال يورجن تريتين السياسي في حزب الخضر الألماني بان لا أحدا يمكن ان يقول بانه سوف يرسل جنوده الى العراق في ظل الوضع القائم هناك.
اما على المستوى الأوروبي فإنه وفي الوقت الذي يتوقع فيه البعض حدوث تغير في السياسية الأمريكية في العراق، الامر الذي قد يمهد الطريق لدور أوروبي أكثر فاعلية، الا ان حجم هذا التغيير لا يزال غير واضح ومن ثم أيضا تاثيره على العلاقات بين ضفتي الأطلسي. في هذا السياق توقع مصدر دبلوماسي أوروبي ان السياسة الأمريكية في العراق ستتغير بشكل او بأخر، لكن، والكلام للدبلوماسي الأوروبي، ينبغي الانتظار لمعرفة ما اذا كان هذا التغيير سيكون جوهريا وما حجم تاثيره على المواقف الأوروبية. وتعتقد نكول نيوسوتو، مديرة معهد الدراسات الأمنية للاتحاد الأوروبي وهي مؤسسة ابحاث مستقلة انشأت في إطار سياسة المجلس الأوروبي للدفاع والأمن ومقرها باريس، ان هذا الانتظار لا ينبغي ان يكون طويلا: وأضافت "قبل تقييم مشاركة الأوروبيين المحتملة في العمل على تحقيق الاستقرار في المنطقة ينبغي أولا رؤية ما ستفعله واشنطن" مضيفة "لكن ينبغي معرفة ذلك سريعا".
يشار في هذا السياق أن بروكسيل تستضيف اليوم اجتماعا لوزراء الخارجية والدفاع الأوروبيين لمناقشة قضايا هامة على رأسها الوضع في العراق وأفغانستان، الا انه من المستبعد أن يتم اتخاذ قرارات ملموسة الآن. وبعد انتهاء الاجتماع سيغادر وزير الدفاع الألماني يونج الى الولايات المتحدة للاجتماع بالمسؤولين العسكريين.