ألمانيا أمام معضلة "الأطفال الجهاديين"
٢١ فبراير ٢٠١٩ما الذي يمكن فعله حينما يستحوذ الإرهابيون على عقول أطفال أبرياء؟ كيف يمكن لمجتمع جعل من حماية الطفولة قيمة لا تقبل الانتهاك، أن يتعامل مع من قد يصبح "قنابل موقوتة" تهدد الأمن العام؟ تفيد بيانات استخباراتية أن ما لا يقل عن 1050 من الجهاديين الألمان سافروا إلى سوريا والعراق منذ عام 2013، فيما تقدر نسبة العائدين منهم بنحو الثلث. وحسب نفس البيانات، يتواجد حالياً في كل من سوريا والعراق حوالي 270 امرأة وطفلاً يحملون الجنسية الألمانية، لا تتجاوز أعمار الثلثين منهم، ثلاث سنوات.
ناقوس الخطر دقته تغريدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعا فيها الأوروبيين لاستعادة جهادييها في سوريا وتقديمهم للعدالة. تغريدة خلقت حالة من الارتباك في العواصم الأوروبية، حيث تراوحت ردود الفعل بين الرفض والتحفظ. فمن الناحية القانونية المحضة، يحق لكل مواطن ألماني العودة لبلاده، كما أن حماية الدولة والمجتمع للأطفال تعتبر من الحقوق الأساسية. غير أن برلين وجدت نفسها في وضع لا تحسد عليه، فبالإضافة إلى قلق الرأي العام بعد العمليات الإرهابية التي هزت البلاد في السنوات الأخيرة، فإن السلطات المختصة ترى في أنصار "داعش" تهديداً للأمن القومي. نبيل يعقوب، الناشط في المجتمع المدني وخبير شؤون الهجرة والتطرف في ألمانيا، أوضح في حوار مع DW عربية أن "أطفال الجهاديين، كما جميع الأطفال في العالم، لا يتحملون مسؤولية أفعال أبائهم وأمهاتهم. والواجب يقضي بحمايتهم برسم سياسة اجتماعية تضمن لهم الرعاية والاندماج، فقد يكونوا عرضة لاضطرابات نفسية بسبب ما عاشوه في مناطق الحروب".
تحديات قانونية
تدرس الحكومة الألمانية في الوقت الراهن الجوانب القانونية لعودة الجهاديين الألمان وسبل تقديمهم أمام العدالة. وسيكون من الصعب جمع أدلة تثبت تورطهم في أعمال وحشية في مناطق الصراعات، إضافة إلى عدم امتلاك ألمانيا لأي تمثيل قنصلي في سوريا. ولتفادي هذا المطب القانوني، دعا يوآخيم هيرمان، وزير داخلية ولاية بافاريا، لسحب جوازات السفر من الجهاديين الألمان الذين يحملون أكثر من جنسية والذين جرى أسرهم خلال العمليات القتالية. لكن هذه الدعوة لم تلق لحد الآن آذاناً مصغية بشكل كاف. لكن ماذا عن معضلة أطفال الجهاديين؟
في هذا الصدد، دعا هربرت رويل، وزير داخلية ولاية شمال الراين وستفاليا، لتقديم دعم ورعاية خاصة بمجرد عودتهم إلى ألمانيا. وأوضح الوزير في تصريح لمجموعة "فونكة" الإعلامية الخميس (21 فبراير/ شباط 2019) بالقول: "حينما يعود الأطفال الذين تطرفوا، فإن ذلك يضع الساسة في بلادنا أمام تحديات كبيرة". ويذكر أن لهربرت رويل تجربة غنية اكتسبها بتدبيره لبرامج إعادة إدماج الجهاديين السابقين.
داعش وصناعة "الأطفال ـ القنبلة"
صحيفة "برلينر مورغنبوست" نشرت مقالاً تحليلياً في عددها الصادر اليوم تناولت فيه معضلة "الأطفال القنبلة"، وروت فيه قصة "ياسمين أو" من مدينة هامبورغ، التي اختارت طريق الجهاد بعدما التحقت بشريك حياتها الجديد آنذاك في سوريا، برفقة ابنها جبريل (تسع سنوات) الذي أجبر على قضاء أربع سنوات تحت إمرة تنظيم "داعش". أربع سنوات من غسل الدماغ من قبل "دولة الخلافة" بعنفها وبطشها الأيديولوجي. وبعدما اندثر الوهم والسراب وفشل المشروع الإرهابي، عادوا من جديد إلى ألمانيا واضعين المجتمع في حيرة وأمام تحديات غير مسبوقة.
قصة جبريل ليست معزولة، ورغم أن الاستخبارات الألمانية تفترض أن أطفال ونساء الداعشيين الألمان لم يشاركوا، بشكل عام، في الأعمال القتالية في سوريا، وهي معطيات تم استنتاجها من خلال ملفات 110 جهادي عادوا إلى ألمانيا. غير أن عدم المشاركة في القتال لا تعني انعدام المخاطر، فالخبراء الألمان حذروا من ظهور جيل كامل من الجهاديين. فإذا كان الأطفال ضحية غسيل دماغ أيديولوجي، فلا يجب أن يتحولوا إلى جهاديين.
من حق الجهاديين الألمان العودة..ولكن!
طالبت الخبيرة الألمانية في مكافحة التطرف الإسلامي، كلاوديا دانتشكه، في حوار مع شبكة "دويتشلاند" الألمانية الإعلامية باستعادة الجهاديين الأوروبيين من سوريا بقولها: "من الأفضل إيداع مقاتلي الدولة الإسلامية السابقين السجن هنا في ألمانيا على أن يبقوا طلقاء في سوريا وتركيا، أو أن يكونوا هدايا بيد الأسد". وبررت الخبيرة، التي ترأس مركز مكافحة التطرف "حياة" في برلين بأن ذلك يوفر "فرصة لإعادة إدماجهم في المجتمع". كما حذرت الخبيرة من أي "أحكام مسبقة" بحق أطفال "داعش" العائدين من العراق وسوريا: "الأطفال هم أول الضحايا ويجب علينا العمل على ألا يتحولوا إلى إرهابيين". ودعت دانتشكه إلى إنشاء شبكة بين مكتب شؤون الشباب والمدارس ورياض الأطفال ومكتب العمل، ذاهبة إلى أن إرهابيي "داعش" الألمان اتجهوا إلى التطرف في ألمانيا ومن واجب المجتمع الألماني القضاء على خطر التطرف.
وذهب نبيل يعقوب، العضو السابق أيضاً في المنظمة العربية لحقوق الإنسان، في نفس الاتجاه بالقول لـDW عربية: "لابد من الاهتمام بإدماج هؤلاء الأطفال وآبائهم وأمهاتهم الذين قد يكونوا شاركوا في أعمال عنف غير إنسانية. عملية الإدماج يجب أن تتم بصبر ولكن أيضاً بحزم".