ألمانيا وحقبة ما بعد ميركل.. كيف ستكون العلاقة مع واشنطن؟
١٣ أكتوبر ٢٠٢١عقب إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن انتهاء التدخل العسكري في أفغانستان في 31 أغسطس/ آب، شدد على أن الأمر ليس فقط يتعلق بحرب أمريكية امتدت لأكثر من عشرين عاما في أفغانستان، بل أن الأمر يتجاوز ذلك.
وفي غضون ذلك، قال بايدن "هذا القرار بشأن أفغانستان لا يتعلق بهذا البلد فقط وإنما يتعلق الأمر بإنهاء حقبة من العمليات العسكرية الكبرى كانت ترمي إلى إعادة تشكيل بلدان أخرى".
ورأى مراقبون أن هذا الإعلان يعد بمثابة إعادة تقييم واشنطن لدورها على الساحة الدولية خاصة في ظل تأكيد بايدن على ذلك بقوله: "بينما نطوي صفحة السياسة الخارجية التي وجهت أمتنا خلال العقدين الماضيين، يجب أن نتعلم من أخطائنا." وأضاف "لقد وضعنا مهاما ذات أهداف واضحة وقابلة للتحقيق وليست أهدافا لا يمكننا تحقيقها على الإطلاق".
وإزاء ذلك، اعتبر جوناثان كاتس - المسؤول في صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة ـ أنه بات بديهيا التوقف عن الاعتقاد بأن أمريكا لا تزال بمثابة "شرطي العالم" بعد أن حدد بايدن أولويات جديدة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وأضاف أن "اعتبار واشنطن شرطي العالم أمر عفا عليه الزمن بمعنى أن مشاركة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي في الوقت الحالي بات جوهره ما تعتبره واشنطن وإدارة بايدن وحلفاؤها أهم القضايا".
المصالح أهم من القيم الأمريكية
وأثارت اللقطات البائسة لأفغان يحاولون الفرار من بلادهم في مطار كابول إبان الانسحاب الأمريكي، الجدل في الولايات المتحدة حيال الدور المستقبلي لواشنطن على الساحة الدولية. وتزايدت حدة هذا الجدل مع مقارنة الشكل المتعجل للانسحاب من أفغانستان مع ما حدث في فيتنام وما قد يتسبب فيه من تراجع مماثل للسياسة الخارجية الأمريكية في المستقبل كما كان الحال عقب الانسحاب من فيتنام.
من جانبه، يرى ايان بريمر- مؤسس مجموعة "أوراسيا" لاستشارات المخاطر السياسية – أنه يتعين على العالم بأسره الاستعداد لشكل جديد لانخراط أمريكي على الساحة الدولية. وأضاف "اعتمد العالم على مدى الخمسين عاما الماضية على شكل محدد من القيادة من جانب الولايات المتحدة باعتبارها أقوى دولة في العالم، لكن من غير المرجح أن يستمر الأمر" كذلك.
وأشار بريمر إلى أن الدور الذي لعبته الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول لم يعد يحظى بدعم كبير من الشعب الأمريكي إذ بات كثيرون يعتقدون أن التحالفات الأمريكية مع الدول الأخرى يجب أن تستند على أسس أخرى إلى جانب القيم المشتركة.
وقد تجلى ذلك في نتائج أحدث استطلاعات الرأي إذ أشار استطلاع أجراه مركز الأبحاث الأمريكي "بيو" في يونيو/ حزيران الماضي إلى أن 57٪ من الأمريكيين يعتقدون أن النموذج الأمريكية للديمقراطية "كان نموذجا جيدا في الماضي، لكن لم يعد كذلك في السنوات الأخيرة" فيما أكدت نسبة 23٪ أن هذا النموذج لم يكن جيدا على الإطلاق.
وفي ذلك، قال دامير ماروسيك - زميل بارز بمركز "المجلس الأطلسي" البحثي بواشنطن - إن هناك "جمهورا متزايدا في الولايات المتحدة لم يعد يدعم مثل هذه الحروب الرامية إلى إحداث تغيرات في بلدان أخرى".
أما كاتس، فيرى أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان بمثابة فرصة لتغيير الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة والتركيز بشكل أكبر على مواجهة روسيا والصين.
التركيز على التعاون الأمني
وكان لمثل هذه التغيرات أصداء في القارة الأوروبية إذ يقوم زعماء التكتل الأوروبي بإعادة تقييم المشهد الدولي حيث يُتوقع أن يتسم بدور أمريكي أقل.
وفي هذا السياق، قال ستيفن بيرينج - أستاذ السياسة الدولية والعلاقات عبر الأطلسي في جامعة ريغنسبورغ- "لقد بات الساسة في ألمانيا وأوروبا يدركون مرة أخرى مدى اعتمادهم الكبير على الولايات المتحدة".
وأضاف أن هذا الأمر أثار دعوات لتعزيز التعاون العسكري بين بلدان الاتحاد الأوروبي وهو ما أشار إليه رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في كلمته الافتتاحية في منتدى "بليد" الاستراتيجي في سلوفينيا مطلع سبتمبر / أيلول الماضي. وقال ميشال "أوروبا بصفتها قوة اقتصادية وديمقراطية عالمية، هل يمكنها أن تقبل بوضع لم تتمكن فيه من إجلاء رعاياها من دون طلب المساعدة؟"
وفي مقال رأي في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، دعا جوزيب بوريل - الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ـ إلى ضخ المزيد من الاستثمارات لتعزيز القدرات والإمكانيات الأمنية.
وكتب "تم تحديد توقيت وطبيعة الانسحاب (من أفغانستان) في العاصمة الأمريكية. وجدنا أنفسنا كأوروبيين نعتمد على القرارات الأمريكية ليس فيما يتعلق بعمليات الإجلاء من مطار كابول فحسب، ولكن أيضا على نطاق أوسع".
لم يقتصر الأمر على الجانب الأوروبي بل وصلت أصداء ذلك إلى داخل ألمانيا إذ شدد أرمين لاشيت - زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي ـ في مقابلة صحافية على أنه يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي "قادرا على التصرف والتحرك من دون الشريك الأمريكي".
الجدير بالذكر أن تعزيز التعاون العسكري بين بلدان الاتحاد الأوروبي ليس بالأمر الجديد، لكنه ورغم ذلك لم يحقق نجاحا ملموسا حيث طرحت في عام 2007 فكرة تكوين قوة قوامها نحو 1500 جندي لكن لم تنفذ لأسباب سياسية ومالية. وعلى ضوء الانسحاب الأمريكي، تجدد النقاش بشأن إنشاء "جيش أوروبي موحد" من الجديد.
أزمة الغواصات.. دليل آخر
ولا يمكن الحديث عن شكل العلاقة بين الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية دون التطرق إلى أزمة صفقة الغواصات النووية والاتفاق الذي سيحصل الجيش الأسترالي بموجبه على ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية من أمريكا بدلا من الغواصات الفرنسية.
وبموجب هذا الاتفاق الجديد، ألغت أستراليا عقدا أبرمته عام 2016 بقيمة 66 مليار دولار أمريكي مع مجموعة "نافال غروب" الفرنسية لبناء 12 غواصة تقليدية تعمل بالديزل والكهرباء تحت اسم "أتاك كلاس".
الغضب الفرنسي وصل إلى وصف وزير خارجيتها جان إيف لودريان إعلان أستراليا فسخ العقد بمثابة "طعنة في الظهر".
وفي ذلك، أشار الخبير في السياسية الدولية نوح باركين إلى أن الرغبة المتزايدة والمندفعة لدى كبار مسؤولي مجلس الأمن القومي الأمريكي لتحقيق فوز كبير لبايدن بعد الإحراج التي حدث في أفغانستان، قد "أدى إلى اهتمام أقل بكيف سيكون مردود ذلك على الحلفاء الآخرين للولايات المتحدة."
العلاقة المستقبلية بين أمريكا وألمانيا
يشار إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بقرابة 36 ألف جندي في ألمانيا فيما ألغى بايدن خطة سلفه دونالد ترامب لإعادة نشر 12 ألفا من هذه القوة في أماكن أخرى. وفي أبريل / نيسان الماضي، أعلنت إدارة بايدن تعزيز هذه القوة العسكرية في ألمانيا بقرابة 500 جندي إضافي.
وفيما يتعلق بالتحالف بين ألمانيا والولايات المتحدة من جهة والتحالف بين ألمانيا والصين، يرى الكثير من الألمان أن الصين باتت الشريك الأول إلى جانب الولايات المتحدة لبلادهم خارج أوروبا.
ورغم أن الصين بات شريكا تجاريا هاما لألمانيا، إلا أن العلاقة بين برلين وبكين لا يمكن أن تحل محل العلاقة بين ألمانيا والولايات المتحدة، وفقا لما أشار إليه كلاوس شواب - المؤرخ والأستاذ في جامعة "آر دبليو تي أتش آخن" الألمانية.
وقال إن استراتيجية الصين الأمنية فضلا عن نظامها السياسي يجعلان من المستحيل أن تكون العلاقة التي تربطها بألمانيا على قدم المساواة مع كانت عليه علاقاتها مع الولايات المتحدة.
بيد أن كاتس يرى أن الحكومة الألمانية المقبلة يتعين عليها تحديد أولوياتها الخارجية بشكل أوضح فيما تسعى إدارة بايدن إلى تحديد من في شركائها الأوروبيين يمكنه التناغم في نهجها الجديد.
وأضاف "سيتم تشكيل قيادة جديدة في ألمانيا هذا الخريف وسيخوض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتخابات جديدة فيما لا تزال بريطانيا تتعاطى مع تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي.. كل هذا يشير إلى أنه من الصعب العثور على قادة في الوقت الحالي يكونوا على تناغم مع إدارة بايدن".
إيان باتسون/ م.ع