ألمانيا وتصدير السلاح.. هل يصمد الأخلاقي أمام ضغط الاقتصادي؟
٢٨ مارس ٢٠١٩تزداد الأمور تعقيداً بالنسبة لألمانيا بعد قرارها بوقف تصدير السلاح إلى المملكة العربية السعودية بسبب حجم الدمار الهائل والكارثة الإنسانية التي وقعت في ذلك البلد الفقير نتيجة الحرب ثم واقعة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول. بيد أن القرار الألماني تسبب في أزمات داخلية وخارجية منها السياسي ومنها ما قد يتطور إلى الاقتصادي.
ألمانيا.. وخلاف عميق مع الشركاء
ويقول هارالد كويات الخبير العسكري والمفتش اﻟﻌﺎم اﻷﺳﺒﻖ ﻟﻠﺠﻴﺶ الألماني في حديثه لـ DW عربية إن اختلاف قواعد تصدير السلاح بين ألمانيا تعتمد قواعد متشددة في مقابل قواعد أكثر تساهلاً في فرنسا وبريطانيا ما تسبب في الكثير من العوائق للتعاون الاقتصادي والعسكري بين هذه الدول.
الأمر نفسه أكد عليه الدكتور غونتر ماير خبير شؤون الشرق الأوسط وأستاذ العلوم السياسية في جامعة يوهانيس غوتنبرغ ماينتس، والذي أضاف لــ DW عربية قائلاً إن "لدى فرنسا وبريطانيا التزامات وعقود تسليح مع السعودية كما أنهما من أكبر مصدري السلاح للسعودية، فنحن نتعامل هنا مع أمر سياسي واقتصادي وعسكري شديد التعقيد وبسبب ذلك قد يتوقف إنتاج الطائرة التي تنتج ألمانيا أجزاء هامة منها وتتعقد الأمور أكثر مع تلك الدول".
ويضيف ماير بأن الأمر يتعلق باقتصاديات عسكرية ضخمة وإن طال أمد وقف تصدير السلاح الألماني للسعودية لستة أشهر أخرى فهذا قد يعني أن البريطانيين والفرنسيين قد يعانون بشدة، ولذلك ووفق هذه الظروف تمارس كل من بريطانيا وفرنسا ضغوطاً شديدة على ألمانيا للتراجع عن قرارها، ما قد يلقي بظلاله على العلاقات بين الدول الثلاث".
خلاف ألماني داخلي
لم يقتصر الخلاف الألماني على الشركاء الأوروبيين وحسب، بل إن هناك معارك داخلية عنيفة تدور بين الأحزاب الألمانية نفسها حتى تلك التي شكلت الائتلاف الحاكم.
وعلى إثر تواتر الأنباء حول اقتراب الحزب الديمقراطي الاجتماعي -العضو الأصغر في الائتلاف الحاكم- تخفيف حدة موقفه إزاء الحظر المفروض على تصدير الأسلحة إلى السعودية، حذر نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك بالائتلاف من أي تخفيف لإجراءات وقف صادرات الأسلحة إلى المملكة. وطالب الحزب الاشتراكي الديمقراطي بتمديد وقف تصدير السلاح إلى السعودية ستة أشهر أخرى.
يقول الدكتور غونتر ماير خبير شؤون الشرق الأوسط لـ DW عربية إن الأحزاب المعارضة لتصدير السلاح بشكل أساسي هي أحزاب اليسار وحزب الخضر والذين يرفضون بشكل مطلق تصدير السلاح لدول تخوض نزاعات مسلحة، لكن الأمر أشد حرجاً وحساسية لدى الحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD) والذي يوجد بداخله خلاف على هذا الأمر، فهناك فريقان أحدهما يريد استمرار وقف تصدير السلاح والآخر لديه قلق شديد بسبب الاتفاقات الموقعة مع شركاء ألمانيا، لذا يعمل الطرفان على الوصول إلى تسوية تحقق الحد الأدنى من مطالب كافة الأطراف.
لكن محمد اغا الباحث السياسي في مؤسسة فريدريش -ايبرت في برلين سابقاً والناشط السياسي يرى أنه من غير المنطقي أن يعارض أياً من الأحزاب الثلاثة الكبيرة في ألمانيا تصدير السلاح بشكل كامل، "فقد يوجد بعض التحفظ على التصدير في الوقت الحالي بسبب الخلاف حول حرب اليمن لكن كل الأحزاب لديها باحثين اقتصاديين وهؤلاء يضعون الأحزاب في صورة مدى أهمية انتاج وتصدير السلاح للاقتصاد الألماني".
ويضيف أغا بأن الموضوع مثار إعلامياً لكسب الرأي العام الألماني من جانب بعض الأحزاب، أما أخلاقيا فأكثرهم تشدداً في هذه المسالة هو حزب الخضر، "لكني على يقين - ولو أن هذا الكلام لا يقال إعلامياً - بأن الاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU والحزب البافاري SCU وإلى حد ما الحزب الديمقراطي الاجتماعي SPD سيكون الموضوع الاقتصادي هو العامل الحاسم لأي قرار يتفقون عليه عندما يحين وقت اتخاذ القرار النهائي، فعندما يشعر هؤلاء أن وقف تصدير السلاح سيكون فيه ضرر على الاقتصاد الألماني فلا أحد سيعارض التصدير لكن قد يتم التوصل في هذا الإطار إلى اتفاقيات تفصيلية حول نوع وكمية وطبيعة السلاح المصدر للدول المشاركة في نزاعات مسلحة".
ويستمر الخلاف داخل الائتلاف الحاكم حول تمديد وقف تصدير الأسلحة للسعودية لمدة أطول من المتوقع؛ حيث أخفقت محاولة التوصل لاتفاق من قبل مجلس الأمن الاتحادي يوم الأربعاء في ديوان المستشارية قبل أيام قليلة فقط من انتهاء المدة المحددة لقرار وقف الصادرات إلى السعودية مع نهاية الشهر الجاري.
الأخلاقي.. في مواجهة السياسي والاقتصادي
لم تكن ألمانيا هي الدولة الوحيدة التى أوقفت تصدير السلاح للسعودية بسبب حرب اليمن والأحداث التي تلتها، لكن ألمانيا وهي أحد أكبر دول العالم في انتاج وتصدير السلاح من الدول المعدودة التي تتخذ قراراً مثل ذلك، لتنشأ إشكالية ما بين الأخلاقي من جهة والسياسي والاقتصادي من جهة أخرى.
يقول الدكتور غونتر ماير أستاذ العلوم السياسية في جامعة يوهانيس غوتنبرغ ماينتس لــ DWعربية إن الوضع الحالي هو إما أن تواصل ألمانيا المشاركة في إنتاج وتصدير الأسلحة مع شركائها إلى السعودية والا سيتم وقف أي تعاون عسكري مع ألمانيا في المستقبل وهذا أمر سيكون له عواقب شديدة السلبية على الاقتصاد الألماني الذي يعتمد جزء كبير منه على إنتاج وتصدير السلاح بل وحتى على صورة ألمانيا نفسها كدولة تفي بالتزاماتها.
أما بيتر ويزمان كبير الباحثين في معهد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) فقال في حديثه لـ DW عربية إن الخلاف بين الدول بشأن تصدير السلاح للسعودية وحلفاءها قد يؤثر إلى حد ما على مجريات الأمور في الحرب على اليمن، لكنه أضاف بأن ألمانيا نجح فيها الأخلاقي في مقابل السياسي والاقتصادي – إلى حين - وأنها قد اتخذت القرار وهي تعلم أنه قد يتسبب لها في مشكلات مع شركاءها في أوروبا، بل إن الأمر قد يعرض صناعة السلاح الألمانية للخطر.
لكن على الجانب الآخر - يضيف ويزمان - فالأمر مختلف تماماً، "فهناك ضغوط داخلية وخارجية على ألمانيا لتغيير موقفها خاصة وأن الدول الأخرى تعتمد معايير مختلفة تماماً عن المعايير الألمانية في مسألة تصدير السلاح، ولا أحد يعلم إلى أي حد يمكن لبرلين الاستمرار في تفعيل هذا القرار خاصة وأن القرار الاقتصادي يسير جنباً إلى جنب مع القرار السياسي".
عماد حسن