ألمانيا - هل ساهم المسلمون أيضا في فوز حزب "البديل" الشعبوي؟
٣ أكتوبر ٢٠١٧بنى الحزب اليميني الشعبوي برنامجه على "الإسلام ليس جزءا من ألمانيا"، وكسب أصواتا كثيرة على خلفية مناهضته لسياسة استقبال اللاجئين التي يرى فيها ايضا مدخلا لأعداد كبيرة من المسلمين الذين قد يغير وجودهم في ألمانيا ملامح هويتها الثقافية والإجتماعية.
احتفال ألمانيا بوحدتها، بعد أيام قليلة من الإنتخابات العامة، يجعل أصداء الانتخابات تهيمن عليها. واحتفال بعض المسلمين وبطريقتهم الخاصة بالعيد الوطني الألماني عبر فعاليات ما يٌعرف بـ "يوم المسجد المفتوح"، لا يخلو بدوره من صدمة الانتخابات وخصوصا فوز حزب يميني شعبوي لأول مرة منذ تأسيس الدولة الألمانية الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية.
فجوة بين المسلمين وقطاع كبير من المجتمع
المؤشرات التي ظهرت خلال الانتخابات العامة تضع أمام المتابعين للشأن الألماني فرضيتين متعارضتين- ظاهريا على الأقل- وتكشفان حقائق ومفارقات تكتنف دور المسلمين في المجتمع الألماني.
المؤشر الأول، يتعلق بالخوف من الإسلام، فقد أظهر استطلاع لآراء الناخبين بعد خروجهم من مكاتب الإقتراع يوم 24 سبتمبر/أيلول أن 46 في المائة من الناخبين الألمان يخشون "تزايد تأثير الإسلام" في المجتمع الألماني. وكشف الاستطلاع، الذي أجراه معهد "إنفراتست ديماب" للأبحاث، أن 46 في المائة من الناخبين الألمان "قلقون للغاية من التأثير المتزايد للإسلام" في البلاد. وما يلفت الانتباه هو تصاعد الخوف من الإسلام بشكل ملحوظ وخصوصا بعد موجة اللاجئين التي وصلت إلى ألمانيا منذ سبتمبر أيلول 2015، حيث أظهرت دراسة انجزتها جامعة لايبتسغ (شرق ألمانيا) بالتعاون مع ثلاث مؤسسات أبحاث ألمانية، سنة 2016، أن 41,4 في المائة من الألمان يخشون من أن تؤدي هجرة المسلمين بأعداد كبيرة إلى تغيير نمط حياتهم المجتمعية. ولم تكن هذه النسبة تتجاوز 20 في المائة في عام 2009.
المؤشر الثاني، يظهر من خلال استطلاع للرأي نشر منذ أسبوعين، ويفيد بأن معظم المسلمين في الاتحاد الأوروبي يشعرون رغم بعض العداوات بأنهم يعيشون في بيتهم. اذ أكد 76 في المائة ممن شملهم الاستطلاع الذي أجرته وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية ونشرت نتائجه أن لدى هؤلاء المسلمين شعورا قويا بالانتماء للبلد الأوروبي الذي يعيشون به. ويعيش في ألمانيا وفرنسا حوالي 50 في المائة من مسلمي أوروبا. وتشير دراسات واستطلاعات رأي أجريت في ألمانيا ايضا إلى مؤشرات حول أن معظم مسلمي ألمانيا يشعرون بالإندماج رغم الإشكالات التي تثار في الإعلام وعالم السياسة حول الإسلام.
أولى الملاحظات التي يمكن تسجيلها من هذه المؤشرات هو وجود مفارقة كبيرة بين نظرة قطاع كبير في المجتمع الألماني للمسلمين والإسلام، وبين نظرة المسلمين لأنفسهم ودورهم. ويذهب كثير من الخبراء إلى التركيز على العوامل الثقافية والنفسية والتاريخية في تحليل أسباب هذه الفجوة. ولا شك أن مبادرة "يوم المسجد المفتوح"، بمشاركة حوالي ألف مسجد والتي تعود إلى 21 عاماً، تساهم في ردم هذه الفجوة. لكن يمكن أيضاً التوقف عند المعطيات التي كشفت عنها نتائج الانتخابات الأخيرة.
تغذية الشعور بالخوف
في حملته الانتخابية استخدم حزب "البديل" نماذج كثيرة من أوضاع المسلمين وتجاوزات بعضهم بالإضافة إلى أحداث الاعتداءات الإرهابية، لتغذية الشعور بالخوف لدى قطاعات من الرأي العام الألماني.
ونشرت صحيفة "دي فيلت الألمانية" وقناة N24، مباشرة بعد الانتخابات إحصاءات تفيد بأن نسبة تتراوح بين 96 و99 بالمائة من ناخبي الحزب اليميني الشعبوي راضون عن تركيز الحزب في برنامجه على السعي لتقليص تأثير الإسلام في حياة الألمان وعلى العمل من أجل وضع حواجز قوية ضد دخول اللاجئين.
ويعتقد فولكر كرونينبورغ أستاذ العلوم السياسية بجامعة بون، أن تفادي الأحزاب التقليدية، مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، التركيز على قضايا الأمن الداخلي ومخاوف المواطنين من إشكاليات تتعلق بالتماسك ووحدة المجتمع، "كان الطريق الخطأ في تعبئة المواطنين الذين لا يشاركون في الانتخابات"، بينما تمكن حزب "البديل" من تعبئة مليون و280 ألف شخص لم يكونوا يشاركون في الانتخابات في السابق.
فقد أظهرت النتائج أن الأحزاب الأربعة التي اعتادت الحصول على أصوات الناخبين من أصول مهاجرة، وهي أحزاب الاشتراكي الديمقراطي والخضر واليسار، بالإضافة إلى المسيحي الديمقراطي (خصوصاً في الانتخابات الأخيرة)، خسرت في اقتراع يوم 24 سبتمبر / أيلول أكثر من مليوني صوت، وراحت لحزب البديل.
ولم تصدر إحصاءات دقيقة حول نسبة المشاركة في أوساط حوالي مليون ونصف المليون ناخب من خلفية مسلمة، إلا أن معظم الخبراء يشيرون إلى نسبة مشاركة ضعيفة قد لا تتجاوز 50 بالمائة بينما تبلغ نسبة المشاركة العامة 76 بالمائة. ويرى محللون أن ضعف مشاركة الناخبين المسلمين قد يكون مرده إلى تركيز الأحزاب التي اعتادوا التصويت عليها، في أولويات برامجها على مواضيع العمل والتعليم والضرائب والصحة، وليس القضايا المتصلة بالهوية وحياة المسلمين في المجتمع الألماني، كما تسجل دراسة لمعهد الأبحاث الاجتماعية الأوروبي بمانهايم. وفي كل الأحوال فان إحجام الناخب المسلم عن الإدلاء بصوته، يساهم موضوعياً في صعود مرشحي الأحزاب المناوئة.
من يؤثر في سلوك المسلمين الانتخابي؟
مثلما تتصدر المساجد الواجهة باسم المسلمين في احتفال ألمانيا بوحدتها، قفزت اتحادات إسلامية مثل المجلس المركزي للمسلمين إلى سطح المشهد الانتخابي، عبر دعوتها المسلمين إلى المشاركة بكثافة في الاقتراع. وفي معظم المناسبات التي تطرح فيها مواضيع تتصل بأوضاع المسلمين في ألمانيا، يتصدر ممثلو الاتحاد الإسلامية والمساجد المشهد، ويشكلون العنصر البارز في تمثيل المسلمين، على غرار "مؤتمر الإسلام" الذي ترعاه وزارة الداخلية الألمانية.
بيد أن دور المسلمين لا يمكن حصره في المؤسسات الدينية، وليس ضعف تأثير دعواتها للناخبين المسلمين سوى مؤشر على أن فئات واسعة من مسلمي ألمانيا هم يعيشون نمط حياة اجتماعية مدنية وليبرالية بعيدة عن النمط المحافظ أو الأصولي الذي تتبناه هيئات إسلامية نشيطة في ألمانيا. بل إن دراسة حديثة في ألمانيا كشفت أن 20 بالمائة فقط من مسلمي ألمانيا يتبعون هيئات أو اتحادات إسلامية. والمؤشر الأكثر إثارة للانتباه هو أنه مقابل القلة القليلة التي تنزع نحو التطرف، كرد فعل على التحديات والإشكاليات التي يواجهها المسلمون في حياتهم وهويتهم بألمانيا وأوروبا، فإن الدراسة تؤكد وجود اتجاه متنامِ في أوساط المسلمين نحو "العلمنة" في حياتهم اليومية وأنهم يعتبرون العقيدة والدين أموراً شخصية.
لكن هذه المؤشرات لا تعفي الساسة والنشطاء ذوي الأصول المهاجرة والمسلمة في عالم السياسة والمجتمع المدني، وبعضهم يوجد في أعلى المستويات الحزبية، من السؤال حول مدى تأثيرهم في الناخبين المسلمين.
كل هذه المعطيات تطرح مجدداً إشكاليات تمثيل المسلمين و"توافق الإسلام مع دستور ألمانيا" الذي شددت عليه المستشارة ميركل إبان الانتخابات في ردها على حملات اليمين الشعبوي ودعوات المتطرفين الإسلاميين. وهل أن الهيئات والاتحادات الإسلامية التي تطالب بالاعتراف لها بمكانة مشابهة للكنيسة، ستقبل بمبدأ الفصل بين الدين والسياسة الذي يحكم وضع الكنيسة.
تدخلات سياسية ونفوذ ديني
ينحدر الناخبون المسلمون بألمانيا أساساً من أصول تركية (الثلثين) وعربية ومن البلقان، ولا تتجاوز نسبة حضور ذوي الأصول المهاجرة في بوندستاغ 5 بالمائة وهي نسبة ضعيفة مقابل حوالي 22,5 في المائة ينحدرون من أًصول مهاجرة من إجمالي سكان ألمانيا. وفي خضم بحثهم عن دور في العملية السياسية تواجه مسلمي ألمانيا مطبّات كثيرة، ضمنها محاولات بعض دولهم الأصلية إلى التدخل وتوظيفهم سواء في صراعاتها السياسية الداخلية أو في سياق علاقاتها الخارجية.
والمثال الأقرب هو تركيا، التي تسببت حملة الاستفتاء على الدستور التركي في انقسام كبير في أوساط الجالية التركية بألمانيا. وقبل الانتخابات تلقى الأتراك، رسالة من الرئيس رجب طيب أردوغان تحثهم على عدم التوصيت للأحزاب الألمانية الرئيسية التي اعتبرها أردوغان أحزاباً "عدوَّة لتركيا".
ولا تمثل هذه الرسالة سوى شجرة تخفي وراءها غابة كثيفة من محاولات التدخل السياسي والنفوذ الايديولوجي والديني الذي تتعرض له الجاليات العربية والمسلمة في ألمانيا، عبر المساجد والمراكز الإسلامية. وتتداخل في تلك المحاولات تدخلات دول وعمليات تأطير تقوم بها جماعات إسلامية متشددة.
ويبدو أن دخول مئات الآلاف من اللاجئين من بلدان عربية وإسلامية إلى ألمانيا قد أجّج صراعات النفوذ الديني والايديولوجي على الجاليات المسلمة، وقد حذرت تقارير إعلامية وتصريحات للسياسيين في الفترة الأخيرة من أدوار تقوم بها دول مثل تركيا والسعودية وقطر وإيران. كما بتّت محاكم ألمانية في عشرات القضايا المتصلة بعمليات تجنيد وتأطير تقوم بها جماعات متطرفة انطلاقا من المساجد.
منصف السليمي