منظور قانوني - حرية التعبير على حساب الأديان
١٩ يناير ٢٠١٥في ألمانيا باتت المحاكمات التي تصدر أحكاما في القضايا المتعلقة بتجديف الأديان حدثا نادرا واستثنائيا. ولا يعود ذلك إلى التطورات المجتمعية فقط ولكن أيضا بسبب تعديل قانون العقوبات المرتبط ب"الإساءة للمعتقدات والمجتمع المتدين والعقيدة" والذي تم إقرار عام 1871.
منذ تعديل ذلك القانون عام 1969 أصبح تطبيق العقوبات الخاصة بالتعدي على المعتقدات يرتبط بشرط أن يؤدي ذلك الى "الإخلال بالسلام والأمن العام"، وإذا من تبث ذلك فإن المحكمة تصدر في هذه الحالة أحكاما بغرامات مالية أو بالسجن لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات.
"الإساءة للأديان" وقانون العقوبات
يسعى المسؤولون السياسيون في ألمانيا إلى حذف المواضيع المتعلقة بالذات الإلهية من النقاش السياسي، وإصدار العقوبات فقط إن كانت هناك عواقب وخيمة بسبب الجدف والإهانة. ويعتبر يوهانس كاسبار أستاذ القانون في جامعة أوغسبورغ أن هذه الصيغة القانونية لا قيمة لها، لأن "القانون بصيغته الحالية يسمح بجدف الأديان كيفما يشاء، عدا إن أدى ذلك إلى الإخلال بالسلام العام".
في العام الماضي أثار كاسبار هذه القضية خلال اجتماع رابطة القانونيين الألمان في مدينة هانوفر، وطالب بحذف المادة 166 من قانون العقوبات، وينطلق اعتراضه من عدم وجود دقة في النص القانوني، لأن المادة 166 لا تحمي الأفراد من التعرض للإهانة ولكنها فقط تتصدى للاعتداءات على المعتقدات الدينية. ولكن أين يقع الخط الفاصل في هذا الموضوع وكيف يجب المحاسبة، حيث يلزم القضاة وممثلو الادعاء تحديد الأحكام من خلال التفاصيل وحسب كل حالة فردية على حدة. ويضيف كاسبار في حديث مع DWعربي: "بموجب القانون في صيغته الحالية يمكن تفسير أعمال الكاتب الساخر أو راسم الكاريكاتير على أنها جريمة مرتكبة؟. نحن لا نريد ذلك في ألمانيا. على العكس، نريد تعزيز حرية الصحافة والرأي"
أحكام قليلة في القاضايا الخاصة بالأديان
يستند عدد قليل من القضاة وممثلي الادعاء على المادة التي تحظر الإساءة للأديان، فإحصائيات الشرطة الجنائية توضح أن من ضمن 60 شكوى تم تقديمها للشرطةتم رفض أغلبيتها من قبل الادعاء فلم ترفع دعوى قضائية. أما الدعاوى التي تصل إلى المحكمة فهي مرتبطة في أغلب الأحوال بطلب إصدار الحكم من أجل دعم حرية الصحافة والإعلام والفن.
في صيف 2012 أراد ائتلاف من ثلاثة مساجد منع عرض رسومات للنبي محمد، بينما أصدرت المحكمة الإدارية العليا في برلين قرارا برفض المطلب بناء على ثلاثة أسباب: أولا لأن الرسومات ترتبط بقوانين حرية التعبير عن الفن، وللأن عرضها خلال المظاهرة فحسب، لا يمكن اعتباره تحريضا على العنف أو الكراهية أو تجديفا للدين.
مادة مثيرة للجدل
قرار المحكمة في برلين لم يفاجئ المحامي والخبير في الشؤون القانونية الخاصة بالصحافة والإعلام شتيفن بونينبيرج الذي أوضح في حديثه مع DW عربي أن آليات القانون تحمي المواطنين والصحفيين من المحاكمة بموجب المادة المثيرة للجدل. أما بالنسبة للمتدينين، "فعليهم أن يتحملوا بعض مظاهر المجتمعات الحرة".
عندما وصف أحد المدونين عام 2011 الكنيسة الكاثوليكية على أنها "جماعة منتهكة لأعراض الأطفال"، رفضت القاضية المختصة في برلين قبول الدعوى المقدمة ضد هذا المدون. لذلك فليس من المفاجأة أن تسعى الأحزاب السياسية، خاصة حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر لإلغاء هذا القانون.
التظاهرات وتأثيرها على الأحكام
قبل تسعة أعوام صدر حكم في مدينة مونستر يمكن اعتباره من بين الحالات القليلة التي تم فيها إصدار عقوبة تستند على المادة 166 من القانون الخاص بهذا الشأن. فقد أصدرت المحكمة حكما مع إيقاف التنفيذ في حق رجل قام بطباعة آيات من القرآن على الورق المستخدم في المراحيض ثم قام بتوزيعها. وقد أثار تصرفه احتجاجات قوية وصلت إلى خروج أعداد كبيرة من المتظاهرين في إيران. وعلى إثر ذلك أصدرت المحكمة حكما بهذا الشأن، حيث اعتبرت في قرارها أن مثل ذلك التصرف يهدد السلم والأمن العام.
وقد رفضت رابطة القانونيين الألمان في مؤتمرها الذي عقدته العام الماضي في هانوفر اقتراحا تضمن حذف المادة 166 من قانون العقوبات، معتبرة أن هذه المادة "تحافظ على شعور الأقليات الدينية بالأمان".