ألمانيا قبل ثمانين عاماً: بداية اضطهاد اليهود بشكل منهجي
١ أبريل ٢٠١٣في يوم السبت، الأول من شهر نسيان/أبريل عام 1933،عاشت ألمانيا مشاهد مرعبة: رجال يرتدون أزياء بنية من "كتيبة العاصفة النازية" يقومون بمحاصرة الدكاكين والمحلات التي يملكها يهود وعيادات أطباء يهود ومكاتب محامين يهود. وكانوا يهدّدون كل من كان يريد دخولها من حرفيين وزبائن محتملين. وكانوا يحملون لافتات كُتب عليها: "أيها الألمان دافعوا عن أنفسكم، لا تشتروا شيئا من اليهود!"، مردّدين شعارات معادية لليهود. في ذلك اليوم بدأ النازيون بإتباع سياسة "مقاطعة اليهود" التي مهّدت لمرحلة ملاحقة واضطهاد يهود ألمانيا لاحقا.
"حل مسألة اليهود"
منذ العشرينات كان أدولف هتلر يطالب ب"حل" لما كان يصفه ب"مسألة اليهود". وعندما تولى الحكم في ألمانيا عام 1933 وحولها إلى ديكتاتورية شمولية، أطلق العنان لأتباعه لنشر الكراهية ضد اليهود. و تم بوصول النازيين إلى الحكم تحييد القوانين الأساسية لدستور جمهورية فايمر وإصدار قوانين أخرى دون أي مراقبة. وفي البداية استغل النازيون سلطتهم لملاحقة أعدائهم دون هوادة، ثم إذا بهم يلاحقون اليهود الذين اعتبروهم أعداء "الجنس الآري".
وعقب دعوة النازيين إلى مقاطعة اليهود في الصحف الألمانية شهدت مدن ألمانية كثيرة، إلى جانب دعوات الكراهية لليهود، عدة حوادث تعسفية، ففي بلدة آنابيرغ، في ولاية سكسونيا، اعتدى النازيون على أناس ترددوا على متاجر تابعة ليهود وقاموا بطبع شعار على وجوههم "نحن خونة، نتبضّع عند اليهود". وفي مدن أخرى هشم النازيون متاجر ومكاتب ليهود. ولحسن حظ ضحايا المعادين للسامية فأن بداية المقاطعة كان في يوم سبت الذي يتزامن مع يوم شبات اليهودي. وبالتالي كان عدد كبير من متاجر اليهود مغلقة.
لامبالاة أغلبية الألمان
وأصيب اليهود بصدمة كبيرة لما حصل، حيث كتب أحد اليهود من مدينة هامبورغ الألمانية: "لقد كنت ألمانيا إلى أبعد الحدود، لم يكن بوسعي فهم ما جرى". وفي برلين، علّق أحد التجار اليهود في متجره لافتة نوه فيها إلى كفاحه كجندي ضمن الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الأولى، حيث كتب: "طوال أربع سنوات كرّست نفسي لحماية ألمانيا". وبالنسبة لغالبية اليهود فأن الأول من نسيان/أبريل عام 1933 يشكل نهاية "وهم مفاده أنهم متساوون مع الألمان". والكثير منهم كان يعلق آمالا في أن تسقط حكومة هتلر أو على الأقل ألاّ يزيد الوضع سوءا.
وكذلك الألمان من غير اليهود فقد كانت ردة فعلهم مغايرة لما كان يأمل فيه النازيون. كما لم يشارك الناس أيضا في مظاهرات احتجاجية، حيث يعبّر أحد المعاصرين لهذه الأحداث عن الرأي السائد في ذلك الوقت قائلا: "لقد كنت اعتبر كل شيء هراء ولكني لم أعط الأمر أي اهتمام." وقد كان عدم الاكتراث هو موقف غالبية الألمان. وفي بعض المناطق تضامن الألمان مع اليهود المقاطعين.
وفي مساء الأول من نسيان/أبريل أعلنت قيادة الحزب النازي تجميد المقاطعة، إذ كان الإحباط من قلة مشاركة الألمان كبيرا. كما تضاعفت الأصوات المحذرة من تبعات كارثية للاقتصاد الألماني في حال استمرت المقاطعة. بيد أن النازيين نجحوا من خلال المقاطعة في إقصاء اليهود، ذلك أن عددا متزايد من الألمان بدأ يتجنب التبضع أو التعامل مع اليهود.
قانون يقصي اليهود من الوظيفة العمومية
وبعد سبعة أيام فقط من إطلاق "المقاطعة اليهودية"، أي في السابع من نسيان/أبريل عام 1933، اتخذ النازيون خطوة جديدة لإقصاء اليهود من الحياة العامة من خلال سن قانون جديد يحظر اليهود من ممارسة وظائف في الإدارات والمكاتب التابعة للدولة. ويتضمن هذا القانون الفقرة العنصرية التالية: "كل الموظفين الذين لا ينحدرون من أصول آرية يتم إحالتهم على التقاعد". وبهذا القانون وضع النازيون خطا واضحا يفصل بين الألمان "الآريين" وبين اليهود الذين كانوا ينظرون إليهم "كجنس أدنى". ومن كان أحد والديه يهوديا، فقد كان في نظر القانون ليس من الجنس الآري.
وكان هذا أول القوانين العنصرية التي سنها وصادق عليها النازيون خلال فترة حكمهم. وسرعان من تم توسيع اعتماد "الفقرة الآرية" على عدة مهن، حيث اُستبعد اليهود من المكاتب والمدارس والجامعات وغيرها من المؤسسات العامة.
وبالنسبة لليهود، الذين كان أكثرهم يرى نفسه ألمانيا، فقد اشتدت وتيرة التمييز العنصري ضدهم والاضطهاد التعسفي. أما غالبية الألمان "الآريين" فقد طغى على تصرفاتهم – مثلما كان الأمر خلال يوم "المقاطعة اليهودية" – طابع عدم المبالاة وعدم الاهتمام.