ألمانيا ـ مراجعة السوريين لسفارة بلادهم.. قصة خوف وتكاليف
١٧ ديسمبر ٢٠١٨تمسك وزارة الداخلية الألمانية، بضرورة وجود جواز سفر ساري المفعول، كشرط لحصول اللاجئين السوريين على تمديد الإقامة، قوبل بالنقد من قبل الكتلة البرلمانية لحزب الخضر بالبرلمان الألماني (بوندستاغ)، والتي تقدمت باستفسارللحكومة مطالبة فيه بعدم إجبار اللاجئين السوريين على الذهاب إلى سفارة البلد، التي قد يكون لدى سلطاتها رغبة في قتل هؤلاء.
ويحصل أغلب اللاجئين السوريين في ألمانيا على ما يعرف بـ"الحماية الثانوية". من جهتها ردت وزارة الداخلية على استفسار كتلة الخضر متمسكة بشرط جواز السفر لهؤلاء اللاجئين وقالت بأن "الحديث مع سلطات وطنهم الأم من أجل الحصول على جواز سفر هو مسألة تبقى مطلوبة من حيث المبدأ" في المستقبل أيضا، وفق ما نقلت "شبكة التحرير الصحفي بألمانيا" (RND) اليوم الإثنين (17 ديسمبر/ كانون الأول 2018).
لويزا أمتسبرغ، المسؤولة عن شؤون اللاجئين في حزب الخضر في البوندستاغ، قالت لصحف شبكة التحرير الصحفي بألمانيا (RND): "من غير المقبول أن تعرض السلطات الألمانية سلامة الباحث عن الحماية للخطر بدون داع، وأن تقبل زيادة في المدخول المادي لنظام إرهابي". وفي محاولة منها للتواصل مع السفارة السورية في برلين، تعذر على DW الحصول على تصريح بسب عدم استقبال المكالمات من قبل العاملين في السفارة.
الأمر نفسه الذي اشتكى منه عدد من اللاجئين السوريين المقيمين في ألمانيا، والذين ذكروا أن السفارة لا تجيب على اتصالاتهم في أغلب الأحيان. لكن على الموقع الرسمي للسفارة السورية في برلين، وفي الخانة المخصصة لجوازات السفر، يمكن الاطلاع على مجموعة من التعليمات الخاصة بالحصول على جواز السفر أو وثيقة السفر. ومن ضمن التعليمات على الصفحة الرسمية للسفارة هو أن "الطلب يُقدم من صاحب العلاقة بالذات أو الولي الشرعي للقاصرين وناقصي الأهلية على أن يكون القاصر أو ناقص الأهلية مقيماً في ألمانيا". ما يعني أن الحضور الشخصي للاجئين السوريين في السفارة السورية في برلين من أجل الحصول على جواز سفر جديد أو تمديد جواز السفر القديم، شرط أساسي، بحسب التعليمات الموجود على صفحة السفارة.
وبحسب وزارة الخارجية الألمانية، فان السفير السوري ومعه أربعة من أعضاء الهيئة الديبلوماسية السورية طلب منهم المغادرة منذ سنة 2012. وتقتصر العلاقات مع السفارة السورية ببرلين في "مسائل قنصلية ضرورية جدا". ومنذ سنة 2012 أغلقت السفارة الألمانية في دمشق أبوابها، بينما استمرت السفارة السورية ببرلين مفتوحة وعلى رأسها قائم بأعمال.
أموال الضرائب الألمانية في خزينة الأسد؟
بالإضافة إلى موقف حزب الخضر، طال قرار تمسك وزارة الداخلية الألمانية بشرط جواز السفر حتى بالنسبة للاجئين السوريين، خاصة الحاصلين على الحماية الجزئية منهم، رفض وانتقادات واسعة في ألمانيا، أهمها صدرت من المؤيدين للثورة السورية في ألمانيا. مجموعة Syrebellion4 ، كما يُطلق عليها أو شبكة ناشطين سوريا الحرة، وهي عبارة عن مجموعة من الناشطين الألمان والسوريين، أسسوا صفحة خاصة بهم على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك مع بداية الثورة السورية للتضامن مع الشعب السوري من خلال الدعم الإعلامي. المجموعة قامت بتوجيه رسالة مفتوحة إلى وزير داخلية برلين عبروا من خلالها عن رفضهم لقرار تسمك الحكومة الألمانية بإلزامية جواز السفر كشرط لحصول اللاجئين السوريين على تصريح الإقامة، وقدموا من خلال هذه الرسالة مجموعة من الأسباب، التي تبرر رفضهم لهذا القرار. وعن أهم ما جاء في الرسالة، قال ينس مارتن، المتحدث باسم المجموعة في حواره مع DW: "إن السبب الأول هو كون السفارة السورية في برلين تعد جهاز يعمل بشكل وثيق مع المخابرات السورية، وكل ما يحدث هناك هو عبارة عن فحص أمني في دمشق".
ويرى ينس مارتن أن المشكلة الأساسية" تكمن في كون الدولة السورية تطلب رسوم عالية جداً، إذ تبلغ رسوم الجواز الواحد الساري المفعول لمدة عامين، مبلغ 245 يورو. وقد تصل الرسوم النهائية إلى مبلغ 800 يورو. كما أنه قد يتم دفع مبالغ إضافية أخرى على شكل رشاوى أو بقشيش من أجل تسهيل المعاملة". ويضيف "هذه المبالغ تذهب بالطبع مباشرة إلى الدولة السورية. ولو دفع 400 ألف لاجئ سوري في ألمانيا، من الحاصلين على الحماية الجزئية، من أصل 700 ألف سوري المتواجدين في ألمانيا، 245 يورو كل عامين، فنحن نتحدث عن آلاف الملايين على مدار السنوات" .
المتحدث باسم المجموعة، يرى أيضاً أن هناك عدد من اللاجئين يحصلون على المساعدات الاجتماعية، وأنه مع استمرار الوضع الحالي في سوريا، فإن أموال الضرائب الألمانية ستنقل في النهاية مباشرة إلى سفارة الأسد - رغم أن هذه الدولة على قوائم عقوبات دولية بسبب جرائمها العديدة ضد الإنسانية.
مراجعة السفارة: بين التخوف والجرأة والسخرية
وفي ظل استمرار تمسك برلين بإلزامية حصول اللاجئين على جواز سفر ساري المفعول من أجل تمديد الإقامة لهم، ما يتطلب توجههم بشكل شخصي للسفارة السورية في برلين، الأمر الذي يستنكره بعض اللاجئين، في حين يراه البعض الآخر غير ممكن بالنسبة لهم، بسبب الخوف والقلق، كما حدث مع اللاجئة السورية رودي علي، وهي طالبة جامعية بالفصل الرابع مقيمة في ألمانيا منذ ثلاث سنوات. تجربتها مع السفارة السورية في برلين تقتصر على الهاتف ولم تجرأ على اتخاذ خطوة الذهاب بشكل شخصي إلى هناك، بسبب خوفها من متابعة النظام لها، كما قالت خلال حديثها مع DW عربية: "عندي تخوف من تجربة الذهاب إلى القنصلية السورية في برلين، لأني كردية ولأني كنت من النشطاء في المظاهرات والاعتصامات منذ اندلاع الثورة السورية وتم توقيفي لأكثر من مرة وأصبحت شبه متابعة من النظام". حصلت رودي علي على حماية جزئية ولا تملك جواز سفر، ولأنها تحتاج إلى تمديد إقامتها، فهي بحاجة إلى التوجه إلى السفارة السورية في برلين، لكنها متخوفة، وعن تجربتها عبر الهاتف تقول: "اتصلت بالسفارة، حتى أنني لم أجري الاتصال بشكل شخصي، وإنما طلبت من شخص آخر القيام بذلك بدلاً مني وطلبت منهم تجديد جواز سفري عن طريق المراسلة أو أي طريقة أخرى لكنهم رفضوا وأجابوا بأن الحضور الشخصي شرط ضروري من أجل إتمام هذه المعاملة".
الخطوة التي لم تجرأ رودي علي على القيام بها، قامت بها نجبير درباس، اللاجئة السورية المقيمة في ألمانيا منذ أربع سنوات وتعمل مترجمة بأحد مراكز إيواء اللاجئين وكانت لها تجربة مع تجديد جواز سفرها منذ شهرين فقط.
وعن تجربتها قالت نجبير درباس في حوارها مع DWعربية أنه لم يكن لها تخوفات بشأن التوجه إلى السفارة السورية في برلين من أجل تجديد جواز سفرها، طالما أن دائرة الهجرة والأجانب من طلب منها ذلك وتقول: "طالما أنا موجودة هنا أكيد لن يقطعوا رأسي، وهكذا توجهت إلى السفارة السورية في برلين". وتضيف اللاجئة السورية: "تخوفي في البداية كان حول التعقيدات، التي ممكن أن تقابلني هناك بشأن إجراءات التمديد، وتقول: "كنت متخوفة أن يكون جوابهم رفض تجديد جواز سفري أو شيء من هذا القبيل". قبل شهرين فقط توجهت إلى السفارة من أجل تمديد جواز سفري للمرة الثانية بعد انقضاء العامين على تجربتي الأولى، ولكن عملية التجديد هذه المرة استغرقت وقت أطول، لكنها مرت من دون تخوفات من أي نوع. وعن رفض بعض اللاجئين السوريين في ألمانيا دفع الرسوم الخاصة بإخراج وتجديد جواز السفر للقنصلية السورية، التي تمثل النظام السوري، تقول نجبير درباس "أن الرسوم ليست تبرع منها، وإنما هي من أجل ضرورة وهي تجديد جواز سفرها، وأنها تدفع هذه الرسوم كما تدفع الرسوم الأخرى من أجل اتمام أي وثيقة أو معاملة أخرى لدى الدوائر الألمانية".
لاجئون آخرون عبروا عن رفضهم التام التعامل بأي شكل من الأشكال مع السفارة السورية في ألمانيا، حتى لو تطلب الأمر عدم تمديد إقامتهم، في حين وجد آخرون أن "ذلك يعتبر نوعاً من أنواع الدعم المالي للنظام السوري الذي يرتكب جرائم بحق المدنيين السوريين، كما يرى زياد ابراهم، أحد النشطاء على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في تعليقه على إلزامية الحضور إلى السفارة السورية في برلين من أجل استخراج أو تمديد صلاحية جواز السفر للاجئين السوريين في ألمانيا.
ولم يسلم هذا الموضوع أيضاً من السخرية، إذ علق أحد النشطاء على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ويُدعى مصطفى سليمان، على منشور أحد النشطاء، الراغبين في مراجعة السفارة السورية في برلين، والذي يسأل فيه عن مواعيد فتح السفارة، وكتب مصطفى سليمان رداً علي المنشور بتاريخ 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 لـ Fathi Faht:" أرجوأ أن لا تخلط بين السفارة السورية والسعودية، لأن هناك اختلاف في حرفين، وكلا السفارتين لا يُنصح بهما".
الكاتب: إيمان ملوك، كيرستن كنيب، جيفرسون تشيز