ألمانيا تنشيء أكاديمية ستحقق ثورة رقمية في عالم كرة القدم
٨ ديسمبر ٢٠١٧إنه "مشروع القرن"، كما أنه لن يكون، بالنسبة لكرة القدم، أقل أهمية من "وادي السيليكون"، بالنسبة لتكنولوجيا المعلومات. هكذا يصف أوليفر بيرهوف، مدير المنتخب الألماني، "الأكاديمية الجديدة"، أو "مركز الكفاءة" الجديد، الذي سينشئه الاتحاد الألماني لكرة القدم في مدينة فرانكفورت بداية من العام المقبل، 2018.
وقد قرر مجلس اتحاد الكرة بأغلبية كبيرة في فرانكفورت، الجمعة (8 ديسمبر/ كانون الأول) بدء تنفيذ المشروع، الذي ينتظر أن تصل تكاليفه إلى 150 مليون يورو، وسيفتتح في بداية عام 2021 على أبعد تقدير. وستقام تلك الأكاديمية على أرض كانت حتى وقت قريب تستخدم كمضمار لسباقات الخيل.
كان هناك نزاع قانوني حول الأمر لكن المحكمة الاتحادية قررت في النهاية أن إخلاء الموقع لا يتعارض مع القانون، وبذلك تم تخطي العقبة الأخيرة لإنشاء الأكاديمية. وفي المكان، الذي كانت الخيول تركض فيه، ستقام مرافق رياضية، بجانب نقطة اتصال للمواضيع التكنولوجية، وبخاصة البيانات الضخمة والتحليل الرقمي للعب. ويأمل الاتحاد الألماني لكرة القدم أن يتاح، في الأكاديمية الجديدة، معالجة قضايا لا يتوفر لدى العديد من الأندية الوقت أو الموارد لتناولها. في "وادي السيليكون" لكرة القدم، من المفترض أن تلتقي الخيوط مع بعضها.
كرة القدم الرقمية
فتوفر عدد ضخم من البيانات في الملعب يعتبر مفتاح النجاح في عالم الغد بالنسبة لكرة القدم. وهذه مسألة لا يقولها العلماء فقط، وإنما أيضا المدرب الاتحادي لمنتخب ألمانيا. "بالنسبة لي، هذا هو جزء من التدريب اليومي. وليس هذا فقط، لكن اللاعبين أيضا يتوقعون الآن الاستعداد للتدريب والمباريات باستخدام وسائل رقمية"، حسبما صرح يوآخيم لوف، الفائز بمونديال البرازيل 2014، على هامش أول مؤتمر للمحللين الدوليين، ينظمه الاتحاد الألماني لكرة القدم في فرانكفورت.
وأوضح لوف أن "لاعبي اليوم هم من جيل يحتاج إلى المثيرات البصرية" وتابع مدرب المانشافت: "إنهم لم يعودوا ببساطة مجرد مستقبلين للأوامر، وإنما يريدون أن يروا مواقف اللعب مرة أخرى من زوايا مختلفة. إنهم يريدون الحصول على معلومات، والنقد، ولكن يريدون الحلول قبل كل شيء".
الحصول على أكبر كمية ممكنة من البيانات
لقد دعا لوف وبيرهوف محللين من أندية شهيرة مثل برشلونة ومانشستر سيتي للقدوم إلى فرانكفورت، بالإضافة إلى 130 من الخبراء من جميع القارات الخمس، وهذه تمثل أيضا إشارة إلى أن "ألمانيا ينبغي أن تصبح رائدة في مسألة الرقمنة لتحليل اللعب - على طريقة صنع في ألمانيا – وأول عنوان لهذا الأمر ينبغي أن يكون هو الأكاديمية الجديدة.
الفوز من خلال الكم الكبير من البيانات، يعني معرفة المساحات داخل الملعب، وقياس نوعية التمريرات، بل وحتى وضع قوة الإرادة لدى كل لاعب على حدة، على المحك. لكن ماذا عن قطع الأميال، والاستحواذ على الكرة؟ فقدت الأهمية. فمرارا وتكرارا كان المحللون الدوليون في المؤتمر يتبادلون الإشارة أن ألمانيا اكتسحت البرازيل في الدور قبل النهائي لكأس العالم في عام 2014 بنتيجة 7/1 رغم أن فريق المدرب لوف كان أقل استحواذا على الكرة وفرصا للتسجيل مقارنة مع منافسه. الأمر هكذا، حتى وإن بدا لا يصدق.
كل شيء قابل للقياس ومن المستحيل أن يتصور عمل التدريب بدونه. فالأمر يتعلق بمتابعة اللاعب من كافة الجوانب، أي من زاوية مقدارها 360 درجة. كل شيء يتم تسجيله رقميا، أشرطة الفيديو والبيانات والمعلومات الطبية، باستخدام جهاز تحديد المواقع (جي بي اس)، أو لاقط هوائي بوجود سترات خاصة وشرائح رقيقة في قمصان اللاعبين.
ويقول يوآخيم لوف (57 عاما): "كل مدرب مختلف، فالبعض مازال يعتبر قطع الأميال أمرا مقدسا". لوف يقولها مع ابتسامة فهو يعرف أن التحليلات العلمية الحديثة الموثقة تجاوزت منذ فترة طويلة نسبة الالتحام والأميال المقطوعة، فالمصطلح هنا هو: اللعب بذكاء.
حتى ورقة ينس ليمان ستصبح رقمية
عملاق البرامج الألماني "ساب" هو شريك في الأكاديمية الجديدة ويقدم أحدث الأدوات في مؤتمر المحللين. فورقة الملحوظات مثل تلك التي استخدمها الحارس الألماني السابق ينس ليمان في الدور ربع النهائي لكأس العالم 2006، وكتب فيها ملحوظات بخصوص الزوايا التي يسدد فيها لاعبو الأرجنتين ركلات الجزاء أصبحت من الماضي. فالتطبيق الخاص بركلات الجزاء، الذي طورته شركة "ساب" يأخذ هذه الورقة إلى مستوى جديد، متطور ومتكامل، كما يوضح خبير "ساب" بيرند هوي. هذا التطبيق يتعامل مع ركلات الجزاء التي سددها الخصم في الماضي بشكل شامل ودقيق.
"(كمثال) دعونا نأخذ إسبانيا، الخصم، الذي سيقابل ألمانيا في مارس/ آذار المقبل (في لقاء ودي)"، يقول هوي ويكتب كلمة "ايبيرر" على كمبيوتره اللوحي فتظهر جميع البيانات، التي يحتاجها يوآخيم لوف، لكي يساعد فريقه على هزيمة منتخب "لا روخا" في ركلات الترجيح.
لوف مع جهازه اللوحي على حافة الملعب
التطبيق الذي أعدته شركة "ساب" يتضمن أيضا ما يهم اللاعب وحارس المرمى، وكيف يتصرف الاثنان، والقرارات التي يتخذانها، وكيف كان موقفهم في اللعب وهل كانوا واقعين تحت ضغط وهل المباراة على ملعبهم أما على ملعب المنافس. وكل هذه العناصر يتعامل معها التطبيق ويجهزها وعلى الفور يخرج منها فيديو تحليلي.
فهل سيقف يوآخيم لوف في المستقبل بجهازه اللوحي على خط الملعب قبل ركلات الترجيح؟ نعم، يجيب بيرند هوي ، ويتحدث عن "سيناريو غرف الملابس". فالاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" يمنع استخدام الأجهزة الجوالة للجالسين على مقاعد الفريق، لاعبين وإداريين وغيرهم. غير أنه بإمكان المدرب أن يستدعي كافة المعلومات على جهازه اللوحي، المسموح باستخدامه في وضع غير متصل بالانترنت. ومن عليه بإمكانه أن يكشف للاعبيه الزاوية التي يتوقع أن يسدد فيها ليونيل ميسي الكرة.
لكن لا أحد يعلم حتى الآن رأي الحارس ينيس ليمان في هذا التطبيق. كما أن يوآخيم لوف ينبه لاعبيه بشكل مستمر بـ"ألا يغرقوا في البيانات". رغم ذلك فإنه لا يريد التنازل، خلال كأس العالم السنة المقبلة، عن المزايا، التي يقدمها "تطبيق ركلات الترجيح".
الكاتب: سيباستيان سام/ ص. ش